كان يعيش فلاح فقير، فى كوخ صغير وكلما ذهب الفلاح إلى أرضه وجد- دينارًا ذهبيا! فيأخذه ويحمد الله على رزقه. ولكن التفكير يشغل باله، من أين يأتى الدينار الذهبى؟ ومن الذى يضعه؟ وصمم على أن يعرف من هو صاحب الدنانير الذهبية التى تأتيه صباح كل يوم ويضعها بجوار الكوخ، ولم ينم ليلته، وظل يراقب جانب الكوخ متخفيا، حتى رأى مالم يتوقعه أبدا! فلقد رأى الحية.. التى تسكن الجُحر المجاور لقطعة أرضه وكان يخشاها هو وأفراد أسرته، ولكنها لم تؤذهم قط، رأى الحية تمسك بالدينار الذهبى، وتضعه بجوار الكوخ فتعجب وقال: من المؤكد إن لديها من الدنانير الذهبية الكثير والكثير ماذا لو قتلتها واستوليت أنا على تلك الدنانير، وأصبح غنيا؟ فترصدها، وذات صباح إذا بها تمر دون أن تشعر به لتضع الدينار فى مكانه شأن كل يوم.. فأنزل الفأس عليها بقوة، فإذا به يقطع ذيلها ولم تمت.. وهنا أصابه الهلع واستولى عليه الخوف، وأخذ يجرى ولا تقوى ساقاه على الجرى ولكنه هرب وعادت الحية إلى جحرها حزينة!! وعاد الفلاح يترقب خوفًا من الحية.. فإذا به يلقاها فى أرضه ولم يكن يتوقع ذلك، فقال لها (وهو يرتجف من شدة الخوف) هلا تغفرى لى ذلتى وذنبى الذى اقترفته فى حقك، ولن أعود إلى ذلك أبدا؟؟ ونعود كما كنا من قبل، فقالت له: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك!! أى كيف أعود كما كنا وهذه أثر خيانتك. تذكرت تلك القصة وأنا أتابع أحاديث الحكومة الجديدة عن أملها فى أن يمنحها الشعب المصرى فرصة لتحقيق مطالبه فكيف نعاودها وأثر دماء شهدائنا لم يجف بعد؟ وكيف نعاودها وآثار الفقر والفساد والمحسوبية والرشاوى والعنوسة والبطالة مازالت موجودة؟ وتعجبت حقا لمن ينادون بخروج آمن يحفظ الكرامة ولا يريدون المحاسبة!! وهذا أيضا نابع من فكرة تأليه الحاكم، فنحن شعب تعود أن يعبد حكامه حيث كان الفرعون سليل الآلهة أو على الأقل المفوض من قبل الآلهة على الأرض وبالتالى لا يمكن محاسبته أو محاكمته أو حتى إقالته مهما بلغت به الشيخوخة أو المرض وهذا يتبين من التماثيل والنقوش التى كانت تصور فرعون مصر حتى وهو فى الثمانين من عمره بصورة شاب فى ريعان شبابه وقوته إذ لم يكن من المقبول أبدًا أن يتصور الفرعون وعلامات الشيخوخة تظهر عليه حتى لا يفقد هيبته أمام شعبه فالإله لا يشيخ ولا يمرض.. وهذا ما رأيته بنفسى حيث شاهدت لافتات يحملها أنصار النظام كتبوا عليها:"الرئيس الذى عينه الله لا يمكن لأحد أن يقيله". أما أنا فأقول: ليس هناك أحد كبير على المساءلة والمحاسبة.. حتى الأنبياء أنفسهم حينما كانوا يخطئون كان يلومهم الله فقد نزلت سورة كاملة تسمى سورة عبس تلوم النبى صلى الله عليه وسلم على عبوسه فى وجه الأعمى.. هل هناك مخلوق على وجه الأرض أفضل من النبى صلى الله عليه وسلم؟ إنه وهو أفضل خلق الله قال لرجل جاء يشفع فى حد السرقة لامرأة من أشراف قريش:"أتشفع فى حد من حدود الله؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ولم يقل لا يصح أن تقطع يد ابنتى ولابد لها من مخرج يليق بكرامتها كابنة لنبى.. وهو القائل" إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف عاقبوه" وقد قال الله تعالى:"ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين" (الحاقة 46) والوتين هذا هو شريان متصل بالقلب إذا انقطع مات منه الإنسان، ومعنى الآية أن النبى نفسه لو أخطأ لعاجله الله بالعقوبة وقطع شرايين قلبه فما بالك بالإنسان العادى؟؟ وإن حسان بن ثابت الصحابى الجليل وشاعر النبى صلى الله عليه وسلم تم تطبيق حد القذف عليه حين خاض فى عرض السيدة عائشة رضى الله عنها وتم جلده ثمانين جلدة.. بل إن عمر بن الخطاب نفسه – رضى الله عنه – طبق حد شرب الخمر على ولده فلذة كبده وهو من أشراف قريش.. وفى خطبة توليه قال للناس:"إن أخطأت فقومونى فرد عليه رجل:"لو أخطأت يا عمر لقومناك بسيوفنا فقال عمر:"الحمد لله الذى جعل فى أمة محمد من يقوم عمر بسيفه". وعمرو بن العاص حين أخطأ ولده بحق القبطى شدد على معاقبته بل طلب أن تضرب صلعة عمرو نفسه لأنه لم يحسن تربية ابنه.. بل إن خالد بن الوليد بجلال قدره وهو الصحابى العظيم الذى خاض حروبًا لنصرة الإسلام أقاله عمر بن الخطاب من منصبه واقتسم ثروته حتى أنه أخذ فردة حذائه وترك له الفردة الأخرى.