إن الهزيمة الكبيرة التى مُنى بها الديمقراطيون فى الانتخابات النصفية للكونجرس، هى هزيمة للرئيس باراك أوباما. فقد عبر المواطنون «الأمريكيون» عن غضبهم، بمنحهم الجمهوريين أصواتهم، وأحيانا لمرشح «حزب حفلة الشاى». واستطاع الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب، وقلصوا بصورة كبيرة الأغلبية التى كان يملكها الديمقراطيون فى مجلس الشيوخ. ما سبب غضب أمريكا؟ إن السبب الأساسى هو البطالة التى ارتفعت بنسبة 10٪، وليس هناك مؤشرات تدل على إمكان خفضها فى وقت قريب. كما يتخوف الأمريكيون من العجز الكبير فى الميزانية، ومن تزايد الدين الفيدرالى. لابد من أن أوباما يدرك الآن أن الخطأ الأكبر الذى ارتكبه فى العامين الأولين لولايته، وهو إقرار الإصلاحات فى مجال الصحة، التى كانت بمثابة إنجاز لم يسبق له مثيل. فقد حاول العديد من الرؤساء قبل أوباما ذلك، لكنهم فشلوا، وبذلك يكون أوباما حقق وعده الانتخابى، وقد أدت الخطة إلى تحسين ملموس فى عمل الخدمات الصحية. واستنادا إلى استطلاع للرأى أُجرى مؤخرا، فإن 50٪ من الأمريكيين يؤيدون الخطة، لكن المشكلة كانت فى التوقيت، ذلك بأن الخطة، من دون شك، ستزيد فى العجز، وستفرض زيادة فى الضرائب، وهذان الأمران لا يعتبران خطوة جيدة خلال الأزمة الاقتصادية. إن ما يقلق الإسرائيليين، وهم الذين يتمتعون برعاية صحية ممتازة، ليس إصلاحات أوباما الصحية، وإنما كيف ستوثر الانتخابات الأخيرة فى إسرائيل، وهل ستتغير الأمور لمصلحة إسرائيل، أم أن هذه الانتخابات لن تؤثر فيها؟ إن المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية، ولاسيما تلك التى لها علاقة بإسرائيل وبعلاقتها مع الولاياتالمتحدة، لم تُطرح فى الانتخابات الأخيرة، بل إن الموضع الوحيد الذى كان مطروحا هو موضوع الاقتصاد. فهل يعنى هذا أن أوباما سيواصل سياسته تجاه إسرائيل من دون أن يأخذ فى الاعتبار كونها ملائمة لنا أو غير ملائمة، وعلى الرغم من التغيير المهم الذى طرأ على موازين القوى فى الكونجرس؟ إن مَن يحدد السياسة الخارجية للولايات المتحدة هو الرئيس، فهو الذى يقرر وينفذ هذه السياسة بمساعدة وزيرة الخارجية. ولا يحتاج الرئيس إلى موافقة الكونجرس إلا فى حال تطلّب تنفيذ قراراته فى السياسة الخارجية مخصصات مالية. وهكذا يبدو أن لا قدرة للكونجرس على التأثير فى مجال السياسة الخارجية، لكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك. إن الكونجرس الجديد مقرب جدا من إسرائيل، ولا يقتصر هذا على الحزب الجمهورى، بل ينطبق على كثير من الديمقراطيين أيضا. لكن أعضاء الكونجرس من الحزب الديمقراطى إلى الآن فى انتقاد سياسة أوباما الخارجية، حتى لو كانوا غير راضين عن الضغوطات التى مارسها أوباما على إسرائيل، وذلك بدافع الولاء لزعيم حزبهم. إن الجمهوريين فى الكونجرس الجديد ليس لديهم مثل هذه الواجبات، ولذا، فإنهم لن يترددوا فى انتقاد الرئيس. ومن المنتظر أن يدعم الكونجرس الجديد إسرائيل بصورة علنية، وهذا يعنى أنه فى حال عاود الرئيس ضغوطه على إسرائيل، فإن الكونجرس الجديد سيقف ضده. ونظرا إلى وجود موضوعات ملحة أخرى على جدول أعمال أوباما، فإن من المنتظر ألا يرغب الرئيس فى الاصطدام بالكونجرس فى هذا الشأن، لأن أى خطوة عقابية يتخذها أوباما فى حق إسرائيل، من شأنها أن تجعل تعاون الكونجرس معه فى مجالات أخرى أكثر صعوبة. ومن هنا، فإن من المتوقع خلال العامين المقبلين، ألا تتكرر الأزمات الحقيقية والمصطنعة، التى طبعت سابقا العلاقات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، وألا يتعرض رئيس الحكومة الإسرائيلية مرة أخرى للإهانة لدى وصوله إلى واشنطن. كما أن الكونجرس لن يسمح للرئيس بممارسة الضغط على إسرائيل. ويبقى السؤال: هل ستوافق الحكومة الإسرائيلية على مطالب الرئيس الأمريكى من دون الحاجة إلى الضغط عليها؟