ليس معنى أن الكفة مالت لأصحاب كلمة "نعم" فى التعديلات الدستورية، أن يخرج أصحاب كلمة "لا"، ويعترضون على نتيجة الاستفتاء ويهاجمون ذاك ويتهمون ذاك، وتعود ريما لعادتها القديمة فى العلاقة بين الأحزاب المختلفة فى وجهات النظر، فيجب أن نعى كمصريين المفهوم الحقيقى للديمقراطية والحرية، فكم نادينا بالخروج من عباءة اللا مبالاة والنظام الديكتاتورى، وحينما نتمكن من تذوق طعم الحياة والتعبير عن الرأى بلا خوف تكون البداية مع الاعتراض وتوجيه دفة الآراء للمصلحة الشخصية. مقصد حديثى هنا ليس متجهاً إلى أصحاب كلمة "لا".. أو أصحاب كلمة "نعم"، كل منهما على حدة، وإنما كلامى موجه إلى الاثنين معاً، لأن هناك من الفريقين سواء عن عمد أو غير عمد اتبع نفس أسلوب الديكتاتورية خلال الأيام السابقة للاستفتاء، فوجدنا منشورات تحرض على عدم الموافقة، وحركات أخرى تحرض على الموافقة، وبعيداً عما أثير بأن جماعة " الإخوان المسلمين" كان لها دور بارز صوب ترجيح كفة "نعم"، وغيرها من الأمور فى هذا الاتجاه، فإن الأهم أننا كنا أمام يوماً عالمياً لم تشهده البلاد على مدار التاريخ، فخروج أكثر من 18 مليون مصرى للتصويت أمر نادر الحدوث ليس فى مصر فقط، بل على مستوى العالم كله، ويكفى أنا أصحاب كلمة "نعم" وأصحاب كلمة "لأ" ، هدفهم الأول والأخير هو حب مصر وعودة الاستقرار. قلت "غير موافق" على التعديلات الدستورية لأنى مؤمن بوجهة نظرى بأن الدستور أصبح باطلاً بعد سقوط النظام الحاكم السابق برئاسة محمد حسنى مبارك الذى نال لقب "الرئيس المخلوع" .. ولأننى كنت ضمن "كتيبة" ممن لهم الشرف المشاركة فى ثورة 25 يناير، حتى لو كان دورى محدوداً لم يصل إلى حد الاستشهاد أو البقاء ليالى وليالى فى ميدان التحرير وسط البرد القارص، ولأننى لا أنظر تحت قدميه، وأبحث عن المستقبل البعيد لأولاد وأحفاد هذا الوطن الغالى، لكن وبعد اختيار الأغلبية للموافقة على التعديلات فيجب علينا احترام الشرعية ونترقب المشهد القادم. أرفض ما يردده البعض بأن دم شهداء الثورة ضاع أدراج الرياح.. بسبب الموافقة على التعديلات الدستورية، فشهداء ثورتنا الغالية مثل فرسان الساموراى، تشعر كأنهم لم يموتوا، فالبطل لا يموت، بل يمضى دائما مع الريح فى ترحال لا يعرف الراحة والاستقرار، فيما تبقى الأرض ويبقى الناس العاديون، فيجب أن نتذكرهم دائماً ونبتعد عن الشعارات الحماسية الجوفاء، فهم خالدون فى قلوبنا، فالموت فداءً للوطن سيجعل الشهداء ضمن عشرات الأساطير القديمة التى تحكى عن أولئك الأبطال الذين يملأون الحياة بحضورهم المتميز، ثم تأتى اللحظة العجيبة التى يصارع فيها البطل وحشا لا يقهر، يختطف الأصدقاء والأحباب ويعطل البرامج اليومية، ويجمد الأحلام عند نقطة مجهولة، إنه الموت الذى أراد جلجامش- صاحب ملحمة ساموراى الشهيرة- أن يقهره عبر تسلط غير إنسانى، وعندما رأى جثة صديقه إنكيدو أصابته الدهشة التى منحته الخلود عبر ممارسته لسلوك التحضر ، فعندما خاف إنكيدو من الهبوط إلى الغابة قال له جلجامش: لا تتحدث يا صديقى كإنسان ضعيف، إنس الموت، من يمض فى المقدمة يحفظ صاحبه، يحم صديقه، فإذا سقطا خالداً حفرا لنفسيهما اسما.ً فقد رحل جسد الشهداء وبقيت ثورتهم خالدة معبرة عن أحلام أبداً لا تموت وروح لم تنفصل عن مصر وطننا الحبيب، فالمجتمع منحهم الثقة والحب بدرجة تبدو لمن يراها من بعيد أو بشكل عابر كأنه خارج حدود المنطق.. تلك هى الروح المفعمة بالقلق دائما والتى كانت تسكن جسد واهنة وتمنحهما شعلة متوهجة بالمشاعر والأحاسيس، وبركانا كامنا ينتظر لحظات الانفجار والتوهج، فقد مضى كل منهم متمزقا ..حالما..قلقا فى رحلته وكأنه يبحث عن حقيقة ما يحاول أن يدركها، فكان قدرهم أن يسبح طوال رحلة الحياة فى تيار القلق حتى جاء موعد الانتصار من أجل مستقبل أفضل لأخواتهم وآبائهم وآماتهم وأصدقائهم. فى النهاية سعادتى لا توصف بهذا اليوم الذى عادت فيه "الحرية لينا"، لنعبر فيه عن آرائنا بلا تردد ولا مخاوف من مستقبل مظلم، وأهدى روح الديمقراطية المسيطر على وطننا الآن إلى ابنتى "لينا" التى لم يمر من عمرها سوى شهر ونصف تقريباً.. وأنا حريصاً على مناداتها ب" لينا الحرية" بنت الثورة، وأقول لها "أرفع رأسك فوق أنت مصري".. وتحية وتعظيم سلام إلى كل شهدائنا، وحفظ الله مصرنا الغالية.