ماركيز فى زمن أكلت فيه السينما كعكة التلقى كاملة، ولم تترك لسواها سوى الفتات، يبدو غريباً هذا الإقبال الشديد على صنف أدبى بعينه. فتوجه شباب الأدباء والقراء العرب إلى أدب أمريكا اللاتينية لم يعد موضة، كتلك التى صنعها باولو كويلو بروايته "الحالة"السيميائى. القارئ العربى يقبل على بورخيس، جابرييل جارثيا ماركيز، إيزابيل الليندى بنهم شديد، ويتطلع فى مداخلاته الحوارية على "النت" والفيس بوك والمنتديات المتخصصة إلى أسماء أخرى يسمع عنها دون أن يقرأها مثل جورجى أمادو، مانليو أرخوتيا، روثاريو كاستنييايوث وغيرهم.. ما سر هذا الأدب القريب إلى نفوس المصريين، إلى الحد الذى جعل منه فى السنوات العشر الأخيرة الأكثر مبيعا دون منافس؟! عمر محمد (صاحب مكتبة عمر بوك استور) يتحدث حول الأدب اللاتينى بشيء من الافتتان فيقول: القراء يقبلون على الرواية اللاتينية أكثر من غيرها لأنها تشبع نهم القارئ أيا كانت توجهاته الفكرية ودوافعه النفسية للقراءة، فما يريده القارئ – أى قارئ – سيجده فى رواية لماركيز أو ايزابيل الليندي.. ربما كتبت لبيئة مختلفة تماما وجمهور بعيد عن الجمهور العربى. عمر يضيف أن الإقبال على كتب بعينها يدفعه لقراءتها وأنه شعر أثناء قراءته لماركيز مثلاً أن الرواية تقول كل شئ تقريباً: تتحدث فى السياسة والدين ومشكلات الفرد اليومية عن الحب والكراهية والنفاق والغيرة، وعن الجنس، عن تطلعات الإنسان الخالدة إلى الكرامة والحرية.. فى حين أن الروائى العربى لا يتميز بهذا، وأنه يفتقر إلى التنوع فى موضوعاته، كما أنه صاحب خيال محدود. سيد محمد، وهو صاحب فرشة كتب قديمة فى شارع طلعت حرب، يلاحظ أن القارئ رغم محدودية دخله يقبل أن يدفع 50 جنيهاً فى رواية لإيزابيل الليندى، بينما يفاصل فى ثمن رواية لا يتعدى ثمنها عشرة جنيهات لأديب عربى، ويتردد ألف مرة قبل أن يشترى، وربما لا يشترى فى النهاية، ويؤثر على ذلك شراء المترجم من أعمال ماركيز أو باولو كويلو، الذى يشتريه وهو مغمض العين لمجرد أنه ينتمى لأمريكا اللاتينية. على صعيد آخر يتحدث المبدعون الشباب عن تلك الظاهرة معتبرين الأدب اللاتينى هو الأدب رقم 1 فى العالم كله.. القاص محمد سيد عبد الرحيم يرجع الولع العربى بالأدب اللاتينى إلى منابع وجذور الأديب اللاتينى الإبداعية فيقول إن الكتاب اللاتينيين، وعلى رأسهم ماركيز، تأثروا إلى حد كبير "بألف ليلة وليلة"، سيبدو ذلك واضحاً بشدة فى عمله الفارق فى تاريخ الرواية العالمية "مائة عام من العزلة" وهو ما أشار إليه صاحب الرواية نفسه فى أحد حواراته. لذا لا يجد سيد غرابة فى أن أدباء أمريكا اللاتينية يشكلون بإبداعاتهم وسيطاً بين الأدب الغربى والأدب العربي، لأنهم هضموا كلا الصنفين، واستطاعوا أن يتمثلوا أفضل ما لدينا وما لديهم. وأنهم - أى الأدباء اللاتينيين- هم الأقدر على استخدام تقنيات السرد والكتابة بوجه عام لتحقيق أكبر قدر من الإثارة والتشويق وكسر العادى والمتواتر، مما يدفع القارئ دائما لإكمال الرواية إلى النهاية والتطلع إلى الجديد. مصطفى زكى عضو منتدى إطلالة الأدبى يقول : أجد نفسى ومجتمعى وبيئتى فى روايات "اللاتين" أكثر من غيرها، بما فى ذلك العربية.. نفس الطرق الترابية والبيوت والسواقى والحب الضائع دائما من أجل ضغط المادة على القيمة.. نفس الحزن والملامح وكأنه كتب لنقرأه نحن!. ربما كانت البيئات المتشابهة هى سر هذا التماهى بين آلامهم التى تقترب إلى حد بعيد منا ومن ظروف مجتمعاتنا الشرقية. تامر خاطر، الباحث بقسم الفلسفة جامعة القاهرة، يقول: أقرأ إيزابيل الليندى مثلما أقرأ كبار فلاسفة العالم الذين أثروا فى حركة الفكر والثقافة لقرون مضت.. أكتب وراءها ملاحظاتى وأشير بالقلم الأحمر لعبارات ربما تغيرت حياتى بعد قراءتها، ورأيتها بهمومها وآلامها المعتادة بصورة مختلفة. لذا يمكننى أن أقرأ إحدى الروايات اللاتينية لأكثر من 10 مرات دون ملل وبدلالات مختلفة، كل مرة وكأنك تقرأها لأول مرة. القاص وليد خطاب يتحدث عن خوسيه ساراماجو متعجباً من قدرة هذا الرجل على الرؤية. وليد يعلق قائلا هذا أديب "شايف" بقوة يتجه إلى الاشتراكية بشكل إنسانى وفطرى، يعادل ذلك التطلع الفطرى للعدالة والمساواة دون جفاف وافتعال لشعارات رنانة وخطابية مملة. وليد يضيف أن ثقافة الكاتب الموسوعية قد ساعدته على عمق الرؤية وتعميم الخاص بالشكل الذى استطاع معه ساراماجو أن يتماس مع هموم القارئ فى أى ثقافة غير لاتينية وغير برتغالية بالتحديد. موضوعات متعلقة: ◄إيزابيل الليندى:"ألف ليلة وليلة" أدخلتنى عالم الرواية والإسلام مصدر للفنون والآداب الاستثنائية.. والأزمة فى الذين يتحدثون باسمه (نص الحوار..) ◄الروائية العالمية ايزابيل اللندى ل "اليوم السابع" ◄"حصيلة الأيام".. سيرة "فاضحة" تكتبها لابنتها باولا ◄روائيو أمريكا اللاتينية يدرسون الأدب.. بينما يستغرق الأديب العربى فى سيرته الذاتية