اختتمت مؤخراً فعاليات بانوراما الفيلم الأوروبى والتى تنظمها شركة أفلام مصر العالمية، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبى ويبدو أن ماريان خورى مسئولة البانوراما اجتهدت إلى حد كبير فى انتقاء واختيار الأفلام المعروضة، ويبدو أنها كسبت الرهان على مشروعها السينمائى، الذى كان يشكك فيه الكثيرون، حيث تحدت بأن هناك جمهوراً سيتزايد بمرور السنوات للسينما الأوروبية، فى حين كان يشكك الكثيرون فى أن تجد هذه السينما إقبالاً، وهذا ما تأكد فى هذه الدورة التى شهدت إقبالاً شديداً فى الحفلات الصباحية وحفلات منتصف الليل. كانت دور العرض المخصصة للعروض، سواء فى جلاكسى أوسيتى ستارز كاملة العدد ومن أهم الأفلام التى عرضت فيلم "فوز" الإيطالى، الذى نال استحسان الحضور من السينمائيين والمهتمين، وذلك للقضية التى يناقشها وتتعلق بمنطقة شائكة فى حياة الزعيم الإيطالى موسولينى، تتعلق بزوجته الأولى والتى أنكر وجودها وتبرأ من علاقته بها، رغم إنجابها لابن منه، والفيلم يقدم حالة فنية متكاملة على مستوى الصورة البصرية شديدة الثراء والتقنيات. ومن الأفلام الهامة التى عرضت ضمن أفلام البانوراما فيلم "بيوتفل" وهو فيلم أسبانى مكسيكى تم إنتاجه فى عام 2010 وهو بطولة النجم الأسبانى المتميز خافيير بارديم، ومارسيل الفاريز وإخراج "اليخاندرو جونزاليس صاحب فيلم "بابل" وتدور أحداثه عن رجل تحاكى حياته أبطال التراجيديا اليونانية، فهو أب لطفلين وبسبب حالة زوجته النفسية المضطربة يضطر إلى مغادرة المنزل واصطحاب طفليه معه، وفى نفس الوقت يعمل سمساراً يتقاضى عمولته من المهاجرين غير الشرعيين على توفير فرص عمل لهم وحمايتهم من الشرطة بدفع رشاوى لمسئوليها، وأجمل ما فى الفيلم هو أنه يلعب طوال الوقت على المنطقة الرمادية فى النفس البشرية، وعن ذلك التناقض، والرغبة فى أن تكون خيراً، إلا أن كل شىء يدفعك عكس ذلك تماماً، فرغم أن بطلنا _ يجسده خافيير بارديم _ يعيش حياته من دم هؤلاء المهاجرين، إلا أنه يتعاطف معهم وتجمعه علاقة شخصية وإنسانية ببعضهم. والفيلم يرصد الكثير من تلك العلاقات الإنسانية المحيرة والتى تستفزك، إلا أنك فى نفس الوقت لا تملك إلا التعاطف مع أصحابها، والفيلم فى جزء كبير منه يرصد الحياة الأخرى فى المدن الكبيرة الخربة، وأيضاً النفوس البشرية الأكثر خراباً، فالكل يكافح واقعه الأليم وأقداره المعاكسة، وإذا كان الفيلم يحمل تميزاً على مستوى الصورة والتكنيك والسيناريو والحوار الشديد التكثيف، إلا أنه حقاً يعطى درساً فى كيف يكون الممثل، حيث قدم خافيير فى هذا الفيلم واحداً من أجمل أدواره، وجاء أداؤه عبقرياً فى إمساكه بتفاصيل الشخصية وتطوراتها النفسية، ولحظات انهيارها الداخلى والخارجى، خصوصاً بعد اكتشافه أنه مصاب بالسرطان، وأنه لا يتبقى له سوى شهران ويترك حياته وأولاده وإذا كان الفيلم قد تنافس على جائزة السعفة الذهبية فى مهرجان كان بدورته الماضية، إلا أنه اقتنص جائزة أحسن ممثل بجدارة. ومن الأفلام التى كان ينتظرها الكثيرون من المهتمين بالسينما فيلم رجال وألهة، وهو الفيلم الحاصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان كان فى دورته الماضية، والفيلم يبدو أنه حصد الجائزة لأسباب سياسية وليس سينمائية، حيث جاء مستواه الفنى متواضعاً قياساً لحجم الجائزة التى حصل عليها، ولكن يبدو أن القضية التى يتناولها وتتعلق بفكرة التسامح بين الأديان والحوار مع الآخر من خلال قصة حقيقية لمجموعة من الرهبان كانوا يعيشون فى قرية بعيدة بالجزائر يقدمون خدمات لأهل القرية وتربطهم بهم علاقات إنسانية، وذلك أثناء أحداث التطرف الإسلامى التى شهدتها الجزائر فى التسعينات، حيث تعرض الرهبان للاختطاف والمقايضة على حياتهم من جانب الحركة الإسلامية مقابل الإفراج عن بعض المتطرفين، إلا أنهم قتلوا والفيلم رغم أنه يعالج قضية شديدة الأهمية وتمثل صفحة سوداء فى تاريخ الإنسانية وليس تاريخ الجزائر فقط، إلا أن إيقاعه وسرده السينمائى جاء أقرب إلى فيلم تليفزيونى اللهم إلا المشهد قبل النهاية وقبل واقعة اختطافهم، والذى كان يحاكى مشهد العشاء الأخير للسيد المسيح. وفيلم مطبخ الروح، وهو من إخراج فاتح أكين وبطولة آدم بوسدوكوس، موريتز بليبترو، بيرول أونيل، ويتحدث عن مغامرات زينوس، صاحب مطعم فى هامبورج، الممزق ما بين أخيه المفرج عنه من السجن وصديقته الخائنة ومطعمه الذى يضيع، الفيلم حصل على جائزة لجنة التحكيم، جائزة السينما الشابة بمهرجان فينيسيا الدولى 2009 ورشح للجائزة الذهبية بمهرجان فينيسيا الدولى 2009. يذكر أن أولى دورات بانوراما الفيلم الأوروبى، بدأت فى مصر عام 2004، والهدف من إقامتها التعرف على ثقافة الآخر الأوروبى بسبب انشغال الساحة بالسينما الأمريكية.