ما أبغض تلك الحياة التى جعلتنى أحياها داخل هذا الحوض الزجاجى الضيق، المياه قذرة ولا تعطى بالاً أبداً أو تجد ما يدفعك إلى تغييرها وتنظيف الحوض إلا عندما يعاتبك أحد أصدقائك.. أحد أولئك الذين بمجرد دخولهم غرفتك ويبدأون فى الطرق على جدران الحوض بأصابعهم الغليظة، يعتقدون أننى بهلواناً أمامهم يتراقص فرحاً بذلك، لا يعلمون مدى حنقى من تلك الطرقات الضوضائية التى يحدثونها. حتى الطعام تبخل على به، وترمى لى الفتات العفن من بقايا طعامك بدلاً من أن تشترى ما يلذ ويشتهى من عند بائع أسمالك الزينة الذى جئت إلى محله ذات يوم غابرا لتشترينى من عنده، لا أستطيع أن أنسى هذا اليوم عندما امتدت شبكة البائع الصغيرة لتنتزعنى أنت وسط إخوتى، وليضعنى البائع فى هذا الحوض الضيق البغيض، لا أعرف ما هو سر اهتمامك بشراء الحيوانات الأليفة إذا كنت لا تهتم بها؟! فهذا قطك الأسود الذى يُخيل للناظر إليه من بعيد وكأنه شيطان، ها هو يتضور جوعاً ويتلوى ولا يجد ما يأكله، كم حاول فى مرات عديدة سابقة أن يأكلنى، لكنك كنت تأتى فى الوقت المناسب لتنقذنى، حتى عصفورك المغرد.. لم أعد أسمع تغريده منذ زمن طويل، ربما قد صار أبكماً نتيجة لجوعه وإرهاقه الشديد عن تَنقُّله بين أركان قفصه الجاثم على حريته. لا أعرف ماذا يمكننى أن أفعل الآن وأنا أعانى جم المعاناة من الجوع والإرهاق وقذارة المياه من حولى، أمنياتى فى الوصول إلى ما يعرف باسم (البحر) بدأت تزداد يوماً بعد آخر، فكم سمعت عن الحرية المطلقة التى تحياها أسراب الأسماك فيه، والطعام الوفير والمياه الصافية المتجددة، عالم مفتوح ومثالى للحياة، تزداد الأحلام فى مخيلتى كلما ازداد الجوع، أكاد أختنق.. أشعر بهزات عنيفة فى الحوض.. الهزات تزداد.. تزداد.. فجأة انكسر الحوض وسقطت على الأرض مع قطرات المياه العفنة من حولى، ثم وجدت نفسى بين فكى الشيطان الأسود الذى يتضور جوعاً هو الآخر، لعل كونى وجبة شهية له يعطيه فرصة فى الحياة ليوم آخر جديد!