أخذ يتطلع إليه وهو يجلس واضعا ساقا فوق ساق وهو منتفخ الأوداج وتجلس أمامه مذيعة تحاوره بصوت رفيع رقيق مبحوح وهى تهز شعرها المنسدل فوق جبينها يمينا ويسارا.. وبنظرات متحدية من عينيه الضيقتين التى لا تكاد ترى من خلف منظاره الملون الكبير الذى يستقر فوق أنفه العريض قال بصوت متهكم.. ثورة..!!؟ هما صدقوا أنها ثورة..!!؟ قال لزوجته التى كانت تجلس تتثاءب بجانبه.. اصحى معايا شوية شوفى الراجل ده بيقول إيه.. بيتريق على الثورة ومش عجباه.. تصدقى بالله عنده حق.. ماهو لو كانت الثوره قامت بأخذ اللى نصبوا علينا وسرقونا من بيوتهم وسحلتهم فى الشوارع كانوا عرفوا أنها ثورة.. ولكن لأنها كانت ثورة محترمة وعاملت الكل بتحضر طمعوا فيها.. صحيح إذا أنت أكرمت اللئيم تمرد. قالت له وهى تكمل تثاؤبها.. شوف.. الناس دى بتتكلم كده لأنها شافت الثورة عاملة زى القط السيامى.. جميل ومؤدب وهادئ.. الثورات لازم تكون زى الأسود والنمور.. الناس ما بتحترمش إلا القوى.. عندك حق.. ثورتنا ما حصلتش قط بلدى دكر..!! استرسل ضيف البرنامج.. أيوه أنا كنت جزء من النظام ومن الصحافه القومية ولكن أنا كنت بغرد خارج السرب.. وهنا لم يتحمل والتفت لزوجته وهو يصرخ.. شوفى بيقول إيه..!! سرب إيه وتغريد إيه..!!؟ سبحان الله.. كدبوا وصدقوا أنفسهم.. ناس كتير من اللى بيسموهم نجوم الصحافة والفن كانوا منفسة لحالة الضغط بتخطيط وتوجيه من لجان السياسات.. كانوا فاتحين لهم مجال النقد علشان ينفسوا عن الناس وخلف الكواليس هما والسلطة سمن على عسل وحبايب وقرايب ونسايب. فى الإسكندرية كانت أسرة أخرى تلتف حول التلفاز تتابع البرنامج.. سألت المذيعة الضيف عن رأيه فى قوائم العار.. رد سريعا ومازال تعبير التحدى يكسو وجهه.. قوائم العار دى عار على اللى عملوها. وهنا قفز كريم من كرسيه وقام بقذف التلفاز بكوب كان فى يده فتكسرت شاشته وتناثرت لشظايا ملأت المكان.. انطلقت صيحات وكلمات السباب من فمه كرشاش سريع الطلقات.. كان كمن يريد أن يمد يده ليمسك بالضيف الذى اختفى مع تهشم الشاشة كشبح ذاب فى الأجواء.. أخذوا يمسكون به ويجلسونه. أخذت الكلمات التى كان يتفوه بها تتضح بعد أن هدأ قليلا.. له حق..!! مستكتر علينا نكتب أسماء اللى خدعونا وضحكوا علينا سنين طويلة فى ورقه..!! طيب وأخويا اللى مات هو والمئات من الشهداء..؟؟ مش عار على النظام الفاسد وأبواقه.. كتابة أساميهم فى سجلات الوفيات. يعنى ده ذنبنا إن إحنا سيبناهم..؟؟ بدل مايتداروا بعارهم عنا يطلع كل واحد فيهم وهو نافش نفسه.. العيب فين يا رب.. العيب فين يا رب.. الحق على مين..؟؟ الحق على مين..؟؟ أخذ يرددها وكأنه أصيب بالجنون. جلست بجانبه أخته هالة وأخذت تحدث نفسها.. دم أخونا راح هدر..!؟ ازاى دم مئات الشهداء وآلاف الجرحى يكونوا فى رقبة قيادات الداخلية فقط لا غير..؟؟ طيب فين رئيس الوزراء والرئيس.. رئيسهم الأعلى..؟؟ مش كان كل شىء على إديهم وشايفينه..!! معنى أنهم سكتوا ولم يعزلوهم أنهم كانوا شركاء فى الجريمة..؟؟ دم أخويا وكل الشهداء والجرحى فى رقبتهم كلهم.. كلهم.. أخذت ترددها وصوت نحيبها يتصاعد. فى السويس، وفى شارع الأربعين، كان يجلس مجموعة من الشباب فى كافتيريا وبعد أن تابعوا البرنامج التفوا فى حلقة كبيرة وكأنه مؤتمر.. كان نقاشهم صوته عال يسمع من خارج المكان.. قال مجدى: أنا مش عارف الثورة لغاية دلوقتى حققت إيه..؟؟ حتى ذيول النظام الفاسد اللى خربت بلدنا مش قادرين عليها..!؟ يعنى يا رب قدرنا نتخلص من رؤوس النظام ومش عارفين نتخلص من أذنابهم الصغار فى الصحافة والإذاعة والتليفزيون والوزارات والهيئات والمحافظات والمجالس البلدية.. رد رامى: لغاية دلوقتى الموضوع ده مالوش أى تفسير..!؟ قال مصطفى: ده حتى رؤساء الصحف اللى كانوا مسمينها القومية اللى كانوا بيطبلوا ويزمروا على كل المفاسد وبيشفطوا ملايين من وراء النصب على الملايين من اللى زينا لسه قاعدين مربعين وغيروا كلامهم واتلونوا زى الحرباية وكأننا ناس هبلة وريالتنا مدلدلة..!؟ بادر هانى: ولا الفنانين اللى كانوا مسلطينهم علينا ليل ونهار وكان الشباب الفرافير عملينهم مثل أعلى وبوستراتهم معلقينها فوق رؤوسهم..!! كانوا فاكرينهم مثقفين وبيفهموا.. انكشفوا على حقيقتهم.. لا ثقافة ولا معرفة.. طلعوا عجينة من السطحية والتفاهة والوصولية والكذب والخداع. قال حسين بصوت منفعل: غالبيتهم كانوا صواميل فى ماكينة الفساد وساعة الجد بعضهم كان مع الفساد والبعض التانى سكت ما سمعناش لهم صوت..!! واختفوا لما يشوفوا الرايجة هتكون فى أى ناحية وبعد الثورة ما نجحت شفنا اللى بيعيط واللى بتتشحتف..!! وإحنا كنا مع الثورة بس كنا مخدوعين.. ولا المذيعين والمذيعات اللى وصفونا بأننا عملاء وبناكل كنتاكى وبناخد فلوس.. دلوقتى بقت ثورة الشعب وبقينا شباب الثورة..!!؟ الصراحة كل ما بشوفهم بأشعر بالغثيان. قفز جرجس وتناول الريموت وهو يقول خلاص يا خوانا أنا اتخنقت وقام بتغيير القناة.. ظهر شخص يملأ الشاشة وفور أن شاهده صبحى صاح بأعلى صوته يا عم ارحمنا إيه اللى أنتى جبته ده.. قال سامى متعجبا: ومين ده كمان..؟؟ رد مصيلحى: ده يا سيدى متسلط على الخلق وعامل فيها زعيم، ومعروف أنه من أئمة النفاق من الحزب اللى خرب بلدنا ومع كده مستمر وعنده عين يطلع علينا..!! قال ثروت: ثورة يعنى تغيير شامل واحنا لغاية دلوقتى عاملين زى اللى رقصوا على السلالم.. حتى رؤوس الفساد موقف الكثير منهم غامض لغاية دلوقتى..؟؟ ولهم حق يستهتروا بالثورة اللى الشعب دفع ثمنها من دمه.. التغيير والمحاسبة لازم يكون شعار المرحلة الجاية.. لازم كل واحد كبير ولا صغير أساء لشعبنا ووطنا تطوله يد الحساب العسير.. التسامح اللى البعض بينادى بيه مش تسامح..!! اسمه ضعف ودى لعبتهم لإجهاض الثورة. ساد صمت للحظات.. كان الجميع متجهما.. كان الضيق والحنق يتطاير من نظراتهم.. كسر حاجز الصمت انطلاق صوت أم كلثوم الرخيم القوى الواثق وهى تشدو.. أنا الشعب أنا الشعب.. لا أعرف المستحيل.. ولا أرتضى بالخلود بديلا.