منذ أكثر من عشرة أيام, نهاية ديسمبر 2010.. تلقيت رسالة عبر بريدى الإلكترونى.. للتهنئة بالعام الجديد من أحد الزملاء الأصدقاء الصحفيين المقيم فى ألمانيا.. مصحوبة برسالة ورجاء.. أما الرسالة فقد كانت مقالاً له عن دراسة نشرتها مجلة تصدر مع صحيفة "دى تسايت" الألمانية الأسبوعية.. وأما الرجاء فقد كان قراءة المقال وإبداء الرأى فيه على وجه السرعة.. رددت التهنئة برسالة, ووعد بقراءة المقال.. لكننى لم أقرأه – للأسف – سوى منذ يومين فقط.. كان الانفجار قد حدث فى الإسكندرية.. والتداعيات تلاحقت.. والصدمة أخذتنا جميعا.. ولما قرأت المقال أسقط فى يدى.. فيبدو أن الإسكندرية لم تكن مرتعاً خصباً للمتطرفين المحليين فقط, بل صارت قبلة المتطرفين من دول شتى آسيوية وأوروبية.. ونحن جميعا لا نعلم!! المجلة التى نشرت الدراسة تصدر عن صحيفة للنخبة، يشارك فى إصدارها المستشار الألمانى الأسبق هيلموت شميدت.. ليست مجلة أو صحيفة تبحث عن الإثارة، أو تخاطب جمهوراً من القراء محدودى الثقافة، ورغم ذلك هى صحيفة واسعة الانتشار تبيع حوالى 500 ألف نسخة.. يقرأها مليونا شخص تقريباً من المثقفين وأصحاب القرار.. حملت صفحة الغلاف الخارجى للمجلة صورة مئذنة مسجد بين نخلتين.. معنونة بعبارة "عندما تعلمت التطرف الإسلامى".. فى داخل العدد أفردت المجلة صفحات للقصة التى عاشها الباحث الألمانى فريتس شآب.. فى مدينة الإسكندرية, فى معهد قرطبة للدراسات العربية.. وهو يحتل فيلا بشارع نبيل حمدى بحى ميامى الشهير.. فى هذه المنطقة قضى الكاتب أربعة أسابيع فى المعهد الذى يعلم اللغة العربية لغير العرب.. وفيه يتلقى – أيضا – متطرفون غربيون دروس اللغة العربية!! الباحث يدرس العلوم الإسلامية بجامعة برلين الحرة – وحتى يكون واضحا لمن يقرأ – لم يكن هدفه من الدراسة الإساءة إلى مدينة الإسكندرية.. فهو يشير موضحا أن رغبته فى التعرف على هذه المدرسة جاءت لمعرفته, وغيره, بأنها مقصد المتطرفين الأوروبيين.. أحد أولئك كان دانيل شنايدر.. عضو خلية إرهابية معروفة فى ألمانيا باسم "مجموعة زاورلاند".. التى خططت لتفجيرات فى العديد من المطارات والملاهى الألمانية.. صدر حكم ضد شنايدر بالسجن 12 عاماً. ويذكر الباحث أن مؤسسات سعودية تقوم بتمويل منح دراسية للأجانب الراغبين فى التعلم بهذا المعهد.. وأن الدارسين يقيمون فى شقق مشتركة موزعة على حى ميامى.. الذى لا يحمل سمات التطرف، وإن كان الكثيرون من طلاب المعهد ينفرون من نمط الحياة الإسكندرانى.. يوفر المعهد سكنا للطلاب بأسعار تتراوح بين 130 إلى 150 دولاراً أمريكياً فى الشهر.. "أى أقل من ألف جنيه".. فوجئ بأن حوله الكثير من الغربيين ممن اعتنقوا الإسلام.. ارتدوا الجلباب، مطلقين اللحى، مذهولا من مقولة أحد المعلمين للدارسين إنه: "من المهم أن يضرب المرء زوجته"!! خطط الكاتب لمهمته الصحفية التى اعتبرها سرية بحسب وصفه فقرر إطلاق لحيته فى برلين قبل سفره بعدة أسابيع.. ثم وصل المعهد مطلع شهر سبتمبر الماضى.. وأوضح للموظف المسئول، الذى أجرى له اختبار تحديد المستوى، أنه إنما جاء إلا ليعرف المزيد عن الإسلام.. رفيقه فى السكن كان شاباً أمريكى الجنسية، باكستانى الأصل، لا يتابع سوى قناة "الهدى" التى تبث برامج دينية فقط.. يقوم شيخ بالرد على أسئلة المشاهدين المتصلين به هاتفياً.. الشاب الأمريكى عمره 21 عاماً.. قادم من ولاية تكساس.. التى استوطنها والده الصيدلى.. كانت حياته مترفة.. بدأ قبل عامين فقط الاهتمام بدينه.. نصحه أحد أفراد الجالية الباكستانية فى هيوستن بالالتحاق بالمعهد فى الإسكندرية.. فجاء مقرراً عدم العودة إلى الولاياتالمتحدة مرة أخرى!! يورد الباحث حديث فتى من جمهورية داغستان – شمال القوقاز – فى الثانية عشرة من عمره.. قال له إنه يحلم بأن يموت شهيداً فى سبيل الله، مثل عمه.. وأنه يؤيد ما فعله هتلر فى الهولوكوست!!.. أما من يتولى مهمة تعليم الإسلام للدارسين الجدد فهو مهندس معمارى بريطانى الجنسية.. ولمَ لا فهم لا يتقنون العربية بالدرجة التى تسمح لهم بفهم المعلمين.. هذا البريطانى يقول لدارسيه: "إن المسيحيين يزعمون التوحيد، لكنهم يجعلون لله ولدا، ولذلك فهم مشركون، وسيدخلون النار"!! يروى الكاتب كيف اصطحبه رفيقه فى السكن إلى أحد الشيوخ فى "مركز الدعوة الإسلامية"، ليعلمه القرآن.. فوجئ بأن الشيخ يحاول إقناعه بالإسلام.. أجابه بأنه يحتاج وقتا لمعرفة الإسلام بصورة أفضل، قبل أن تأتى تلك الخطوة.. قال الشيخ: "إذاً كبداية انطق الشهادة ورائى، قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"!! هنا بدا أن الأمور يمكن أن تصبح أكثر تعقيدا.. وأن أمره قد يفتضح.. فادعى أن جده مريض، يرقد فى أحد المستشفيات، وأنه مضطر للعودة بسرعة إلى ألمانيا!! هذا ملخص لكثير من التفاصيل التى أوردها الباحث, وهى بالضرورة تستدعى أسئلة كثيرة تحتاج إجابات عاجلة.. هل سمع أحدكم بمثل هذا المعهد من قبل؟!.. وإلى أى جهة إسلامية يتبع؟!.. ومن سمح للقائمين عليه بتعليم الإسلام, إذا كان الهدف من إنشائه تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها؟!.. وإذا كان مسموحاً له بتعليم الدين الإسلامى, من يقوم باختيار مدرسيه؟!.. على أى أساس يتلقى هذا المعهد منحاً لتعليم الدارسين؟!.. هل هو منظمة مجتمع مدنى؟!.. ما هى الجهة التى تقوم بمراقبة أوضاعه شأن باقى المنظمات المدنية؟!.. كيف يدخل هؤلاء الدارسون مصر؟!.. هل تحمل جوازات سفرهم تأشيرة سياحية, أم تأشيرة دراسية؟!.. هل للدراسة بالمعهد مصروفات؟!.. ومن يقوم بتحديدها؟ وعلى أى أساس؟!.. هل يخضع المعهد لأى من الوزارتين المنوط بهما الإشراف على التعليم فى مصر؟!.. أم أن تحويل المدارس القومية إلى تجريبية يستحوذ على فكر رجل التعليم الأول فى مصر؟!.. واصطياد قرش شرم الشيخ – حتى لو كان محنطا – أهم من متابعة أمر التعليم العالى؟!.. ثم ما هو مركز الدعوة الإسلامية هذا الذى يأخذ على عاتقه مهمة إشهار أحدهم للإسلام بطريقة سينمائية هزلية؟!.. عندما انتهيت من قراءة سطور الرسالة القادمة من ألمانيا.. قررت ترجمة شعورى بالندم لعدم قراءتى لها فى حينها.. إلى رحلة بحث حول الأمر برمته.. أحيطكم به علما حين يكتمل..