بالقرب من بابى " النصر والفتوح"، تستطيع أن تلمح تفاصيل رمضان، وكيف برع الأطفال فى ابتكار تزيين الشارع بقصاصات من فوانيس رمضان، تنظر إلى أعلى لتجد الفانوس الحديدى بمنتصف الشارع يخبرك كل مساء عن أجمل بورتريه شعبى يصنعه الأطفال.. وحين تخفض عينيك تجدك تسير بالقرب من شارع المعز لدين الله الفاطمى ومنه لحارة الدرب الأصفر، ليخبرك بكل تفاصيل الحارة المصرية، فتشاهد عربة الفول والطرشى وبائع العرقسوس، وفوانيس لم تطولها العولمة ولا "كمننانا ". فانوس الشمعة، فمازال عم عبودة -الرجل الذى تخبرك ثنايا وجهة عن تفاصيل الزمن الجميع- قابعا أمام محله الذى لم يتجاوز مترا ونصف ويعرض تشكيلة فوانيس رمضان. تستطيع وأنت تسير بشارع المعز أن ترى تأثير العصور المتعاقبة على الشارع من الفاطميين إلى الأيوبيين ثم إلى المماليك البحرية، ومنها إلى المماليك الجراكسة، ثم إلى العثمانيين، وصولا لعصر محمد على باشا الكبير، ليصبح شارع المعز متحفًا مفتوحًا يضم 174 أثرًا إسلاميًا ترصد تاريخ الدول الإسلامية المتعاقبة على مصر. وهناك تجد بيت السحيمى مثالاً فريدًا للبيوت الأرستقراطية فى القرن السابع عشر، وواحدًا من أهم نماذج البيوت الخاصة التى بقى منها القليل حتى الآن، وكذلك بيت الهراوى، بيت زينب خاتون، بيت الكريتلية. بنى بيت السحيمى فى العصر العثماني، أنشأ جزءا منه الشيخ عبد الوهاب الطبلاوى سنة 1058ه – 1648م، والثانى أنشأه الحاج إسماعيل بن شلبى سنة 1211ه – 1796م، وجعل من القسمين بيتًا واحدًا. سُمى بيت السحيمى بهذا الاسم نسبة إلى آخر من سكن به الشيخ أمين السحيمي، شيخ رواق الأتراك بالجامع الأزهر، والمتوفى فى 8 أبريل 1928م. وحين تدخل البيت تجدك أمام مجموعة من القاعات لبعضها واجهات من خشب الخرط تشرف على الحديقة الكائنة بوسط البيت، والتى تضم مجموعة نادرة من الزهور، تضاء بالأنوار لإحياء الأمسيات الثقافية لتجسد أنشودة منسجمة من عبق الورود ولألأة ورائحة التاريخ. حين تقف فى الحديقة تجد عينيك تنبهر بشكل فسقية الرخام التى تتوسط القاعات، تسير ببطء يجعل ماءها يلمس أطراف أصابعك لتجففها أشعة الشمس التى تسقط من فتحات التهوية الموجودة بأسقف القاعات التى كسيت جدران البعض منها بوزرات من الخشب المزخرف على هيئة بلاطات القيشانى، وكسيت الأرضيات بالرخام. فى القسم الشمالى من البيت حجرة مركبة على صالة مفتوحة بالكامل على الحوش، وهى ذات سقف محمول على أعمدة أو دعامات، تجدك تائها فى هذا البيت الأثرى الذى تبلغ مساحته أكثر من ألفى متر مربع، وعدد قاعاته وغرفه 115 فراغًا تكفل تصميم البيت الخصوصية . وتستطيع أن تزور بيت السحيمى طيلة أيام شهر رمضان لتمتع عينيك بالنظر لتفاصيل البيت المعمارية فتجدك أمام نموذج رائع من النجارة التقليدية، تتمثل فى المشربيات والأسقف والأبواب والدواليب، والنافورات وفنون الرخام المزخرف والبناء بالأحجار وفن النحت فى الحجر. وتطرب أذنيك بسماع السيرة الهلالية والفنون الشعبية التى تحمل التراث بين طياتها والأمسيات الأدبية والفنية لفرقة الطنبورة وأمسيات الفن الذى لن تسمعه سوى فى بيت السحيمى. وبعد أن تحولت حارة "الدرب الأصفر" إلى نموذج للحارة العربية ذات الطابع الإسلامي، سواء فى آثارها أو توافق مبانيها الحديثة وأرضيتها، بل وطريقة الحياة فيها مع روعة الأثر وقيمته، فإن هذه دعوة مفتوحة لزيارة المكان الذى يشهد نشاطات ثقافية متعددة.