موقعه وتاريخه يقع القصر بالقاهرة القديمة بمنطقة الخليفة بالقلعة بشارع السيوفية المتفرع من شارع الصليبة. أنشأه صاحبه الأمير سيف الدين طاز بن قطغاج، أحد الأمراء البارزين فى عصر دولة المماليك البحرية، والذى بدأ يظهر اسمه خلال حكم الصالح إسماعيل بن الناصر محمد (1343–1345م) إلى أن أصبح فى عهد أخيه المظفر حاجي أحد الأمراء، ممن بيدهم الحل والعقد فى الدولة فى ذلك الوقت. رحلة القصر فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر وعندما بلغ قصر الأمير طاز من العمر خمسمائة عام، رأت الحكومة الخديوية أن تحيل القصر إلى الاستيداع وقررت تحويله إلى مدرسة للبنات بإيعاز من على باشا مبارك أحد رواد التنوير حينذاك، ولكن لم تمض سوى عشرات قليلة من السنين إلا وأخلت وزارة التربية والتعليم القصر ليس من أجل ترميمه والحفاظ عليه بعد أن ظهرت عليه آثار الشيخوخة بشكل واضح، ولكنها أخلته لتحويله إلى مخزن! ولأن القصر كبير ومتسع ويقع فى قلب القاهرة، فقد كان مؤهلا من وجهة نظر الوزارة أن يكون المخزن الرئيسى لمئات الألوف من الكتب الدراسية وعشرات العربات التى تم تكهينها ومئات الأطنان من الخردة بمختلف أنواعها.. ولأن الناس على دين ملوكهم فلم يستشعر سكان المنطقة حرجا فى استعمال القصر كمقبرة للحيوانات النافقة!.. لم يحتمل القصر كل هذا الهوان وهو الذى شهد وشاهد مئات السنين من العز والنعيم فانطوى على نفسه بعد أن داهمته الأمراض والعلل وتمايلت الكثير من جدرانه وانهارت العديد من غرفه. وفى أكتوبر 1992 تم إدخال القصر إلى غرفة العناية المركزة بعد أن عصفت رياح الزلزال الشهير بالكثير من أركانه وأعمدته، وعلى مدى عشر سنوات ظل الحال كما هو عليه إلى أن تم إعلان الوفاة إكلينيكيا فى 10 مارس 2002 عندما انهار جانب كبير من الجدار الخلفى للقصر والمطل على حارة ضيقة بها عشرات البيوت المتهالكة يسكنها مئات آلاف المواطنين أصبحت حياتهم جميعا مهددة بالخطر المنتظر بين لحظة وأخرى، بعد أن أصبح الانهيار الكامل للقصر مسألة ساعات لا أكثر.. الوزير فاروق حسنى كلف بيوت الخبرة العالمية بالقيام بالدراسة اللازمة لإنقاذه رغم أن الخبراء الأجانب اعتبروا أن الموضوع قد انتهى بالفعل وأن أى محاولات للإنقاذ مضيعة للوقت .. ولأن أبرز هوايات المصرى فى وقت الشدة هى تحدى المستحيل.. أو ما يبدو لغيرنا مستحيلا.. فقد هرول الجميع إلى موقع القصر المنهار. وفى لحظات بدأت أجهزة التنفس الصناعى وتدليك القلب فى العمل بسرعة خارقة وتمت عملية الإنقاذ ووقف العالم مبهورا وهو يرى الحياة تعود إلى القصر الذى تم ترميمه بكفاءة لا يمكن وصفها.. ولم يكتف المصريون بالإنقاذ والترميم ولكن المفاجأة الأكبر كانت فى الاكتشافات الأثرية المهمة التى واكبت ذلك وأدت إلى إزاحة الستار عن المزيد من خبايا القصر.. العمل الذى تم إنجازه ورائع بكل المقاييس ولذلك قررت أخبار النجوم أن تصحبكم فى جولة سريعة لتتعرفوا على القصة منذ بدايتها. القصر فى غرفة العمليات! عندما بدأ الانهيار فى الجدار الخلفى للقصر والمطل على حارة الشيخ خليل، هرول فريق الطواريء إلى هناك، حيث وجدوا أن الحائط بارتفاع خمسة وعشرين مترا..وهو ارتفاع عمارة مكونة من تسعة طوابق! قد انهار جزء منه ومال بقية الجدار بصورة واضحة تجاه منازل الحارة ووصل الميل إلى نصف متر فكانت الخطة المبدئية لإيقاف التدهور ذات شقين متتاليين، الأول عمل دعامات لإيقاف أى انهيار جديد وإزالة أكوام الردم الموجودة أعلى السقف والتى تمثل حملا ثقيلا قد يساعد على أى انهيار قادم، كذلك شمل هذا الشق بناء قمصان أو حوائط من الطوب حول الجدار لتثبيته ومنعه من السقوط وقد كانت هذه المرحلة شديدة الخطورة على العاملين، إذ إن جدارا بارتفاع خمسة وعشرين مترا وواجهة شديدة الطول مهدد بالانهيار فوق رؤوسهم فى أى لحظة، ولكن هؤلاء العاملين واجهوا هذا الخطر ووافقوا عليه تحت مسئوليتهم الخاصة! أما الشق الثانى فتمثل فى تقسيم القصر الى أجزاء ثم فك كل جزء على حدة بحرص شديد تماما مثلما سبق لهيئة الآثار فك العديد من المعابد الفرعونية التى كان أشهرها وأضخمها معبد أبو سمبل، مع ملاحظة أن المعابد على فخامتها كانت فى النهاية كتلا حجرية متماسكة غير مهددة بالانهيار عكس القصر الذى كان يترنح ويتراقص فضلا عن أنه مكون من كتل، بل قطع، حجرية شديدة الصغر مقارنة بالمعابد أو أخشاب! وقد صاحب هذه المرحلة عملية مراقبة مكثفة خوفا من حدوث انهيار مفاجيء يهدد حياة سكان المنطقة والعاملين فى المشروع، وعندما تمت العملية بنجاح واكتشف فريق العمل أن الميل قد تراجع بفعل الدعامات وأن حركة المبانى بشكل عام قد توقفت، تم تعديل خطة فك القصر بأكمله وتم تعديلها ليقتصر هذا الفك على الأجزاء المتهالكة فقط، وكان أكبر وأهم ما تم فكه هو دور علوى كامل كان جزءا رئيسيا من الحرملك. وكذلك كان من أهم مناطق القصر التى تم استكمالها منطقة الحمامات فى الدورين الأرضى والعلوى وهى ذات أسقف جبسية تعلوها قباب صغيرة كانت مليئة بالعناصر الزخرفية. الترميم والاكتشافات وبعد أن انتهت أول وأخطر المراحل، وهى الخاصة بعزل الأجزاء الحساسة المهددة بالسقوط إما بالفك الكامل أو ببناء حوائط جديدة حولها، لتكون بمثابة قمصان واقية تحميها. بدأت عمليات الترميم وإعادة التركيب للقصر بأكمله، وكانت الخطوة الأولى هى إزالة المخلفات والردم الناتج عن تراكم الأتربة على مدار عشرات السنين من الإهمال، وهى مخلفات كانت من الضخامة بحيث إنها سدت الكثير من الفراغات المعمارية وفتحات ومداخل السراديب والقباب، ثم أعقب ذلك فرز المكونات الأصلية للقصر التى اختلطت بهذه المخلفات عند وقوع زلزال أكتوبر 1992 أو عند الانهيار الأخير فى مارس 2002، وقد أسفرت هذه العملية عن العثور على كمية هائلة من العناصر الخشبية والمعدنية والحجرية التى كان لها أكبر الأثر فى عودة القصر إلى رونقه القديم بنفس مكوناته الأصلية على قدر المستطاع. ومن أهم العناصر الأثرية للقصر التى خضعت لعمليات المعالجة والترميم الأخشاب الزخرفية أو الصماء والعناصر الرخامية والمعدنية والطبقة الجيرية التى تكسو الحوائط، وكذلك الطوب والأحجار التى تم بناء الجدران بها، فضلا عن الكتابات والرسوم التى كانت تعلو القطع والشرائط الخشبية والكتل الحجرية، وكل عنصر من هذه العناصر له خبراؤه المتخصصون، وبالمناسبة فجميعهم مصريون ومعظمهم من خريجى قسم الترميم بكلية الآثار. وعملية الترميم عادة شديدة التعقيد والدقة ولها خطوات متتالية ومحسوبة، فمثلا عند عمليات الترميم الخاصة بالألوان تم إجراء تصوير ميكروسكوبى إلكترونى ماسح لمعرفة مدى التدهور الذى تعانى منه طبقات الألوان ثم تمت عملية شفط الأتربة بحذر شديد، ثم استخدام فرش تنظيف يدوية مختلفة المقاسات لإزالة ما تبقى من أتربة ورمال، كما تم استخدام التنظيف الميكانيكى لكشف مواضع الخوابير الخشبية والمسامير المعدنية. الأسقف تمت معالجتها بيولوجيا ورشها بمواد كيميائية معينة أقرتها من قبل بيوت الخبرة العالمية المتخصصة فى معالجة وترميم الآثار العالمية، ثم أعقب ذلك استكمال الأجزاء الخشبية المفقودة، إما عن طريق ما تم العثور عليه بين أكوام المخلفات أو باستخدام نفس نوع الخشب المستخدم فى السقف، مع مراعاة اللجوء إلى الرتوش اللونية للزخارف والكتابات فى أضيق الحدود لعدم الإخلال بالنسيج المتكامل والمتماسك للوحدات الزخرفية والكتابية، وأخيرا تم إجراء عملية عزل وحماية للزخارف ضد أى مؤثرات خارجية عن طريق الرش بمواد عزل تم اختيارها عن طريق المتخصصين بعناية فائقة تفاديا لتكوين طبقة سميكة أخرى من الأتربة وخلافه! فإذا كانت كل هذه المراحل وكل هذه الدقة من أجل جزء من التكوين الخشبى فى بعض أجزاء القصر فلنا أن نتخيل حجم العمل الذى تم فى عشرات التفاصيل الأخرى من أرضيات وجدران وأعمدة وسلالم وأجزاء معدنية وغيرها من المكونات.. ألم نؤكد لكم منذ البداية أنها ملحمة متكاملة وليست مجرد عملية إنقاذ! ومما يؤكد أنها ملحمة هذا الكم الهام والمثير من الاكتشافات التى صاحبت عمليات الإنقاذ والترميم والتى كان أهمها وأكثرها إثارة حوض ضخم لأسماك الزينة تم استخدامه من أجل إضفاء لمسة جمالية، وإن كان هناك رأى بأن هذا الحوض ربما تم استخدامه كحمام سباحة لجوارى القصر! كما تم الكشف عن نافورة بالمقعد الأرضى وساقية تعلو بئر ماء كانت مخصصة لسقاية الدواب ورى الحديقة، وكذلك عمود رخامى له تاج كورنثى يعود للعصر البيزنطى وصهريج مياه كان مصدرا لتغذية سبيل على أغا الملحق بالقصر، ومجموعة من المجارير الفخارية، وهى تماثل تقريبا أنابيب الصرف فى عصرنا الحديث، وأحواض للدواب بعضها بجوار المدخل المؤدى إلى المقعد الأرضى وبعضها على طرف القصر فى الجهة المطلة على شارع السيوفية، وعدد آخر من الاكتشافات الهامة. نزهة فى قصر الأمير طاز! تبلغ مساحة القصر الإجمالية أكثر من ثمانية آلاف متر مربع، وهو عبارة عن فناء كبير فى الوسط خصص كحديقة تتوزع حولها من الجهات الأربع مبانى القصر الرئيسية والفرعية، وأهمها جناح الحرملك والمقعد أو المبنى الرئيسى المخصص للاستقبال واللواحق والتوابع والإسطبل. أما الآن فلم يتبق من هذه المبانى سوى الواجهتين الرئيسية المطلة على شارع السيوفية والخلفية المطلة على حارة الشيخ خليل، وهى التى بدأ منها الانهيار، والمقعد الذى تم تجديده فى عهد على أغا دار السعادة صاحب السبيل والكتاب الملحقين بالقصر وجزء صغير من قاعات الحرملك، فضلا عن القاعات المستحدثة التى استخدمت كمخازن أو قاعات دراسية فى عصور لاحقة. والمدخل الرئيسى للقصر عبارة عن كتلة متماسكة تبدأ بممر مستطيل له باب من خلفه واحدة فى نهايته قبو، على جانبيه مدخلان يفتح كل منهما على فناء مستطيل هو صحن القصر وهذا المدخل الكامل يطل على شارع السيوفية. كما يوجد للقصر مدخل فرعى يطل على حارة الشيخ خليل وصفته الكتابات والوثائق القديمة بأنه باب سر القصر، وللقصر قاعة سفلية رئيسية تم ترميمها بالكامل، جدرانها مغطاة بطبقة من الجص الذى يناسب الحجارة التى بنيت بها القاعة فى الأصل. أما الجزء الخاص بالحرملك فهو يطل على الفناء أو الحديقة بمجموعة من الشبابيك المصنوعة من الخشب البغدادلى، والتى تعد تحفة فنية فريدة وتعلوها ثلاثة شبابيك مستديرة، وهى التى تعرف بالقمريات. وبالقصر إيوانان أحدهما فى الجهة الشمالية والآخر فى الجهة الجنوبية والايوان الشمالى مربع يغطيه سقف ذو زخارف هندسية ونباتية كما أن به شريطا كتابيا تبقى منه النص التالى 'بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا المكان المبارك السعيد من فضل الله الكريم وكل عطائه العميم المقر الأشرف العالى المولوى المخدومى الغازى المجاهدى المرابطى"، وهى كلها ألقاب خاصة بالأمير طاز كما يتوسط هذه الكتابات رسم لكأس يرمز إلى وظيفة الساقى، احدى الوظائف التى تقلدها الأمير طاز. كما يوجد المقعد أو صالة الاستقبال الرئيسية فهو من مستويين يربط بينهما سلم وهو فى كل من مستوييه عبارة عن مساحة مستطيلة تطل على الفناء بما يشبه التراس القائم على ثلاثية أعمدة من الخشب الخرط، ويوجد أسفل السقف إزار خشبى يحتوى على كتابات نسخية للآيات الأولى من سورة الفتح، وملحق بهذا المقعد ثلاث قاعات مليئة بالزخارف الهندسية.