على مائدة الإفطار كوب من الخشاف وأبريق من العرقسوس وشفشق من الخروب وبرميل من التمر هندى.. ومع ذلك لم أستطع أن أهضم أو حتى أن أبلع فكرة أن انقطاع التيار الكهربائى عن عموم مصر سببه هو فشل الحكومة المصرية بجلالة قدرها فى تدبير الطاقة لمواطنيها رغم أنها الحكومة التى تعاير مواطنيها منذ ثلاثين عاماً بأنها قدمت له بنية أساسية "ما تخرش المية". سبب عدم قدرتى على بلع هذه الأزمة المفتعلة هو طريقة تعاطى الحكومة المصرية مع الأزمة.. وطريقة تعاطى الرأى العام معها.. فعناوين الصحف ووسائل الإعلام منذ بداية شهر رمضان تتصدرها أزمة الكهرباء وهذا طبيعى فهى قضية تمس كل بيت فى مصر.. ولكن الغريب المريب هو تلك التسريبات شبه الرسمية التى تخرج فى وسائل الإعلام عن الأزمة.. والتى تشير إلى أن محطات الكهرباء المصرية تعانى من نقص الغاز.. لأن الغاز المصرى يتم تصديره لإسرائيل مجاناً.. وأن الحكومة تفكر فى إعادة استيراد الغاز المصرى من إسرائيل بسعر السوق لحل أزمة الكهرباء.. يعنى باختصار فوازير رمضانية تحرق الدم وتستعصى على الفهم خصوصا أنها تأتى فى بداية موسم الانتخابات. فى أوروبا والدول المتقدمة تحمل مواسم الانتخابات حالة من النفاق الحكومى للشعوب.. يبدو الأمر وكأن الحكومات تتملق الشعوب.. ففى أيدى هذه الشعوب (المحترمة) يتعلق مصير الحكومة فقد جاءت ساعة الحساب والامتحان.. ويوم الامتحان تكرم الحكومة أو تهان.. ولذلك تتزايد مساحة التصريحات الوردية تقدم الحكومات على إجراءات تلقى قبولاً جماهيرياً بهدف زيادة شعبيتها وتتخلص (أو على الأقل تؤجل) أى منغصات جماهيرية أو قضايا تثير الجدل.. ويكون شغل الحكومة الشاغل هو أن "تطبطب" و"تدلع" الشعب فى موسم الانتخابات العصيب.. ولا مانع من أن ينزل أكبر رأس فى الحكومة "ليبوس الواوا" التى تؤلم أصغر واحد فى الشعب كما فعل جوردون براون رئيس الوزراء البريطانى السابق الذى عقد مؤتمرا صحفيا فى عز موسم الانتخابات ليعتذر لمواطنة بريطانية على المعاش اسمها جيليان دوفى ويطلب منها الصفح والعفو.. ويذهب إليها فى منزلها أمام كاميرات وسائل الإعلام "يبوس القدم ويبدى الندم" فترفض اعتذاره وتكون واحدة من الأسباب التى قلشته وحزب العمال من الوزارة بعد عقدين من الزمان قضاها الحزب فى الحكم. فى مصر الأمر يختلف.. طبعاً حكومتنا لا تطبطب ولا تدلع ولا تبوس الواوا.. ولا تؤمن بهذا النوع من النفاق السياسى الرخيص.. (فالنفاق لا يجوز إلا من الشعب للحكومة).. ولكن تقوم الحكومة فى موسم الانتخابات بالعكس تماماً.. فهى تصدر للناس سلسلة من الأفعال المستفزة.. وتتبعها بتصريحات مستفزة.. تشعر أن الحكومة تختلق الأزمات اختلاقاً وتبدع فى العكننة على خلق الله لسبب غامض.. قد يكون هذا السبب هو قياس مدى سمك جلد الشعب وقدرته على الإحتمال والشعور بالبلادة أمام الاستفزاز.. وفى المقابل يتابع الإعلام المستقل نقد الحكومة وتحمل عناوين الصحف المستقلة كل يوم ما يمكن أن يطيح بعشر حكومات فى نفس واحد.. ولكن الحكومة تواجه كل هذه العناوين والمعلومات والنقد والأخبار بجلد أسمك من جلد الخرتيت.. وكأنها منافسة بين الحكومة وشعبها على من يحرز جائزة الجلد الأسمك واللامبالاة الأكبر.