بيرم التونسي وباولو كويلو وماركيز والعبد لله، التقينا صدفة بالأمس في إحدي محطات البنزين، كانت سيارة كل واحد منا في المغسلة، وفي انتظارها جلسنا نحتسي القهوة مع بعضنا بصفتهم كتاباً كباراً وبصفتي (إني الوحيد اللي أعرفهم في مكان زي ده)، وبعد جلسة لطيفة طلبنا الحساب لننصرف، أصر كل واحد أن يدفع، كاد الأمر يتحول إلي مشاجرة، فكويلو وماركيز أمريكيان جنوبيان دمهما حامٍ وعم بيرم التونسي خلقه ضيق وأنا أصغرهم سناً، في النهاية اقترح كويلو أن يروي كل واحد فينا قصة أو قصيدة علي أن يدفع ثمن القهوة صاحب العمل الفني الأضعف. وبدأ كويلو فحكي قائلا: « في حفل استقبال بإحدي القاعات الفندقية الكبيرة، كان هناك زحام وضوضاء، وفي أحد الأركان كان هناك عازف بيانو يعزف مقطوعات من التي يتم عزفها في مثل هذه المناسبات، كان يعزف بضجر واضح، ولم يكن هناك شخص واحد يهتم به أو بما يعزفه علي الرغم من أنه كان يعزف المقطوعات المألوفة التي يحبها الناس، حتي عندما كان ينهي أي مقطوعة كان يندهش؛ لأن الناس لا تصفق ولو مجاملة، لمح أحد الأشخاص السأم علي وجه العازف فتوجه ناحيته قائلا : مشكلتك أنك تعزف ما يريد الناس أن يستمعوا إليه، لا هم استمتعوا ولا أنت أيضاً.. فما المانع أن تتجاهل كل هؤلاء المدعوين وتعزف لنفسك ما تحب أن تعزفه وما يجلب لك أنت السعادة ؟، كان كلام الرجل منطقياً ووجد ترحيباً من العازف، وعلي الفور أزاح العازف النوت الموسيقية التقليدية من أمامه، وبدأ يعزف لحناً يحبه من تأليفه، وما إن اندمج العازف في مقطوعته حتي دب الصمت في أرجاء القاعة وبدأ الجميع يستمعون إليه بانتباه عظيم». ابتسمنا جميعاً وجاء الدور علي بيرم التونسي سأله ماركيز عن آخر قصيدة كتبها فقال بيرم : رباعية عن توت عنخ آمون تقول ( في مصر كنت الملك لك جيش وحاميه.. ودولة غير دولتك ما تعمل الموميا... ولما خشوا عليك المقبرة لقوك.. نايم مفتح ولكن في بلد عامية). صفقنا لعم بيرم ولأنني المصري الوحيد في المجموعة فقلت له: «عندك حق». جاء دور العم ماركيز فحكي قائلا: «كان هناك رجل يعشق امرأة بجنون وكان علي وشك الزواج منها، لكنها كانت دائماً تتهرب وتؤجل الزواج لأسباب واهية، فقرر الرجل أن يراقبها ليعرف سرها، فاكتشف أنها تحب رجلا يسكن في كوخ فقير علي أطراف المدينة وكانت تزوره باستمرار وتقضي هناك ساعات طويلة، رأها وهي تتسلل إلي الكوخ عدة مرات، ثم قرر أن يقتل غريمه فتسلل إلي الكوخ وذبحه أثناء نومه، فجعت المرأة برحيل عشيقها وكادت الأحزان تهلكها لولا أن الرجل أحاطها بحنانه واهتمامه فرق قلبها له وتزوجا، ثم أنجبت له ولدين في غاية الجمال، كان سعيداً بهما وبها وكانت الحياة تسير كما ينبغي، وفي يوم كان الرجل وزوجته مارين بأطراف المدينة وعندما اقتربا من كوخ العشيق المذبوح انزعجت المرأة وأسرعت خطاها، ابتسم زوجها وقال لها ساخراً :الآن تسرعين خطاك؟ أين الأيام التي كنت تثقلين فيها الخطوات وأنت تغادرين الكوخ؟، لم ترد زوجته لكنها عرفت أن زوجها قتل الرجل الذي أحبته، كانت صدمة قاسية وقررت الانتقام، وفي يوم استيقظ الرجل فلم يجد زوجته ووجد ولديه مذبوحين، وإلي جوارهما رسالة بخط الزوجة مكتوب فيها (فلتجرب حريق القلب)». كانت قصة ماركيز صادمة قادتنا جميعاً إلي الصمت، وبعد ثوان ابتسم لي كويلو قائلا : دورك. قلت لهم « كان هناك فلاح طيب يسير في الشارع وهو ينظر إلي الأرض فوجد قطعة من الذهب، فرح بها جداً واستفاد منها في تحسين ظروف حياته، وبعد سنوات طويلة التقيته فوجدته حزيناً فسألته عما به فقال : لقد قضيت عمري كله أسير وأنا أنظر إلي الأرض، هل تعرف ماذا جنيت من هذه الخصلة؟ خمس قطع معدنية وسبعة أقلام فارغة من الحبر واثني عشر مسماراً وحدوة حصان وظهراً محنياً وعمراً بائساً». قالوا: يالها من قصة عظيمة، قلت لهم: هل ستغضبون إذا قلت لكم إنها للأديب الروسي تشيكوف ؟، ضحكوا جميعهم، قال كويلو: لا شيء يدعو للغضب، وقال بيرم: سنسامحك؛ لأن القصة جميلة، أما ماركيز فقد قال: لقد كنت أميناً معنا ولذلك إنت اللي هتغني الليلة يا منعم.