رداً على الدكتور خالد منتصر: العلمانية.. من تأويل النص إلى تحريف الطب.. "منتصر" يحارب طواحين الهواء والحديث عن غلق أبواب التداوى وكليات الطب لم يحدث منذ زمن النبى

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
تداول النشطاء مقطع فيديو لجزء من محاضرة للدكتور خالد منتصر، انتقد فيها توظيف الطب لترغيب الناس فى أداء طقوس دينية، ومعتبرا أن هذا الأمر يتم بمغالطات طبية ودلل على ذلك بأمور منها (من وجهة نظره):
1- احتواء ماء زمزم على معادن ضارة واستشهد ببحث لباحث سعودى لم يذكر اسمه (وذكر اسمه لاحقا فى تصريحات لليوم السابع، هو الدكتور فيصل شاهين).
2- أن الصوم ليس مفيدا بل مضرًا للكلى للامتناع عن الشرب 18 ساعة، وأن أخلاق الصائمين ونرفزتهم تؤكد أن الصوم لا علاقة له مطلقا بتحسين الصحة.
3- فيما يتعلق بالحكمة من تحريم الخنزير ادعى الآتى:
- أن البقر فيه دودة شريطية كالتى فى الخنزير.
- أن الطيور فى الريف المصرى تأكل القاذورات فلماذا لا يحرمون؟
- أن الخنزير الأوروبى يعيش فى أماكن أفضل من شقق الخمس نجوم عندنا.
- وأضاف معلومة شخصية وهى أن أول حصالة فى حياته كانت على شكل خنزير.
ثم إنه أدلى بتصريحات لليوم السابع جاء فيها قوله:
- «هل نحن نصوم لأن الصيام فريضة أم لأن الصيام مفيد للكبد والكلى، إذا سوقنا المفهوم الثانى سيصبح خطرا على الدين، لأنه ممكن عالم يقول إنه فى اليوم الحار 18 ساعة بدون مياه لن تستفيد الكلى مثلما تقولون، ما الموقف حينها؟ إذن نحن نضر الدين ولا ننفعه».
- «بالنسبة للحم الخنزير هل نحن لا نأكله لأن ديننا أمرنا بذلك أم لأن فيه دودة التنيا سوليم؟.. لو قلنا:إنها الثانية واعتمدنا على ذلك سيخرج علينا من يقول طب والبقر ما عندهم التنيا ساجيناتا، هنا سيتشكك المتدين فى دينه والسبب من رسخ هذه الفكرة فى ذهنه وليس السبب الدين نفسه».
- «بالنسبة لماء زمزم هو رمز دينى لكن تحويله لشفاء من كل شىء خطر على الدين من ناحية أنه ماذا لو خرج بحث مثل بحث د. فيصل شاهين السعودى يحذر فيه مرضى الكلى من تناول ماء زمزم لوجود بعض المعادن المضرة بالكلى؟.. وهل السعوديون الذين يسكنون بقرب زمزم ويشربون منه أضعافا مضاعفة لا يمرضون!! يكفى أن نأخذ الرمز الدينى وبلاش نربطه بالطب ونحوله لعلاج لكل شىء الربط هنا خطير على الدين أولا وعلى العلم ثانيا».
ثم خرج فى برنامج بوضوح وردد كثيرا مما قاله وزاد على هذا إنكاره لوجود إعجاز علمى فى القرآن وإليك مناقشة ورد على بعض ماقاله:
1- الفوائد الدنيوية للعبادات بين الإفراط والتفريط
فى معرض دفاعه عن نفسه بعد الآراء الصادمة التى ذكرها فى ندوته قال خالد منتصر:إنه يريد أن يفعل المسلمون العبادة من أجل العبادة ولو كانت هذه هى قضية الدكتور خالد منتصر لهان الخطب ولعد فى نطاق «المتشددين» فى تحقيق الإخلاص فى العبادة، ولكنه أضاف إلى هذا ادعاء أن الله افترض علينا عبادات تضر بأبداننا وصحتنا ومع هذا فهذه الرؤية التى انتحلها خالد منتصر تبدو «متشددة» فى مقابل دعوات يتبناها البعض يكاد يحصر فوائد العبادات فى فوائدها الدنيوية مع الأصل أن المسلم يفعلها طالبا فائدتها الأخروية؛ ففى الصيام الذى كان أحد أهم محاور خالد منتصر قال الله تعالى:?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?،وقال صلى الله عليه وسلم:«من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»أى إيمانا بوعد الله بالثواب عليه واحتسابا لذلك الثواب.
ومع هذا فقد جاء فى الشرع ذكر بعض الفوائد الدنيوية الطاعات فأخبر تعالى على لسان نوح عليه السلام: ?قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا?، وهذا فى شأن نعم يقدر الله حصولها لمن أطاعه وكذلك لو كانت الطاعة ذاتها تفيد فى بعض الأمور الدنيوية
ومع هذا فلم يعول الشرع على هذا تعويلا كبيرا.
2- الحكم الدنيوية للتشريع فى المعاملات بين الإفراط والتفريط
وكما تبنى خالد منتصر أعلى درجات التشدد فى باب «إخلاص النية» فى العبادة فقد تبنى أيضا أمرًا أبعد ما يكون عن منهجه الذى يدعو دائما إلى «إعمال العقل ولو فى مصادمة النص» فدافع عن كلامه فى شأن الخنزير بأن المسلم يجتنبه لأنه محرم وفقط وليس من أجل الضرر.
والأمر هنا فى شأن «المعاملات» يختلف عن العبادات؛ حيث يذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأصل فى الأحكام التعليل وبناءً عليه فإذا جاء الشرع بتحريم لحم الخنزير فإننا نؤخذ من ذلك أمورا:
- وجوب الانتهاء التام عن ذلك طاعة لله علمنا العلة أم لم نعلم.
- الإيمان المجمل بأنه لا بد من علة لهذا الحكم، فالله هو الحكيم الخبير الذى يضع الأشياء فى مواضعها.
- الإيمان بأن العلة لجامعة لباب المنهيات هى ما وردت فى قوله تعالى فى صفة رسوله صلى الله عليه وسلم: ?وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ?.
ثم ما زاده بيانا بقوله: ?يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا?، ومن ذلك نأخذ أن كل محرم فهو إما ضرر محض وإما لأن ضرره أكبر من نفعه.
- ثم قد يكون هناك باب للاجتهاد والنظر الدنيوى والتأمل فى الأضرار التى تلحق من خالف شرع الله
3- الإعجاز العلمى فى القرآن بين الإفراط والتفريط
قال تعالى: ?سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ شَهِيدٌ?،ومن هذا الباب وجد العلماء أن ثمة أمورًا وردت فى الكتاب والسنة آمن بهما المسلمون على مر العصور على أنها غيب مطلق ثم صارت فى زماننا شهادة واصطلح العلماء على تسمية هذا الباب ب«الإعجاز العلمى فى القرآن» ومن أبرز أمثلته ما ورد فى القرآن من مراحل تكوين الجنين والتى وردت فى قوله تعالى: ?وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ?.
ولا ندرى ماذا يقول د.خالد منتصر على هذا المثال بالذات، وهل يرى فيه إعجازًا أى أمرًا غير داخل فى قدرة البشر وبالتالى يستدل به أن هذا الكلام من عند الله أم لا؟
ولكن يجب أيضا أن نعلق على موقف بعض المزايدين على قضية الإعجاز العلمى فى القرآن فهم يفسرون القرآن على ضوء افتراضات علمية لم ترق بعد إلى درجة الحقيقة العلمية أو يتحدثون عن حقائق علمية ولكن يحالون انتزاعها من آيات بتكلف يفسد معنى الآية بل ربما يتوهم من يسمع كلامهم أن القرآن كتاب فى الفيزياء بل فى كل العلوم التجريبية، ولكن الصحيح أن الله جعل هذه الأمثلة آيات متجددة وآيات فى الأنفس والآفاق تصدق الآيات القرآنية المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم.
4- الطب النبوى بين الإفراط والتفريط
وكفرع على هذه الأبواب السابقة انقسم الناس فى شأن ما ورد فى السنة النبوية من إرشادات طبية؛ فتعامل معها البعض على ما هى عليه من أن ما فيها من موافقة علوم الطب هو أحد أدلة صدق النبى صلى الله عليه وسلم.
وعللوا عناية الوحى بشأن الطب خاصة من أن طب القلوب والأبدان متقاربان، وأن الطاعات لن يستطيع القيام بها إلا صاحب البدن السليم، فأرشد الشرع إلى فوائد طبية عامة منها قوله صلى الله عليه وسلم:«ما ملأ بن آدم وعاء قط شر من بطنه فإن كان ولا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه».
كما أرشد الشرع إلى أبواب من التداوى كالتداوى بمنتجات النحل وبالحجامة وبالحبة السوداء، والعجيب أن يشكك د.خالد منتصر فى هذه الأمور على أن الأحاديث التى تحدثت عنها ربما تكون ضعيفة مع منها ما هو مذكور فى القرآن فى قوله تعالى عن عسل النحل: ?فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ?.
والناس فى هذا الباب أيضا طرفان ووسط؛ فطرف يظن هذا الأمور علاج من كل الأمراض ويخلط بين الجزء الثابت بالوحى وهو أصل إثبات أن هذا الباب فيه وسيلة للعلاج وبين تجارب الأطباء فضلا عن المعالجين من غير الأطباء، وفى الجانب الآخر تجد من يتعامل مع هذه النصوص بالتشكيك فيها وعدم الثقة بما دلت عليه.
فالحجامة مثلا قد تجد من الفريق الأول من لا يقبل أن تجادله فى مدى فائدتها فى مرض معين أو فى كونها هى الأنفع والأجدى فى مرض معين.
وعلى الجانب الآخر، تجد من يشكك فيها ويسخر منها فى الوقت ذاته الذى يحترم العلاج بالإبر الصينية رغم أنها هى والحجامة من باب واحد وإن كانت الحجامة تفوقها من حيث أثرها فى إزالة الاحتقانات الموضعية فى المفاصل وغيرها.
خالد منتصر ومصارعة طواحين الهواء
على الرغم من وجود من يغالى فى شأن ما يعرف بالطب النبوى فإنه لم يحدث منذ زمن النبى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن دعا أحد إلى إغلاق كل أبواب التداوى والاقتصار على حبة البركة أو الحجامة أو ماء زمزم أو غيرها، فضلا عن إغلاق كليات الطب وهو الهاجس الذى دائما ما يحاربه د.خالد منتصر.
وحتى الأحاديث التى أفادت شمول شىء من هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«الحبة السوداء شفاء من كل داء»، فالتفسير العلمى الصحيح لذلك أنها ترفع كفاءة جهاز المناعة مما يساعد على شفاء كل الأمراض، ولكن قائل ذلك هو الذى قال صلى الله عليه وسلم لما سأله السائل:«ما تقول فى أدوية نتداوى بها؟» قال:«تداووا عباد الله».
على أن هذا الكلام شائع فى كلام الأطباء القدماء منهم والمعاصرين؛ فمنهم من يقول:«تفاحة فى اليوم تغنيك عن زيارة الطبيب»، ومنهم من يتكلم عن العشب الفلانى الذى يمثل صيدلية متكاملة إلى آخره، وبالطبع مقصود كل هؤلاء أثر هذه الفواكه أو الأعشاب فى رفع جهاز المناعة أو أثره الإيجابى على كل أجهزة الجسم.
«صوموا تصحُّوا» لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ثبت ما هو أعم من ذلك.
يتساهل الكثير مِن الوعَّاظ فى أن ينسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:«صوموا تصحوا»،وهو حديث لا تصح نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومِن المفيد هنا أن نشيد بجهود علماء الحديث الذين لم يقبلوا أن ينسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قولًا إلا أن يأتى مِن طريق الرواة الثقات، حتى وإن كان القول ذاته صحيح المعنى،والذى ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله:«ما ملأ ابن آدم قط وعاءً شرًّا مِن بطنه،وإن كان ولا بد فاعلًا فثلث لطعامه،وثلث لشرابه،وثلث لنفسه»،وهذا يتوافق تمامًا مع كلام أهل الطب،وإن كان بعضهم ومِن باب «التغابى» يثير شبهات حول أن النَّفَس لا يتم مِن المعدة وهو أمر لم يتعرض له الحديث لا مِن قريب ولا مِن بعيد،وإنما نصَّ على أن إبقاء جزء مِن المعدة خاليًا يساعد على التنفس الجيد وهذا حاصل.
المهم أننا نأخذ مِن هذا أهمية تنظيم كميات الطعام وخطورة اعتياد امتلاء المعدة بالطعام.
وغنى عن الذكر أن إراحة أى آلة تعمل باستمرار مثل الجهاز الهضمى وما يرتبط به من أجهزة لا يحتاج إلى عناء كبير لنعرف أنه مفيد لهذه الأجهزة،ولذلك كانت مِن وسائل العلاج الطبية الصوم (ومعناه عند الأطباء الإمساك التام عن الطعام فترة تصل إلى أسبوعين أو أكثر مع الإكثار مِن شرب الماء) وهذا النوع له فوائده الطبية،وله فى المقابل أضراره؛ حيث يحرم الجسم لفترة طويلة مِن البروتينات التى تجدد خلاياه، كما أنه يحرم الجسم مِن كثير مِن الأملاح النافعة، لا سيما تلك التى تفرز فى البول كالبوتاسيوم وإفرازها على مدار أسبوع أو أكثر دون تعويض لها يصيب الجسم بالكسل والخمول،وعمومًا فإن الامتناع عن الطعام مطلقًا لفترة طويلة أو الامتناع عن أنواع حيوية منه؛ له فوائده،ولكن له فى ذات الوقت أضراره البالغة.
خطورة عدم شرب الماء والفرق بينه وبين الصيام
إذا كان الإمساك عن الأكل ولكن مع شرب الماء له فوائده وله أضراره، فإن تناول الإنسان لطعامه مع الإمساك عن شرب الماء أو حتى عدم شرب كمية الماء المناسبة، فإن هذا يعد ضررًا بالغًا،وذلك لأن الطعام يحتوى على أنواع مِن السموم والأملاح الزائدة عن حاجة الجسم والتى يرسلها الجسم بدوره إلى الكلى للتخلص منها عن طريق البول، وهذا فى حاجة إلى الماء لتتم هذا العملية، وفى حالة عدم شرب الإنسان للكمية المناسبة من المياه يوميًّا، فإن هذا يجعله معرضًا للإصابة بحصوات الكلى وسائر أمراض الكلى،وأما إذا فعل هذا مريض الفشل الكلوى فربما يُعرِّض حياته نفسها للخطر.
ومِن الواضح أن هذه الأخطار المترتبة على عدم شرب الماء هى لمن يأكل ولا يشرب،وليست لمن يمسك عن الاثنين معًا.
وهذا الفارق الذى لم ينتبه إليه خالد منتصر أو تغافل عنه،وأما مَن يمسك عن الاثنين معًا فلا يوجد سموم وأملاح تصل إلى الكلية أصلًا إلا عن طريق الأملاح المختزنة والماء المختزن، وقد هيَّأ الله الجسم وجعله قادرًا على إبقاء التوازن بين الأملاح المختزنة والماء المختزن، فيكون نتيجة هذا أن الصيام الشرعى يخلص الجسم مِن جزء مِن هذا المخزون غير المرغوب فيه، لا سيما وأن الصيام يكون مِن الفجر إلى المغرب بما يتراوح ما بين 12 ساعة إلى 18 ساعة،وبعدها يتمكَّن الصائم مِن تعويض ما فاته مِن الماء أو الغذاء، وهى فترة يحتملها الجسم بدون أدنى ضرر.
وبهذا تتبين أفضلية الصيام الشرعى على الصيام الطبى (حتى مِن الناحية الطبية) كما يتبيَّن الفرق بينه وبين الإخلال بمُعَدَّل شرب الماء المضر طبيًّا مع الأخذ فى الاعتبار أن الفائدة الطبية فى الصيام الشرعى فائدة عرضية،وأن الغرض الرئيسى منه تحقيق التقوى مِن الصبر ومراقبة الله تعالى والشعور بحاجة المحتاج، إلى آخر ذلك.
إباحة الفطر للمريض والحكمة الشرعية والطبية منه
مِن المغالطات الواردة فى كلام د.خالد منتصر أنه يتكلم عن الاستثناء ويقلبه قاعدة، فعند الحديث عن ماء زمزم تحدث عن بحث طبى ينصح فئة خاصة مِن مرضى الفشل الكلوى بخطورة الشرب مِن ماء زمزم؛ لاحتوائه على نسبة عالية نسبيًّا مِن أملاح الصوديوم،وهذا فى غاية ثبوته يجعل هؤلاء مستثنون مِن حكم استحباب الشرب مِن ماء زمزم إلى المنع مِن ذلك وفقًا للقاعدة الشرعية الواردة فى قوله صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار»،وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن مَن أفتى مَن فى رأسه شجة بالاغتسال:«قتلوه قتلهم الله، إنما شفاء العى السؤال»، وماذا على خالد منتصر أو غيره لو شفوا شبهاتهم بالسؤال، وليكن إلى علماء الأزهر ليجدوا عندهم الشفاء؟.
نقول هذا فى حالة ثبوت ذلك الضرر؛ لأن كثيرًا مِن الباحثين ردوا على ذلك البحث بأن احتواء ماء زمزم على نسبة كبيرة مِن أملاح البوتاسيوم يُعادِل أملاح الصوديوم ولا يجعل فيها أى ضرر حتى على مريض الفشل الكلوى.
وكذلك فى حال الصيام، فإن مريض الفشل الكلوى أيضًا قد لا يناسبه أن يمسك عن الشرب طوال النهار؛ لأن كليته لن تكون قادرة على الاكتفاء بالماء المختزن فى الخلايا حتى مع عدم الطعام، وهؤلاء قال الله تعالى فى شأنهم:?فَمَنْ كَان َمِنْكُمْ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَر ٍفَعِدَّةٌ مِنْأ َيَّامٍأ ُخَرَ?.
وقد جاءت كلمة «مريضًا» نكرة؛ لتفيد الإطلاق، ويبقى دور الاجتهاد المنضبط لأهل العلم كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب ومَن قبلهم مِن الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومَن بعدهم مِن الأئمة الأعلام والذين ضبطوا لنا المرض المبيح للفطر أنه الذى فيه أحد وصفين:
الأول:أن يكون الصيام معه يسبب مشقة لم يكلف الشرع بمثلها.
الثانى:الأمراض التى يتأخر برؤها إذا صام المصاب بها.
ومِن هنا نعلم أن علماء الأمة قد فسروا الحكمة الشرعية على ضوء الحكمة الطبية أخذًا مِن القواعد العامة المذكورة فى قوله تعالى:?وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم ْفِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ?،وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار».
لماذا لا نصوم طوال العام؟.
مارس د.خالد منتصر أسلوبًا غريبًا فى المناقشة؛ فبعد تعميمه للاستثناء بذكر ضرر الصوم على المريض مغفلًا تناول الشرع لهذه القضية عاد وقال إنه إذا كان الصوم كذلك فلنغلق كليات الطب (وهى شبهة سبق الجواب عليها)،وأضاف أخرى،ولماذا لا نصوم طوال العام؟.
وفى الواقع أن مَن تحدثوا عن فوائد الصيام لا يلزمهم أن يجعلوه طوال العام وإلا فالصوم الطبى (الإمساك عن الطعام تمامًا مع شرب الماء كا سبق بيانه) ينصحون به فترة تترواح ما بين أسبوع و أسبوعين.
على أن الشرع أوجب الصيام شهرا فى العام وأبقى العام كله محلًا للتطوع كصيام ثلاثة أيام مِن كل شهر، أو الاثنين والخميس مِن كل أسبوع، وأعلى درجات التطوُّع أن يصوم يومًا ويفطر يومًا،وأما مواصلة الصوم وهو صوم الدهر فمنهى عنه،وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا يضر البدن،وذهب بعضهم إلى أن صيام الدهر سوف يتحول إلى عادة،ويرتب الإنسان موعد طعامه وشرابه على هذا؛ مما يفقد اليوم معنى المجاهدة، وهو المقصود الأصلى للصوم.
الصيام والنشاط والصيام وحسن الأخلاق
مما تعرض له خالد منتصر أن المشاهد مِن حال الصائمين مِن الكسل والنرفزة يدل على عكس ما يقولون مِن أن الصيام مفيد للصحة، وفى الواقع أن هذا الكلام فيه مغالطات؛ فلا ينكر أحد أن الصيام فيه جهد ومشقة،وإذا رأيت صائمًا فى رمضان فستجد أن أداءه البدنى أقل مِن الطبيعى، ولا علاقة بهذا بأثر الصيام فى الصحة؛ لأن مَن يتحدث عن أثر الصيام فى الصحة يتحدث عن المدى الطويل، وليس عن وقت الصيام ذاته.
ومع هذا فلا يمكن أن يكون الصيام سببًا لحالة الكسل التى يكون عليها الناس فى رمضان، وسبب الكسل معروف من إنهاك الصائم طوال الليل فى اللهث وراء المسلسلات وبرامج المنوعات، فيترك الناس النوم ليس بغرض الصيام، ولكن بسبب هذه السهرات والتى تزيد على هذا بالإرهاق النفسى ما بين إثارة الشهوات أو برامج المقالب ومشاهد الرعب والذنب، ليس ذنب الصيام ولا ذنب رمضان،وإنما ذنب مَن شغله بما يتنافى معه تمامًا.
وأما حالة الضيق والنرفزة فهى ليست فرعًا على الامتناع عن الطعام والشراب، بل غالب مَن يصاب بهذه الأعراض هو مَن يكون شكواه مِن الامتناع عن الدخان وغيره مما يسبب الإقلاع المفاجئ عنه بتوتر وفساد فى المزاج،ومِن ثَمَّ لا ينبغى أن نأخذ هؤلاء كنموذج، ولكن علينا أن نساعدهم فى أن يجعلوا مِن شهر رمضان فرصة للإقلاع عن التدخين وعن كل العادات السيئة.
كما أن حسن الأخلاق فى الصيام ليس نابعًا مِن أثر طبى بقدر ما هو نابع مِن أثر إيمانى، وهو حرص الصائم على عدم إفساد صومه أو جرح حرمته، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:«فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل: إنى صائم»
ومِن المفيد هنا أن نعرج أيضًا على العادات السيئة فى تناول الطعام فى رمضان مما يمكن أن يفقد الصيام كل فوائده الطبية تقريبًا؛ فالصيام النبوى أن تفطر على تمرات وحسوات مِن ماء ثم تصلى المغرب،وفى هذا رفق بالجهاز الهضمى وإعطاؤه فرصة للنشاط، ومعالجة أثار الأنسولين المتراكم بإعطائه التمر الحلو، وبعد ذلك قد يأتى الطعام والذى تبقى فيه القاعدة النبوية:«ثلث لطعامك،وثلث لشرابك،وثلث لنَفَسِك».
ثم يكون السحور قبيل الفجر مع جرعات مِن ماء، وبعده صلاة الفجر فى جماعة.
فأين هذا ممن يفطر على الدخان أو يلقى فى معدته كل صنوف الطعام مع الإسراف فى الحلوى طوال الليل، ثم يتناول السحور وينام على هذه الحال ولا يدرك الفجر، فكيف تراه إذا استيقظ لعمله، فمَن وقع فى هذا أو فى شىء منه فسوف يناله مِن الكسل وضيق الخلق والبعد عن الأجواء الإيمانية للشهر بقدر ما ابتعد عن الصيام النبوى.
ردود سريعة.
الخنزير بين الطب والدين
الخنزير محرم؛ لأن الله حرمه،ولكن الله أخبرنا فى صفة محمد صلى الله عليه وسلم: ?وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ?، فعلمنا أن كل محرم خبيث حتى الخنزير الأوروبى الذى يعيش فى أماكن أفضل مِن شقق الخمس نجوم عندنا، وقد بحث علماء الطب وعلماء الحيوان فوجدوا أن الخنزير عائل لكثير مِن الأمراض؛ منها الدودة الشريطية، وليست هذه وحدها لكى تبنى حكمك عليها.
ومع هذا فنحن نعلم أن البقر يمرض بالدودة الشريطية وبغيرها، وفى هذه الحالة يحرم أكلها، ولكن احتمال إصابة الخنزير بها وبغيرها أعلى بكثير (والحكم للأغلب) كما أن درجة خطورة الدودة الشريطية الخنزيرية أعلى بكثير جدًّا مِن الدودة الشريطية البقرية كما هو معلوم عند (أهل الطب).
وأما جنون البقر فناتج عن مخالفة الشرع ووضع الدماء ولحوم الحيوانات الغير مأكولة اللحم (وأخبثها الخنزير) فى علف البقر.
- من هنا تعلم أن الخمر والخنزير مِن الخبائث، فهل تقبل أن تحضر لطفلك حصالة على شكل زجاجة خمر؟ بل هل تقبل أن تفعل ما هو أدنى بذلك بكثير مِن أن تُحضِر لطفلك حصالة على شكل «علبة سجاير»؟ أظن أن الإجابة بالقطع لا.
- ومِن ثَمَّ إذا صحَّت قصة أن والدك اشترى لك حصالة على شكل خنزير فى صغرك فكان الواجب عليك أن تستغفر له لا أن تعتبره حجة على العالمين.
حكم الحيوانات الطاهرة إذا تغذت على النجاسة
فى سياق دفاعه عن الخنزير، استشهد خالد منتصر بالطيور التى تأكل القاذورات فى الريف المصرى، ونحب أن نقول له أن هذه المسألة منصوص عليها فى السُّنَّة، ويسمى هذا الطائر أو الحيوان بالجلالة، وورد فيها عن ابن عمر رضى الله عنهما: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة فى الإبل أن يركب عليها أو يشرب مِن ألبانها».
وفى فقه المسألة تفاصيل ملخصها:
- لا تأخذ الدابة الطاهرة حكم الجلالة حتى يكون معظم طعامها مِن النجاسة.
- اختلف العلماء هل تحرم الجلالة أبدًا أم أنها قابلة للتطهير، والراجح أنها تقبل التطهير بإطعامها العلف الطاهر.
- اختلف القائلون بأنها تطهر وتحل بالعلف الطاهر فى المدة التى تحل بعدها، فقال بعضهم: ثلاثة أيام، وقال البعض: أربعون يومًا، والظاهر أن المسألة مما يرجع فيها إلى أهل الخبرة(الطب البيطرى) وأنها تختلف باختلاف الحيوان.
وفى النهاية ..أسأل الله أن أكون قد وُفِّقت فى الجواب على الشبهات التى تعرض لها الدكتور خالد منتصر فى كلامه .. سائلًا الله أن يرنا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرنا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.
موضوعات متعلقة:
-ياسر برهامى يرد على منتصر: المدعى بأن الصيام يضر بالإنسان يكذِّب القرآن
-بالفيديو..عزمى مجاهد ل"خالد منتصر":سبت الهرش والتنيا وبقيت تتكلم عن ماء زمزم
-بالفيديو..خالد منتصر: الإعجاز العلمى بالدين أكذوبة وعدد الكواكب 10 وليس 11
-خالد منتصر ردا على مهاجميه: لماذا توجد مستشفيات لو ماء زمزم يشفى الأمراض؟