تبلغ المساحة الكلية لأراضى جمهورية مصر العربية 1 مليون كم مربع، ويقترب عدد السكان من 85 مليون نسمة يتركز معظمهم فى 4% فقط من هذه المساحة، خاصة فى وادى ودلتا النيل، حيث تصل الكثافة السكانية إلى 1500 نسمة كل 1 كم. ويسهم القطاع الزراعى بدور أساسى فى الاقتصاد القومى المصرى، حيث يمثل نحو 20% من الناتج الكلى والمحلى وإجمالى التصدير ونحو 34% من إجمالى قوة العمالة، ومن المعروف أن المساحة المزروعة فى مصر تبلغ 8.8 مليون فدان تعتمد اعتماداً كاملاً على الرى منها 2 مليون فدان تعانى من مشاكل الملوحة وارتفاع مستوى الماء وفقد الأراضى بالبناء عليها، وبصفة عامة فان 30% من الأراضى الزراعية فى مصر تعانى من مشكلات التدهور التى تؤدى فى النهاية إلى خفض قدرتها الإنتاجية، ويمكن اعتبار تدهور وفقد الأراضى المشكلة البيئية الأكثر أهمية فى الريف المصرى، حيث إنها تؤثر بشكل مباشر على كل سكان الريف وبشكل غير مباشر على سكان مصر باعتبار أنها ترتبط بدخل ومستوى معيشة الملايين وكذلك توفيراحتياجاتهم من الغذاء. والحقيقة أن تدهور الأراضى يعرف على أنه الانخفاض التدريجى فى القدرة الإنتاجية الحالية والمستقبلية للأرض نتيجة سوء الإدارة المزرعية وبعض العوامل الطبيعية، ويرجع هذا بالدرجة الأولى لعدم إلمام المزارعين بالعوامل التى تحكم عملية التدهور وهى المناخ ونوع التربة وطبوغرافية المنطقة وكيفية التعامل معها وهذا نتاج طبيعى لانخفاض المستوى التعليمى لغالبية المزارعين فى مصر، وهنا يلعب الإرشاد الزراعى دورا مهما فى التغلب على مشاكل تدهور الأراضى من خلال توعية المزارعين نحو الإدارة المزرعية السليمة. وتدهور الأرض لا يعنى توقف العملية الإنتاجية، وبذلك يمكن تمييزه عن التصحر الذى يعنى فقد القدرة الإنتاجية للأرض تماما، ومن أهم أسبابه البناء على الأراضى الزراعية وزحف الكثبان الرملية. والتصحر بدوره يختلف عن الجفاف، حيث إن الأخير مرتبط بالمناخ ويزول تأثيره بمجرد سقوط الأمطار، أما التصحر فهو عملية غير عكسية ومن الأمثلة على ذلك البناء على الأراضى الزراعية، حيث تخرج أجود الأرضى من الإنتاج فورا بمجرد البناء عليها ورغم وجود قوانين تجرم هذه العملية (القانون رقم 116 لسنة 1983) إلا أن الاعتداء على الأراضى بالبناء عليها مستمر وإن كانت معدلاته آخذة فى التناقص. ومن ثم تصبح عملية البناء على الأراضى الزراعية هى المشكلة الأهم التى تواجه الأراضى الزراعية فى مصر، وهذا يقودنا إلى التساؤل عن معدلات البناء على الأراضى الزراعية، وهنا لا بد من مراجعة التقارير العلمية التى تحدثت عن هذا الموضوع، ففى تقرير بعنوان مصر بعد بناء السد العالى (مايو1981)، ورد أن فقد الأراضى الزراعية فى مصر نتيجة الزحف العمرانى خلال الفترة من ثورة يوليو 1952 وحتى 1975 بلغ ستمائة ألف فدان أى بمعدل 30 ألف فدان فى السنة، وفى دراسة وردت فى التقرير العالمى للبيئة (فبراير 1983) أن معدل الفقد نتيجة البناء على الأراضى الزراعية بلغ نحو 27 ألف فدان فى السنة بعد بناء السد العالى الذى يعد أحد إنجازات ثورة 23 يوليو، وطبقا لقاعدة البيانات الرقمية للأراضى الزراعية فى مصر المنتجة بواسطة أكاديمية البحث العلمى والهيئة القومية للاستشعار من بعد (2009) وقد عملت كأحد أفراد الفريق البحثى القائمين على إنشائها، حيث استخدمت صور الأقمار الصناعية لاندسات متعددة الأزمنة وقد وجد أن معدل فقد الأراضى نتيجة الزحف العمرانى بمحافضة الفيوم خلال الفترة من 1992 وحتى 2006 بلغ حوالى 900 فدان فى السنة وهو أعلى معدل على مستوى المحافظات، وعن نفس الفترة بلغ المعدل حوالى 600 فدان لمحافظة القليوبية، وبالنسبة لإجمالى الجمهورية بلغ المعدل حوالى 17 ألف فدان فى السنة، وهذا يعنى أن معدلات الزحف العمرانى على الأراضى الزراعية أقل إذا ماقورنت بالبيانات المنشورة عن فترات سابقة، إذا فمعدلات البناء على الأراضى الزراعية هى معدلات مرتفعة منذ عام ثورة يوليو 1952 وليست ظاهرة جديدة، بل إن المعدلات السابقة تدل على أن هذه المعدلات قد أخذت فى الانخفاض مع أواخر التسعينات، وهنا يجب الإشارة إلى أن بعض حالات التعدى على الأراضى الزراعية التى أعقبت ثورة 25 يناير البيضاء لم ترد بشأنها أى تقارير علمية دولية لأن مثل هذه التقارير تصدر بشكل دورى ثابت وتتحدث عن كل دول العالم وليس عن عدة أيام استثنائية فى بلد ما، وإن ما يتداول الآن عن معدلات الزحف العمرانى على الأراضى الزراعية إنما هو إعادة للحديث عن ذات المعدلات التى كانت تميز فترة السبعينات والثمانينات، فقد ظهر تصريح فى كلمة بأحد المؤتمرات الدولية يقول إن مصر تفقد 3.5 فدان كل ساعة وهذا يعنى 84 فدانا فى اليوم أى 2520 فدانا كل شهر أى حوالى 30 ألف فدان فى السنة وهو نفس المعدل المقدر فى التقاريرالسابق الإشارة إليها، وعفوا فإن التقنيات وقتها لم تكن لتسمح بالوصول إلى رقم صحيح لكل حالات البناء على الأراضى الزراعية فى مصر.