بدايةً فإن الانتقال من مدخل أو طرف حسابى إلى مدخل أو طرف حسابى آخر كالانتقال من الهجرى للميلادى وبالعكس، كفيل وحده بفساد القضية كلها، لما يعتور التأريخ الهجرى نفسه وهو تأريخ قمرى يزيد وينقص حسب قدرة البشر على رؤية الهلال وليس على منظومة فلكية صارمة لا تخضع للتدخل البشرى، بينما الميلادى هو نظام شمسى صارم لا يقبل التدخل الإنسانى وقدرات حواسه فى تحديد الزمن والتوقيت، هذا ناهيك عن نظام (أوفى الحقيقة فوضى) كان معمولاً به طوال العصر الجاهلى الأول والثانى وشطراً من زمن الدعوة، حتى تم إلغاؤه بقرار قرآنى ووصفه القرآن بأنه زيادة فى الكفر، وهو المعروف بنظام النسىء، والذى كانت تؤجل فيه شهور التجارة (الأشهر الحرام) أو تقدم حسب ظروف ومواعيد التجارة الأنسب، وهو ما أدى إلى فوضى هائلة، يصبح الحديث معها عن تزمين دقيق ضرباً من الشعوذة والافتآت على الحقيقة. ومثلاً لهذا الانتقال أضرب مثالاً شديد البساطة بأرقام بسيطة واضحة لكشف العوار الحسابى عند الانتقال من مدخل أو معطى أو مجال لآخر، لنتصور الآتى: اشترى رجل مذياعاًَ من بائع بشركة للأجهزة الإلكترونية بمبلغ عشرة جنيهات، وفى حال معرفة صاحب الشركة أحضر البائع وأخبره أنه قد أخطأ لأن المذياع بسبع جنيهات فقط، وأعطاه ثلاث جنيهات ليردها للمشترى مع اعتذار لطيف، وفى الطريق ساورت البائع نفسه باختلاس جنيه من الثلاثة، فرد للمشترى جنيهين فقط وضرب جنيهاً فى جيبه. القصة انتهت، ولنقم بالعملية الحسابية من مدخل صاحب الشركة، فإنه يكون قد أخذ سبعة جنيهات وأعاد ثلاثة، اثنان وصلا المشترى وجنيه اختلسه البائع، فيكون المجموع عشرة دون خطأ، بينما لو أخذنا جانب المشترى فإنه يكون قد دفع عشرة جنيهات ثمناً للمذياع، ثم استعاد جنيهين فيكون قد دفع ثمانية جنيهات، وبإضافة الجنيه المختلس يكون المجموع تسع جنيهات، فأين ذهب الجنيه الباقى من العشرة؟ وهكذا عندما ننتقل فى الحساب بين المجالين أو المدخلين الهجرى والميلادى مع ما يلتبس الهجرى من عوار كبير، سنصل إلى نتيجة خاطئة لأن العملية الحسابية تكون قد فسدت من مقدماتها بهذا الانتقال ما بين مدخل وآخر، ولا نصل إلى نتائج قاطعة بقدر ما هى مضللة. البدوى فى بيئته لم يكن بحاجة إلى شديد الدقة فى الزمن، فالأيام كلها متشابهة والصحراء صفراء لا تتغير والمكان بدون أى ملامح، والكائنات الحية معدودة معروفة، خيموى متنقل دوما لا يحتاج أبنية وعمران، ومن ثم فالدقة الهندسية والرقمية ليست من حوائجه ولوازمه الضرورية. بعكس النهرى، الذى يعتمد فى بذره وريه وحصاده على مواعيد شمسية دقيقة إن تأخر عنها أو أبكر فسد محصوله، بينما البدوى ليس بحاجة ماسة لهذه الشئون، كل ما كان يحتاجه البقاء حياً ليوم آخر يتمكن فيه من غزو جاره والاستيلاء على ما لديه، أوغزو النهرى زمن الحصاد لسلبه بعض عرق العام. وقد طبع ذلك مجتمعات الثقافة البدوية بطابعها، فعدم مراعاة الدقة خاصة الرقمية الزمنية هى العملة السائدة، يقول لك قابلنى بعد صلاة العشاء، يعنى معاك للفجر، الكعبة ظلت بنياناً غير سليم هندسياً مختلفة الأطوال زمناً طويلاً، حتى استكملت قوامها المعمارى الدقيق بفنون وعلوم بلاد الغرب، بعد فتنة جهيمان العتيبى ودمار الكعبة الأخير فى السبعينات من القرن الماضى. فى زمن الخليفة المأمون وما أدراك ما عصر المأمون، عصر الانفتاح العلمى على الدنيا وظهور كوكبة من الفلاسفة والعلماء، ومع ذلك كان حظنا من علوم السياسة هو صفر، ومن علوم الرياضيات نظر دون تطبيق واجتهادات عظيمة خارج الواقع مفارقة له نتيجة ارتباط هذا الواقع بالتزمين القمرى المقدس. الخليفة المأمون نزل مصر على رأس جيش عظيم لقمع ثورتها ضد الاحتلال العربى والمعروفة بثورة البشموريين، وصل إلى الأهرام ووقف أمام الهرم الأكبر الذى تم بناؤه بأدق التفاصيل الهندسية والرقمية، ونظر إلى المسطح الموجود أعلاه، وطلب من بدوى من رجاله أن يصعد ليعرف مساحة هذا المسطح، وعندما عاد البدوى أخبر سيده، أن مساحة المسطح فوق الهرم تبلغ مبرك ثمان جمال؟!! حتى أن القرآن الكريم نفسه لم يخرج عن العادة المألوفة فى زمنه لأنه كان يخاطبهم بحجم معارفهم ولغتهم وقدر استيعاب عقولهم، انظر مثلاً قوله تعالى وابحث معى عن الزمن المطلوب تحديداً للتهجد ليلاً فى خطاب الله تعالى لنبيه: "يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا، نصفه، أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا.... إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه – 1 : 4، 20/ المزمل". وهو دلالة صدق القرآن الكريم، فلو خاطبهم برياضيات فيثاغورث وهندسة إقليدس وعبقريات المصريين المعمارية لما كان مفهوماً ولما كان صادقاً، فالصدق بقدر توافقه مع واقع زمنه ومعارف زمنه، وهو ما تطابقه الآيات الكريمة بشكل فذ وشديد الوضوح. كان العربى يؤرخ بالأحداث الكبار، فيقول قبل أو بعد عام الفيل، أو قبل أو بعد عام الفجار، أو قبل أو بعد يوم داحس والغبراء، وما أكثر أيام العرب أى حروبهم ضد بعضهم فى صراع صفرى دائب. وهى تحديدات مطبوعة بمحاولة تحديد المكان فى صحراء متشابهة، يتم استخدامها مع الزمان. فقبل عام الفجار، تساوى تحديد المكان الموجود قبل موقع الحرة الفلانية أو أدنى للكثيب الفلانى مثل: أدنى من ثلثى الليل، وأدنى دلالة مكانية واستعملها العربى كدلالة زمانية، هذا علماً أن الكثيب نفسه يكون دوماً عرضة للتحرك وربما للزوال بفعل تغير الرياح، والقول بعد عام الفيل تتساوى عنده مع ما بعد العلامة المكانية الفلانية المتعارف عليها، والتى قد تغير مكانها أو تزول نهائياً، فالمكان سائب بلا حدود، والزمان سائل دون تدقيق، لأن الحاجة إليهما كانت مفقودة فى بيئة طبعها الفوضى والقسوة. هذا ناهيك عن كون الباحث الأستاذ بحيرى انتقل فى عملية مقارنة ما بين عمر عائشة وعمر شقيقتها أسماء وعمر فاطمة الزهراء . . إلخ، ليصل إلى ما أسماه "عمر عائشة الحقيقى"، معتمداً فى هذه الأرقام على ذات المصادر الإسلامية التى ارتكبت العوار الرقمى الذى رآه هو خاطئاً ومخطئاً ؟ ! وهو برهان دوار على ذات الرحى وبصماتها ذاتها ويحمل أخطاءها نفسها.