قفزة جديدة لعيار 21 خلال أيام…أسعار الذهب ارتفعت بنسبة 50% خلال العام 2025    تحرير 11 مخالفة تموينية خلال حملة على الأسواق بمغاغة    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب 2025 في القاهرة    الفراولة المجمدة تتصدر قائمة السلع الغذائية المصدّرة في 2025 بنمو قياسي 81%    كامل الوزير يصدر قرارا بتعيين 3 أعضاء بغرفة الصناعات المعدنية    بوتين: الخطة الأوروبية بشأن أوكرانيا غير مقبولة لروسيا    بوتين: إذا بدأت أوروبا حربا ضد روسيا فلن تجد موسكو قريبا "من تتفاوض معه"    كأس العرب| منتخب الكويت يسجل التقدم في مرمى مصر    الأكاديمية الوطنية للتدريب تختتم أول برنامج من نوعه لأعضاء الشيوخ    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    المتحف المصري يستضيف رحلة فنية عالمية تربط التراث بالإبداع المعاصر    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    ريال مدريد يعلن تفاصيل إصابة فيرلاند ميندي.. وتقارير توضح موعد عودته    إبراهيم حسن: منتخب مصر يخوض تدريبه الأول غدًا بمشروع الهدف    مدير تعليم دمياط يتفقد «المنتزة» و«عمر بن الخطاب».. ويشدد على الانضباط    محافظ الغربية يعقد اجتماعًا مع شركة "تراست" لمتابعة تشغيل النقل الداخلي بمدينتي طنطا والمحلة    المبعوثة الأمريكية تجري محادثات في إسرائيل حول لبنان    التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    3 عروض مصرية.. 16 عملا تأهلت للدورة 16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    مدير معرض القاهرة للكتاب يكشف تفاصيل الدورة ال57: قرعة علنية وشعار جديد لنجيب محفوظ    ماجد الكدواني يواصل التحضير لمسلسل «سنة أولى طلاق»    عاجل- رئيس الوزراء زراء يتابع تطور الأعمال في التجمع العمراني الجديد بجزيرة الوراق ويؤكد أهمية استكمال المشروع وتحقيق النقلة الحضارية بالمنطقة    موعد مباريات الجولة الأولى من بطولة كأس عاصمة مصر 2025-2026    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    الصحة تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    كأس العرب - شكوك حول مشاركة براهيمي أمام السودان    رسميًا.. بدء عملية اختيار وتعيين الأمين العام المقبل للأمم المتحدة    مصر ضد الكويت.. الأزرق يعلن تشكيل ضربة البداية في كأس العرب 2025    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    محافظ المنيا: إزالة 2171 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية ضمن الموجة 27    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    مادورو يرقص من جديد فى شوارع كاراكاس متحديا ترامب.. فيديو    رئيس جامعة الأزهر: العلاقات العلمية بين مصر وإندونيسيا وثيقة ولها جذور تاريخية    فى زيارته الأولى لمصر.. الأوبرا تستضيف العالمي ستيف بركات على المسرح الكبير    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    حبس عامل مدرسة بالإسكندرية 15 يومًا بتهمة الاعتداء على 4 أطفال في رياض الأطفال    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    مدير الهيئة الوطنية للانتخابات: الاستحقاق الدستورى أمانة عظيمة وبالغة الحساسية    مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لاستلام عيّنات من الصليب الأحمر تم نقلها من غزة    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    6 نصائح تمنع زيادة دهون البطن بعد انقطاع الطمث    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    فوائد تمارين المقاومة، تقوي العظام والعضلات وتعزز صحة القلب    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    اليوم .. إعلان نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    وزير الري يشارك في مائدة وزارية بالمغرب لبحث تسريع تحقيق هدف المياه المستدامة    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرصد الأزهر يحذر من استهداف الجماعات الإرهابية للقاحات فيروس كورونا
نشر في اليوم السابع يوم 14 - 02 - 2021

قال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أنه تابع العديد من التصريحات التي حذرت من ارتفاع معدلات الجريمة خلال تسليم جرعات اللقاحات ووجود خطط لاستهداف الشحنات والمخازن وذلك بالتزامن مع انطلاق سباق اللقاحات في العالم للخروج من جائحة "كورونا" التي أثرت سلبًا على حياة الملايين حول العالم.

وتابع: تلك التحذيرات التي تم رصدها من قبل المرصد سبقها سلسلة من التقارير التي قام بإعدادها لكشف الروابط المتشابكة والمعقدة بين العناصر الإجرامية والجماعات الإرهابية، الأمر الذي يدعم تلك المخاوف خاصة مع وجود شواهد تاريخية على استهداف الجماعات الإرهابية للقاحات الخاصة بشلل الأطفال على سبيل المثال في باكستان وأفغانستان ونيجيريا؛ لذا سلط مرصد الأزهر الضوء على التهديدات المحيطة بلقاحات كورونا من قبل الجماعات الإرهابية في تقريره الأخير الذي جاء تحت عنوان (لقاح كورونا في مرمى تهديدات الجماعات الإرهابية).

تحذيرات من استهداف اللقاحات

ومع انطلاق سباق اللقاحات في العالم للخروج من جائحة (كورونا) التي أثَّرت سلبًا على حياة الملايين حول العالم، انطلقت عدة تحذيرات من ارتفاع معدلات الجريمة خلال تسليم جرعات اللقاحات، لعل أبرزها ما حذر منه رئيس الشرطة الدولية "الإنتربول"، يورغن ستوك، من احتمال وقوع سرقات وعمليات اقتحام مخازن وهجمات أثناء نقل تلك اللقاحات.

كما لفت تقرير لصحيفة "ذا صن" البريطانية إلى تحذير أجهزة الاستخبارات والأمن في المملكة المتحدة، من خطط لاستهداف شحنات لقاح كورونا وهو ما دفع الحكومة لتتبع مواقع الشاحنات عبر الأقمار الاصطناعية، وتزويد المركبات الناقلة بأنظمة إنذار وإغلاق تحسبًا لأيِّ هجوم محتمل.

وبالانتقال إلى ألمانيا، نجد أن رئيس مؤتمر وزراء الداخلية، غيورغ ماير، حذَّر أيضًا من تعرض عمليات نقل لقاحات كورونا، ومراكز التطعيم لهجمات مع تصاعد التطرف في صفوف المناهضين للتلقيح رغم خطورة الوضع في البلاد والدعوة لتشديد إجراءات العزل العام.

تلك التحذيرات المعلنة دفعت مرصد الأزهر- الذي سبق أن أعد سلسلة من التقارير حول الروابط المتشابكة والمعقدة بين العناصر الإجرامية والجماعات الإرهابية، والتي أسفرت عن أعنف الهجمات الدموية، إلى جانب عدد من المقالات حول استغلال الجماعات الإرهابية للجائحة لفرض نفوذها على الأرض- إلى التعمق أكثر في أبعاد تلك القضايا وبيان مدى إمكانية استفادة الجماعات الإرهابية منها، للحيلولة دون وصول لقاحات كورونا إلى المناطق التي تسيطر عليها إلى جانب استهداف مراكز التلقيح في عدد من الدول، لوقف عمليات السيطرة على الوباء؛ بهدف تدعيم فكرها المتطرف الذي سبق أن أعلنت عنه في بداية الجائحة عندما اعتبرتها عقاب من الله لما أسمتهم ب "الكفار".

ويتزامن تناول مرصد الأزهر لتلك المخاطر المحيطة بلقاحات كورونا مع ما كشفت عنه صحيفة "ذا صن" البريطانية من احتمالية استهداف العصابات الإجرامية التي تبحث عن المال للباحثين والمنظمات العاملة، في مجال تطوير لقاحات فيروس "كورونا"، خاصة مع تمكن هؤلاء المجرمين والمتسللين الذين لا يستبعد أن يكونوا من الجماعات المتطرفة من معرفة العلماء المستهدفين من خلال (الذكاء مفتوح المصدر) وهو المعلومات المتاحة مجانًا على منصات التواصل الاجتماعي، ومعلومات المقالات العلمية التي تتحدث عن الجائحة، وسيرة العلماء المشاركين في تصنيع اللقاحات، وهو ما قد يتسبب في فقدان المزيد من الأرواح إذا تعطلت أو أربكت عملية تصنيع اللقاحات ونقلها.

هذه التطورات المتلاحقة جراء الجائحة وردود فعل المعترضين على اللقاحات من المتطرفين والإرهابيين، دفعت إليوت ستيوارت، وهو محلل في شؤون الشرق الأوسط، في تقرير نشرته مجلة "ذا ناشونال انتريست" الأمريكية، للتأكيد على أن المتطرفين والمنظمات الإرهابية أكبر المستفيدين من الجائحة؛ حيث يرى "ستيوارت" أن لهذه الجماعات الدافع والوسيلة لتقويض الجهود المبذولة لمواجهة فيروس كورونا، موضحًا أن تنظيم "داعش" صاحب الدافع الأكبر؛ حيث يحتفي بجائحة كورونا باعتبارها عقابًا من الله ضد أعدائه من "الكفار"!

وبالفعل لدى العودة إلى بداية ظهور الجائحة نجد أن التنظيم الإرهابي استغل الاضطرابات الواقعة جراء تفشي الفيروس؛ لتعزيز رؤيته المتطرفة عالميًّا، واجتذاب عناصر جدد وتحقيق مكاسب على الأرض بعد هزائمه في سوريا والعراق، وهو ما حذَّر منه مرصد الأزهر مرارًا في إصداراته الأخيرة؛ لذا كلما طال أمد الجائحة وما تسببه من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية، ازدادت فرص تحقيق "داعش" للمكاسب المادية والمعنوية.

وقد أدَّت تلك الرؤية المتطرفة لتنظيم "داعش" الإرهابي حيال الجائحة إلى إثارة موجة من التوقعات حول قيامه، وغيره من تنظيمات إرهابية بعرقلة الجهود المبذولة لمواجهتها لكي يطيل أمد الأزمة.

نماذج لتعامل الجماعات الإرهابية مع الفرق الطبية واللقاحات

ومن النقاط المهمة التي استوقفت مرصد الأزهر حول التحديات التي قد تواجه عمليات التلقيح من قبل الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم "داعش" الإرهابي وفروعه في آسيا وإفريقيا وذئابه المنفردة المنتشرة في باقي أنحاء العالم وكذلك "القاعدة" وفروعه التي تستهدف العلم والعلماء دومًا، هو وجود شواهد تاريخية على وقوع أحداث مماثلة في عددٍ من الدول نخص منها: باكستان وأفغانستان ونيجيريا.

ويدخل ضمن تلك التحديات التي تخوف منها المحلل السياسي الأمريكي، إليوت ستيوارت، وحذَّر المرصد منها كثيرًا، استمرار وجود آلاف المقاتلين تحت تصرف تنظيم "داعش"؛ مما يمكنه من مهاجمة مراكز اللقاحات بسهولة، وتدميرها في المناطق التي يتواجد بها فروعه التي تعلن دائمًا ولاءها للتنظيم الأم مع كل عملية دموية يتم تنفيذها، وكذلك قد يمتد الخطر إلى تنفيذ ضربات خارج تلك المناطق بواسطة "الذئاب المنفردة"، إلى جانب اعتماده وغيره من تنظيمات متطرفة على استراتيجية نفسية، تقوم على بثِّ رسائل تثير الخوف في النفوس تجاه مدى أمان وفاعلية اللقاح.

هذه المخاوف دعمها ما ظهر مؤخرًا من اعتماد الجماعات المتطرفة على خطاب الكراهية والتحريض والشماتة في تعاملها مع تداعيات وباء "كورونا"؛ لا سيما مع تسجيل الدول الغربية أعلى معدلات إصابة عالميًّا، وهو ما أشارت إليه شبكة "إي بي سي نيوز" الأمريكية من استغلال تلك الجماعات للوباء لإنعاش دعايتها المتطرفة عبر منصاتها الإلكترونية، وتصوير الفيروس بمثابة عقاب إلهي لمن وصفوهم ب"الكفار" واتفق في ذلك كل من تنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهابيين. وظهر ذلك بوضوح في بيان تنظيم "داعش" الإرهابي الذي أظهر فيه شماتته خلال إشارته إلى تسبب الفيروس في مقتل الكثير من الأمريكيين في فترة زمنية قصيرة تفوق ما وقع من قتلى في هجمات 11 سبتمبر 2001.

كما تطرَّق بيان التنظيم الإرهابي إلى الخسائر الاقتصادية التي لحقت بالولايات المتحدة جراء تفشي الفيروس، مستعينيين بالأرقام الرسمية المعلنة مثل تسجيل 4 ملايين شخص في قوائم البطالة، في نهج ليس بجديد فقد سبق "داعش" في ذلك زعيم "القاعدة" السابق أسامة بن لادن الذي كان يشير دائما إلى الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة جرّاء هجمات 11 سبتمبر.

هذا الخطاب المستخدم منذ بداية جائحة "كورونا" يستخدم من قبل الجماعات المتطرفة، فدائمًا نجدها تربط بين الكوارث الطبيعية والأزمات- أيًّا كان نوعها- وبين غضب الله، ضمن استراتيجيتها النفسية ل "شيطنة الآخرين" ممن تعتبرهم خصومًا لها، ولتدعيم فكرها المتطرف بدلائل وهمية تصوغها لإقناع عناصرها بصدق أفكارها، وبالتالي ضمان تبعيتهم لها، ومن أجل ذلك ترغب في استمرار الوضع الكارثي للجائحة؛ لتظل حجتها قائمة، وهو ما تترجمه المخاوف التي طرحناها من إمكانية شنَّها لهجمات تعوق عمليات تسليم اللقاحات، خاصةً في المناطق التي تسيطر عليها، لتيقنها بناء على تجارب سابقة بأن استمرار الوباء في تلك المناطق كفيل بنقل العدوى إلى باقي أنحاء العالم.

ويمكن القول: إنَّ ما يرافق جائحة "كورونا" من مخاوف استهداف للقاحات، والفرق الطبية العاملة ليس بجديد، فقد سبق أن اكتوت عدد من الدول في آسيا وإفريقيا بنار تطرف وإرهاب تلك الجماعات في الحقل الصحي.

ففي باكستان، سجَّلت الجهات الصحية والأمنية ما يقارب من 71 حادثة اغتيال منذ عام 2012، لممرضين وعمال في القطاع الصحي ورجال شرطة على يد حركة "طالبان" لوقف حملات التطعيم ضد مرض شلل الأطفال. ورغم الانخفاض الملحوظ في عدد الإصابات بهذا المرض في عام 2016 إلا أن ذلك يرجع للتعزيزات الأمنية التي فرضتها باكستان لمواجهة الحركة الإرهابية.

فنجد أن حركة "طالبان" مثل غيرها من الجماعات الإرهابية استخدمت اللقاح كورقة ضغط لفرض شروطها، وتحقيق مكاسب على الأرض سواء بالمنع أو بتوزيع منشورات تتهم فيها العاملين الصحيين بأنهم جواسيس، ومن أمثلة ذلك منعها عمليات القضاء على المرض في جنوب وزيرستان في محاولة منها، لوقف ضربات الطائرات بدون طيار ضد معاقلها.

وتعد باكستان واحدة من ثلاث دول فقط لا تزال تعاني من مرض شلل الأطفال في العالم، الذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا لم يأخذ الطفل التطعيم في التوقيت المناسب.

ووفق منظمة الصحة العالمية يمكن أن يؤدي الإخفاق في تنفيذ نهج استراتيجي صحيح إلى استمرار فيروس شلل الأطفال في السَّريان، إذ يتواصل سَريانه المتوطن في كل من باكستان وأفغانستان. وقد يسفر الفشل في وقف المرض في هذه المناطق المتبقية المذكورة عن وقوع حالات جديدة يصل عددها إلى 200 ألف حالة سنويًّا على مدى 10 سنوات في أنحاء العالم أجمع.

أما أفغانستان، فقد أبلغت كابول في عام 2011 وفق صحيفة الجارديان البريطانية عن زيادة عدد الحالات؛ لعدم تمكنها سوى من حماية ثلثي الأطفال فقط من المرض. فالتقارب الجغرافي مع باكستان ووجود جماعة طالبان في كلا البلدين حيث التقارب الأيديولوجي كان عقبة أيضًا في جهود القضاء على مرض شلل الأطفال، فدائمًا كان هناك مخاوف من انتقال معارضة "طالبان" الباكستانية لحملات التطعيم ضد المرض إلى الجماعات الأفغانية التي تضمُّ مقاتلين أجانب أكثر تشددًا من الحركة الباكستانية، وهو ما أكده بعض اللاجئين الفارِّين من منطقتي ويغال وكامديش.

وبالانتقال إلى إفريقيا، وتحديدًا نيجيريا لم تكن الفرق الطبية هناك أكثر حظًّا فقد واجهت تحديات كثيرة لممارسة دورها في تطعيم الأطفال ضد الفيروس الذي لا يقل خطورة عن "كورونا"، حيث وقوع حالة واحدة كفيلة بنقل العدوى للمئات لعوامل كثيرة منها: استمرار الفيروس في البيئة المحيطة بالأطفال لبضعة أسابيع، وهو ما يزيد من فرص انتقاله لباقي الأطفال خاصة في المناطق المكتظة مع ضعف شبكة الصرف الصحي وهطول الأمطار السنوية، والأهم وقوع تلك الإصابات في الأراضي الوعرة التي تسيطر عليها حركة "بوكو حرام" الإرهابية في شمال البلاد.

فقد سلَّط تقرير بعنوان “Amid Fear and Guns, Polio Finds a Refuge” الضوء على تأثير تواجد "بوكو حرام" على آلية مكافحة شلل الأطفال في نيجيريا، حيث لفت التقرير إلى أن التحليل الجيني كشف عن تفشي المرض دون اكتشافه لمدة خمس سنوات على الأقل، بسبب التطرف والإرهاب الذي تمارسه "بوكو حرام" في ولاية "بورنو" التي مزَّقتها الحرب شرق "كانو". وبناءً على التقرير فإن جميع المصابين كانوا من الأطفال الذين رافقوا عائلاتهم الفارَّة من جحيم الحركة الإرهابية، إلى مخيمات الإيواء المزدحمة التي تفتقر إلى أبسط الاحترازات الصحية.

ولا تقلُّ الخطورة في نيجيريا عن باكستان وأفغانستان، فالفِرق الطبية الملقِّحة ضد شلل الأطفال بها، واجهت الكثير من الاستهداف من قبل عناصر الحركة الإرهابية في شمال نيجيريا بما في ذلك مدينة "كانو"، بينما كان سلاح تلك الفرق الوحيد في تحركاتهم هو "دلو" الثلج الذي به اللقاح، ولمواجهة تلك المخاطر عمدت الفرق الطبية المتخصصة إلى العمل في ورديات في محطات الحافلات، لتطعيم الأطفال دون سن الخامسة خلال تنقلات ذويهم قبل وصولهم إلى منازل الأقارب والمخيمات، على الرغم أن تلك المواقف حول مدينة "كانو" تعد أهدافًا مفضلة للإرهابيين، خاصة الانتحاريين.

ولم تكن تلك المعركة الوحيدة التي واجهوها؛ بل ساهمت السموم الفكرية التي بثَّتها الحركة للتشكيك في فاعلية اللقاح ومدى أمانه - مثل باقي الجماعات الإرهابية التي تسعى لاستمرار المرض والجهل في المجتمعات، لتتمكن من تثبيت أقدامها وإشغال الدولة في معارك جانبية تثنيها عن خطط استتباب الأمن ومكافحة الإرهاب، في عزوف الأهالى عن تطعيم أطفالهم، مما شكَّل عامل ضغط إضافي على تلك الفرق الطبية.

ومن المشاهد التي سلَّط التقرير الضوءَ عليها ما نقله عن أحد العاملين بالمراكز الصحية في نيجيريا، الذي روى ما شهده في عام 2013 عندما هاجم مجموعة من المسلحين المركز، وأطلقوا النار على العاملين به وأحرقوا المكان، مما تسبب في مقتل ثلاثة بالرصاص بينهم امرأة أكملت دراستها في التمريض لتوها، وإصابة ثلاثة آخرين. لافتًا إلى لجوء العاملات في جولاتهم للتطعيم إلى تخبأة حامل اللقاح داخل حجابهم؛ كي لا يتم استهدافهم من قبل عناصر "بوكو حرام".

وبعملية حسابية بسيطة أجراها العامل بالمركز الصحي نجد أن طفلًا مصابًا بشلل الأطفال بإمكانه نقل العدوى ل 200 طفل، بينما يؤدي قدوم 10 أطفال مع أسرهم من المناطق التي يصعب وصول اللقاح إليها، كتلك الواقعة في شمال البلاد، إلى نقل العدوى بشكل أسرع لما يقارب من 2000 طفل.

تلك العملية الحسابية السابقة رأيناها مؤخرًا مع تفشي فيروس "كورونا" عالميًا، وتخطيه الحدود بين الدول، وهو ما يؤكد المخاوف حيال أيّ تباطؤ في عمليات توزيع اللقاحات، خاصة في الدول التي تعانى من وطأة التطرف والإرهاب، مثل نيجيريا وباكستان وأفغانستان وغيرهم.

ونظل في نيجيريا التي عانت من كابوس آخر أرهق الفِرق الطبية عند تطعيم الأطفال، وهو (الشائعات) التي لم تقتصر على الحركة الإرهابية، ففي عام 2003 ادَّعى أحد الأطباء في "كانو" عدم أمان اللقاح الخاص بشلل الأطفال؛ مما أجَّج المخاوف منه، وتسبَّب في إغلاق برامج مكافحة المرض في خمس ولايات شمال البلاد. جدير بالذكر أنه قبل مقاطعة اللقاح كان هناك 202 حالة فقط في جميع أنحاء البلاد، ثم في 2004 بعد تداول تلك الشائعة سجَّلت "كانو" وحدها 491 حالة، لترتفع عدد الإصابات إلى 1143 بكافة الأنحاء بحلول 2006.

ولم يتوقف ضرر تلك الشائعة عند حدود نيجيريا؛ بل بتتبع التحليل الجيني للسلالات النيجيرية للمرض، وُجد أنه انتقل إلى 20 دولة في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، أيْ أنها تسببت في 80% من حالات شلل الأطفال في العالم آنذاك، بينما بلغت تكلفة استعادة السيطرة على المرض حوالي نصف مليار دولار، وذلك وفق التقرير السابق ذكره.

كما أظهرت دراسة أجريت عام 2016 لتتبع تفشي فيروس شلل الأطفال، أن الحرب وعدم الاستقرار يساهمان في تفشي المرض في العالم أجمع وليس فقط في المناطق المتأججة، بما في ذلك ظهوره في بلدان كانت خالية منه سابقًا. ورغم نجاح استراتيجية منظمة الصحة العالمية في جميع أنحاء العالم، إلا أن فِرق اللقاحات لم تكن تتنقل في مناطق الحرب، أو تواجه حركات إرهابية واتهامات بأن اللقاح ضمن مؤامرة كما حدث في نيجيريا وباكستان وأفغانستان.

وبهذا نرى أن الأمثلة التي طرحناها لأحد الأمراض المعدية، والتي تواجدت في بلدان تعاني من التطرف والإرهاب كفيلة بتوضيح مدى المخاطر التي تمثلها الجماعات الإرهابية، أمثال "داعش" و"القاعدة" و"طالبان" وغيرهم. فظروف انتشار مرض مثل شلل الأطفال لا تختلف كثيرًا عن كورونا، فكلاهما فيروس ينتقل بالعدوى، وسريعا الانتشار، ولا يخضعان لحدود جغرافية. كما أنهما أثبتا استغلال الجماعات الإرهابية للأمراض، خاصة المعدية لتدعيم فكرها المتطرف، وما رأيناه في حوادث وقعت في البلدان السابق ذكرها يمكن أن يتكرر خاصة مع سعي تنظيم "داعش" الإرهابي المستميت؛ لتعويض خسائره في سوريا والعراق، وإثبات وجوده عالميًّا إضافة إلى وجود جماعات موالية له، لا تقل شراسة عنه مثل "بوكو حرام".

وأكد مرصد الأزهر أن تهديدات الجماعات الإرهابية مثل تنظيم "داعش" الإرهابي، لن تتوقف عند حدود المناطق المتواجد بها فروعها؛ بل الذئاب المنفردة التابعة لها التي تُكشِّر عن أنيابها في كل مناسبة تمثل تهديدًا حيًّا لدول بعيدة جغرافية عن أماكن تواجد فروعه. كما أن استمرار تفشي الوباء في مناطق سيطرة التنظيم وغيره، يشكل تهديدًا أيضًا للعالم أجمع؛ فقد أثبتت التجربة التي عرضناها حيال مرض شلل الأطفال أن تلك الأمراض المعدية لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولعل ذلك وضَح مؤخرًا مع اكتشاف سلالات جديدة لفيروس كورونا في أوروبا، ثم بدأت الأخبار تتداول عن وجود عينات من تلك السلالات في دول خارج القارة الأوروبية في فترة وجيزة.

لذا شدد المرصد على ضرورة تأمين كافة الخطوات الخاصة بلقاحات فيروس "كورونا" عالميًّا من مرحلة الإنتاج إلى التطعيم، خاصةً في تلك الدول التي تعاني من وطأة الإرهاب. كما يحذّر المرصد من أيِّ تباطؤ أو مماطلة حيال تنفيذ برامج مكافحة الإرهاب؛ لأن المستفيد الحقيقي من استمرار الجائحة وتداعياتها هو الجماعات الإرهابية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.