مازال غبار قضايا الفساد فى إسرائيل يكشف عن الجوانب السيئة للدولة العبرية التى تقدم نفسها ويقدمها الغرب للعالم بوصفها جنة الديمقراطية والازدهار فى الشرق الأوسط، فعلى مدى الأسابيع الأربعة الماضية، عاش الشارع الإسرائيلى على وقع مظاهرات حاشدة شهدتها عدة مدن إسرائيلية، وشارك فيها عشرات الآلاف احتجاجا على "الفساد الحكومى"، مطالبين باستقالة رئيس الوزراء الحالى، بنيامين نتنياهو، الذى يواجه اتهامات بتورطه فى قضايا فساد. ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، خطرًا داهمًا يهدد مستقبله السياسى، بل إن الأمر قد يصل حد الحبس، وذلك فى خضم الاتهامات التى تلاحقه وعدد من كبار المسئولين الإسرائيليين، فى قضايا فساد تتمثل فى تلقى رشاوى وهدايا بطرق غير شرعية، وفى هذا الصدد، يقدم "اليوم السابع"، تفاصيل حول اتهامات الفساد الموجهة إلى نتنياهو، فى سؤال وجواب خلال تلك السطور. س: ما القضايا التى تورط فيها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى؟ ج: الشرطة الإسرائيلية تجرى منذ عدة أشهر تحقيقات بشأن شبهات تورط نتنياهو فى قضيتى فساد، القضية الأولى يشتبه بأن نتنياهو تلقى بطريقة غير شرعية هدايا من شخصيات ثرية ورجال أعمال من بينهم الملياردير الأسترالى جيمس باكر، وقدرت القيمة الإجمالية لهذه الهدايا بعشرات آلاف الدولارات. القضية الثانية، تتعلق بتحقيق حول ما إذا كان نتنياهو قد عقد اتفاقا سريا مع " أرنون موزس " مالك وناشر صحيفة (يديعوت أحرونوت) لتأمين تغطية مؤيدة له من قبل الصحيفة، وفى هذا الإطار ذكرت صحيفة "هاآرتس" أن لدى الشرطة تسجيلا لمحادثة هاتفية بين نتنياهو وموزس يبحثان فيها المنافع المتبادلة. وإلى جانب هاتين القضيتين، هناك القضية الخاصة بصفقة الغواصات الألمانية التى وقعتها إسرائيل العام 2016 لتعزيز أسطولها الحربى، والمعروفة بالقضية رقم 3000 والتى جرى فى إطارها اعتقال 6 من كبار المسئولين المقربين من نتنياهو بتهم تتعلق بتلقى رشا من بعض الجهات الألمانية، وغسيل أموال وارتكاب مخالفات ضريبية. س: هل اقتصر الفساد على بنيامين نتنياهو وحكومته فقط؟ ج: لم تقتصر الاتهامات بالفساد على نتنياهو، بل طالت زوجته سارة أيضا والتى جرى استجوابها فى شهر أغسطس الماضى، من قبل الشرطة الإسرائيلية، وذلك فى إطار التحقيق بشبهات فساد لقيامها بإنفاق للمال العام لدفع مصاريف منزلية خاصة فى مقرى سكنها مع زوجها، الرسمى والخاص. س: كيف تعامل نتنياهو مع وقائع الفساد المتهم فيها؟ ج: ينفى نتنياهو بشدة هذه الاتهامات الموجهة إليه، ويؤكد أنه برىء منها، وأنه ضحية لما يصفها ب "حملة " من قبل اليسار الإسرائيلى ووسائل الإعلام المناوئة له، بهدف إقصائه من السلطة. س: متى خرجت آخر مظاهرة ضد فساد نتنياهو وحكومته؟ ج: آخر مظاهرة، كانت يوم السبت الماضى، وأطلق عليها اسم "مسيرة العار"، وشهدت إطلاق هتافات غاضبة تطالب نتنياهو وأعضاء آخرين فى حكومته بالاستقالة.
س: كيف تعامل "موشيه يعالون" منافس نتنياهو مع وقائع الفساد؟ ج: قاد وزير الدفاع السابق موشيه يعالون، والمنافس السياسى اللدود لنتنياهو، أحد المظاهرات بنفسه، كما اعتبر الفساد فى إسرائيل بأنه "آفة أخطر بكثير من التهديد الإيرانى، ومن حزب الله". س: كيف تصدى نتنياهو وحزبه لوقائع الفساد المتهم فيها كى يفلت من العقاب؟ ج: حاول نتنياهو عن طريق حزب الليكود، تمرير قانون فى الكنيست، يهدف لتخفيف الضغوط عليه ومنع محاكمته، والحد من صلاحيات جهات التحقيق. س: هل وافق الكنيست الإسرائيلى على هذا القانون؟ ج: كان الكنيست الإسرائيلى، قد وافق نهاية شهر نوفمبر الماضى، على قراءة أولى، لمشروع قانون مقدم من نواب حزب الليكود، والمعروف باسم "قانون التوصيات"، ويهدف لمنع الشرطة من رفع توصياتها للنيابة العامة عقب انتهاء تحقيقاتها، ولكن ربط البعض بين محاولة تمرير هذا القانون وبين التحقيقات الجارية حاليا، حيث ينتظر أن يسرى هذا القانون، فى حال إقراره بصورة نهائية، بأثر رجعى على تحقيقات الشرطة الحالية مع نتنياهو فى قضايا الفساد.
س: كيف ترى الأوساط الإسرائيلية لهذه القضايا ؟ ج: أظهر استطلاع للرأى أجرته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلى، أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو يكذب بشأن التحقيقات الجارية ضده بتهم الفساد، لكنهم منقسمون حول ما إذا كان عليه التنحى من منصبه أم لا، وبينما ينتظر أن تقدم الشرطة الإسرائيلية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، توصياتها النهائية فى التحقيقات التى أجرتها مع نتنياهو فى قضايا الفساد. س: كيف وصف نتنياهو تحقيقات الشرطة الاسرائيلية لقضايا الفساد المتهم فيها؟ ج: نتنياهو يبدو حتى الآن واثقا من أنه سينجو من هذه القضايا، وقلل من أهمية التوصيات المرتقبة، وقال أمام تجمع لأعضائه فى حزب الليكود"، إن معظم توصيات الشرطة تنتهى إلى لا شئ، وأن أكثر من 60% منها يذهب لسلة المهملات. س: هل نجاة نتنياهو من قضايا الفساد أمر مؤكد؟ ج: تعرض نتنياهو لضربة موجعة بعد المفاجأة التى فجرها المدير السابق لمكتبه "آرى هارو"، والذى وقع اتفاقًا مع النيابة العامة للشهادة ضد نتنياهو، مقابل عدم إدخاله السجن، حيث من المتوقع أن يدلى "هارو"، بشهادته قريبا فى القضيتين محل التحقيق، وهو ما يضع رئيس الوزراء الإسرائيلى فى مأزق كبير قد يكلفه مستقبله السياسى، وربما ما هو أكثر. س: هل لقضايا الفساد أثرًا على صورة إسرائيل أمام العالم؟ ج: إن أزمة الفساد الأخيرة، وما خلفته من تداعيات واسعة فى الشارع الإسرائيلى، قد تغير من صورة إسرائيل، وتقدم وجها آخر لها يظهر تحت قضايا الفساد، لا سيما بعد أن خرجت اتهامات الفساد ضد نتنياهو من قاعات التحقيق القضائى إلى الشارع الإسرائيلى الذى صار أكثر غضبا وأقل ثقة فى نزاهة هذه التحقيقات. س: هل إسرائيل دولة يقل بها الفساد بحسب التصنيفات العالمية؟ ج: بالعكس، بل إن اتهامات الفساد الأخيرة، التى تلاحق نتنياهو وحكومته حاليا، سلطت الضوء مجددًا على تاريخ إسرائيل الحافل بالفساد الحكومى، الذى طال مسئولين كبار من بينهم رؤساء دولة وحكومة. س: ما هى أبرز الاتهامات التى طالت كبار المسئولين فى إسرائيل؟ ج: تاريخ إسرائيل حافل بالفساد الحكومى، والذى طال مسئولين كبار من بينهم رؤساء دولة وحكومة، انتهى الأمر إما باستقالتهم من مناصبهم أو بعزلهم أو محاكمتهم وسجنهم، ومن أبرز هؤلاء المسئولين، عيزرا فايتسمان، رئيس إسرائيل الأسبق، (فى الفترة من 1993 - 2000)، الذى عزل من منصبه فى أعقاب القضية التى أطلق عليها "قضية سروسى"، والتى اتهم فيها بتلقى مئات الآلاف من الدولارات بشكل غير قانوني، لكن فايتسمان قدم استقالته حتى يتجنب المحاكمة. أما موشيه كاتساف، الرئيس الأسبق، الذى تولى بعد فايتسمان، فقد اتهم بارتكاب جرائم جنسية بحق عشر نساء عملن معه، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة سبع سنوات أمضى منها خمس سنوات قبل خروجه، وكذلك طالت اتهامات الفساد رئيس الوزراء الأسبق، ارييل شارون، والذى اتهم بالتورط فى السيطرة على أراضى الدولة، ووجهت له اتهامات بارتكاب مخالفات احتيال ومخالفات لقانون تمويل الأحزاب، وهى الاتهامات التى تحملها نجله عمرى شارون، وحكم عليه بالسجن لمدة 7 أشهر. كذلك إيهود اولمرت، رئيس الوزراء الأسبق، (ما بين عامى 2006 و2008)، كان أول رئيس وزراء يدخل السجن فى إسرائيل بتهم الفساد، حيث حكم عليه بالسجن لمدة 18 شهرا عام 2014 فى واحدة من أسوأ قضايا الفساد فى تاريخ إسرائيل بعد اتهامه العام 2012 بتلقى رشا فى إطار مشروع عقارى ضخم لبناء أحد المنتجعات، حين كان رئيسا لبلدية القدس فى الفترة ما بين عامى 1993 و2008، وفى عام 2015، أدين أولمرت، فى قضية أخرى بتلقى رشا من رجل أعمال أمريكى، وقد أطلق سراح أولمرت فى منتصف العام الجارى لأسباب صحية بعد أن أمضى فى السجن عاما وأربعة أشهر. وهناك مسئولون حاليين أدينوا سابقا فى قضايا فساد مثل إرييه درعى، الذى يتولى حاليا منصب وزير الداخلية فى حكومة نتناهو، فقد أدين "درعى"، فى عام 1999، بتلقى رشا والاحتيال وخيانة الأمانة، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات قضى منها عامين فى السجن، وقد دفعت حالته أحد الكتاب الإسرائيليين إلى القول "إن إسرائيل دولة فاسدة ومفسدة لأن الإسرائيليين ينتخبون القادة الفاسدين رغم معرفتهم بذلك".