قرارات حظر النشر تنتقص من حق الصحافة فى تغطية مثل هذه القضايا، علاوةً على أنها قرارات مخالفة للدستور المصرى، بناءً على المادة 47 من الدستور والتى تكفل حرية الفرد فى التعبير، وأيضاً للمادة 48 وهى التى تتعلق بحرية الصحافة والنشر والرقابة على الصحف، ليس هذا فحسب بل هو مخالف أيضاً لنص المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى المادة 19 من العهد الدولى بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والحق فى حرية الصحافة. المفروض فى بلد يدعى الديمقراطية أن يكون حق التحدث وتداول المعلومات مكفولاً للجميع وليس من حق أحد أن يمنعهم من الخوض فى الحديث فى شخص رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو أى شخصية مهما علا قدرها وشأنها فى مصر، فالصحافة والإعلام هما البوابة الرئيسية لكشف الحقائق أمام الرأى العام، ولا أجد مبرراً مقبولاً لفرض الحظر على النشر، خاصةً أن القاضى عند نظره لقضيةٍ ما فهو يحكم بالأدلة والثوابت التى توفرها هيئة التحقيق، وحرية النشر لا تؤثر سلباً على تحقيق العدالة، بل تخدمها، حيث تحد من إطلاق الشائعات التى قد تؤثر سلباً على التحقيقات. وأتعجب من هذه القرارات التى تحظر النشر رغم أنه لا يتم الأخذ بهذا الحظر فى الدول الأخرى، وبما أننا نعيش فى ظل ما يسمى بالسماوات المفتوحة، فإن المعلومات سوف تصل إلى الناس من خلال تلك الوسائل الإعلامية الأخرى، وهنا أتساءل: ما جدوى قرار حظر النشر فى ظل هذه التقنيات الحديثة على الإنترنت؟ خاصة وأن الحظر قد لا يخدم العدالة. لقد استشرى الفساد خلال الفترة الماضية، والإعلام هو المسئول عن كشفه أمام الرأى العام. من أجل هذا يتخذ النظام الحالى من قرارات الحظر سلاحاً للتغطية على بعض القضايا. أنا ضد أن تكون فى يد النيابة سلطة تعيق أو تقيد سلطاتٍ أخرى مثل سلطة الصحافة، لأنها عنوان المعارضة والحكومة وكل فئات الشعب، فهى التى كشفت قضايا فساد متعددة مثل قضية غرق العبارة، وتصدير الغاز لإسرائيل، ومشكلة إقامة مصنع أجريوم، وغيرها الكثير من قضايا فساد المسئولين، كما لعبت دوراً محورياً فى تعريف الناس بحقوقهم وواجباتهم. لا أدرى لماذا يحرصون على تكبيل مصر بمثل تلك القرارات التى لا تستند إلى أصل قانونى صحيح أو صريح، كما أن العبارات المطاطية التى يستخدمها متخذو القرار تحت مسمى "حماية الأمن القومى، والأمن العام... إلى غير ذلك" فهذه العبارات أصبحت غير مقبولة، فحرية الحصول على المعلومات مكفولة لكل مواطن، خاصةً فى الدول الديمقراطية وفى أى وقت شاء، ومنع تداولها يؤدى إلى انتشار الشائعات التى قد تضر ضرراً حقيقياً بأطراف القضية المحظور فى شأنها النشر. إن ما حدث فى شأن قرار حظر النشر الأخير فى قضية هشام طلعت ومقتل المطربة اللبنانية لدليلٌ قوى على أن ما عرفه الناس قبل الحظر أو أثناءه، هو نفس الذى عرفوه بعد رفع الحظر، فالمعلومات لم تعد تحجب عن أحد نظراً لتعدد مصادرها، كما أن الصحافة الآن ونظراً لمناخ التنافس الشديد بينها تتسابق جميعها فى نشر الحقائق دون تزييف حتى لا يفقد القارئ المصداقية فيها، بالإضافة إلى أن الصحفى يساعد وكلاء النيابة على تجلى الحقائق والتنقيب عن الخفايا فى ثنايا القضية، ويعرض نفسه للأخطار، وفى نهاية المطاف فإن القاضى لا يحكم إلا من خلال الأدلة والبراهين التى تتوافر لديه. ويبدو للجميع أن العديد من قرارات الحظر التى تم اتخاذها فى الآونة الأخيرة، كانت تمثل نوعاً من التفرقة بين المواطنين على اعتبارات تحكمها السلطة والمال، كما أطالب من رجال الإعلام والصحافة أن يستقووا بكلماتهم للتصدى لمثل هذه القرارات التى تمنع الأفراد من حقهم الطبيعى فى الحصول على المعلومات. كما يجب عدم العمل بحظر النشر إلا من خلال ميثاق الشرف الصحفى الذى تتعهده نقابة الصحفيين ويكون ثمة تواصل بينها وبين الصحف لحماية استقلال الصحافة.