التوقيت الصيفي.. تعرف على أهمية وأسباب التوقيت الصيفي    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق في ختام الأسبوع اليوم الخميس 25 إبريل 2024    ارتفاع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 25 إبريل 2024    خوفا من اجتياح محتمل.. شبح "المجزرة" يصيب نازحي رفح الفلسطينية بالرعب    الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خليج عدن    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    حزب الله يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية مختلفة    موعد مباراة الهلال المقبلة أمام الفتح في الدوري السعودي    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    "شياطين الغبار".. فيديو متداول يُثير الفزع في المدينة المنورة    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    حزب المصريين: البطولة العربية للفروسية تكشف حجم تطور المنظومة الرياضية العسكرية في عهد السيسي    ب86 ألف جنيه.. أرخص 3 سيارات في مصر بعد انخفاض الأسعار    محافظ المنيا: 5 سيارات إطفاء سيطرت على حريق "مخزن ملوي" ولا يوجد ضحايا (صور)    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    الأرصاد تعلن موعد انكسار الموجة الحارة وتكشف عن سقوط أمطار اليوم على عدة مناطق (فيديو)    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    توقعات ميتا المخيبة للآمال تضغط على سعر أسهمها    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يعلن الترشح لفترة رئاسية ثانية    تدريب 27 ممرضة على الاحتياطات القياسية لمكافحة العدوى بصحة بني سويف    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    بيع "لوحة الآنسة ليسر" المثيرة للجدل برقم خيالي في مزاد    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تأجيل دعوى تدبير العلاوات الخمس لأصحاب المعاشات ل 24 يونيو    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معلقا على ملف إعادة الاعتبار لسيد قطب : هذه أفكار قطب.. 1- اعتبر مسلمى اليوم كفاراً.. 2-طالب بخلع عباءة الولاء لحكام البلدان الإسلامية.. 3-اتهم العالم كله بأنه جاهلى
نشر في اليوم السابع يوم 23 - 04 - 2010

◄◄ يوسف القرضاوى: سيد قطب كفّر المسلمين بلا استثناء
نشرت «اليوم السابع» فى عددها الماضى، ملفاً أعده الأستاذ وائل السمرى، حمل عنواناً مدهشاً: رد الاعتبار «للشهيد» سيد قطب.
وإن كانت قضية محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر فى 1954، التى اعتقل على خلفيتها سيد قطب ضمن آخرين، يختلف على حقيقتها البعض، ما بين منكر لها ومعتبر أنها تمثيلية للإيقاع بالإخوان، وما بين مؤكد لها من بين الإخوان أنفسهم، إلا أنه لا أحد بما فى ذلك أنصار «قطب» أنفسهم يعتقدون أن ما حدث فى 1965، من سعى بعض كوادر الإخوان للقيام بعمليات انتقامية ضد رموز النظام استباقا لما اعتقدوا أنها اعتقالات يخطط لها النظام، اتهامات من قبيل الاتهامات التى دأب النظام فى بعض مراحله على إلصاقها بمعارضيه، بل إن أصلب المدافعين عن سيد قطب لم يستطيعوا إنكار أنه أسس نظرياً لما حاول أن يقدم عليه عمليا فى عام 1965، عبر كتابيه الشهيرين (فى ظلال القرآن فى طبعته الثانية) و(معالم فى الطريق).
ثمانى ملاحظات:
قسم الأستاذ «وائل السمرى» الملف إلى عدة أقسام حوى كل قسم منها أفكاراً رئيسية نحصرها جميعا فى الآتى:
الأولى: تتحدث عن دماثة خلق سيد قطب وعلو همته، وهو ما لا يختلف عليه أحد، لكنه فى ذات الوقت لا يمنع إطلاقاً من تبنى الذين يتمتعون بهذه الصفات لأفكار، وارتكابهم لأعمال تصب جميعها فى خانة العنف والإرهاب وإقصاء الآخر بالقوة، وهو ما سنتحدث عنه تفصيلاً فيما بعد.
الثانية: الحديث عن المرحلة الفكرية الأولى لسيد قطب، كونه أديباً وناقداً لا يشق له غبار.
الثالثة: فكرة قبول ودعوة قطب للدولة المدنية تأسيسا على مقولته المشهورة، أن ما فعلوه كان رد فعل على تعسف النظام وعدم استخدامه القانون فى مواجهتهم، حتى وإن كان هذا القانون وضعيا.
الرابعة: ما جاء على لسان الدكتور طاهر مكى من حديث يقطر عذوبة عن «سيد قطب» الذى لم يره سوى مرتين فى حياته.
الخامسة: دفاع الأستاذ محمد قطب عن شقيقه، باعتباره لم يقصد كل ما فهم من أفكاره وأنه لم يقم بتكفير أحد.
السادسة: شهادة المرشد العام الثالث للجماعة الأستاذ عمر التلمسانى عن سيد قطب.
السابعة: الاستشهاد بتكفير السلفيين لقطب من خلال رؤيتهم لما قدمه قطب حول ما سمى «بالفتنة الكبرى» بين علىّ بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان والتى انتهت بمقتل علىّ. والمقارنة بينه وبين محمد عبده.
الثامنة: وأختم بملاحظة أخيرة حول مدى تأثر تيار السلفية الجهادية بأفكار سيد قطب.
أولا وثانيا:
الحديث عن المرحلة الأولى من حياة سيد قطب، مرحلة النقد الأدبى، ومحاولة إقناع القارئ بأن هذا هو الرجل، دون أى رتوش، لا تنطلى على أى دارس لعلم الاجتماع، خاصة أن ما يميز الانسان عن الحيوان، هو القدرة على التغير؛ عبر اكتساب تجارب مختلفة والتواجد فى بيئات مغايرة؛ وأنا هنا لا أناوش أحدا عبر مبادئ علم الاجتماع، ولكننى سأذكركم بما قاله الدكتور يوسف القرضاوى فى مذكراته التى نشرها موقع إسلام أون لاين قبل ثمانى سنوات، نقلاً عن الدكتور محمد المهدى البدرى، حيث قال: «حدثنى الأخ الدكتور محمد المهدى البدرى أن أحد الإخوة المقربين من سيد قطب كان معتقلا معه فى محنة 1965 أخبره أن الأستاذ سيد قطب، عليه رحمة الله، قال له: إن الذى يمثل فكرى هو كتبى الأخيرة، خاصة المعالم والأجزاء الأخيرة من الظلال، والطبعة الثانية من الأجزاء الأولى، وخصائص التصور الإسلامى ومقوماته، والإسلام ومشكلات الحضارة، ونحوها مما صدر له وهو فى السجن، أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها، فهى تمثل تاريخا لا أكثر، فقال له هذا الأخ من تلاميذه: إذن أنت كالشافعى لك مذهبان: قديم وجديد، والذى تتمسك به هو الجديد لا القديم من مذهبك. قال سيد رحمه الله: «نعم، غيرت كما غير الشافعى رضى الله عنه، ولكن الشافعى غير فى الفروع وأنا غيرت فى الأصول».
ويعلق القرضاوى قائلاً: «الرجل يعرف مدى التغيير الذى حدث فى فكره فهو تغيير أصولى أو استراتيجى»، كما يقولون اليوم.
وقريب من هذا الكلام قاله القيادى الإخوانى وعضو مكتب الإرشاد السابق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، رداً على سؤال للروائى جمال الغيطانى أثناء قيام أبوالفتوح بزيارته الشهيرة فى مايو 2006 للأديب العالمى نجيب محفوظ.
كان السؤال حول رؤية سيد قطب للأدب والفن فى كتابه معالم فى الطريق، وجاء رد أبوالفتوح حاسماً: «هناك اثنان «سيد قطب» الأول قبل (1954) والثانى بعد (1954).. الأول لا يختلف أحد عليه وعلى تقديره، فما كتبه فى الظلال قبل 54 مختلف عما كتبه فى الظلال بعد 54.. فعندما دخل السجن وتعرض للتعذيب استكمل الكتاب وأعاد كتابة ال14 جزءاً مرة أخرى، ولكن فى ظل حالة خصومه مع الدنيا كلها، وأنا كطبيب لا يمكن أن أؤاخذ اإنساناً فى حالة مرضية على تصرفاته»، وأنهى «أبوالفتوح» حديثه بالقول إن ما كتبه سيد قطب فى المعالم والظلال يختلف عما كتبه قبل عام 1954، كما يختلف عما كتبه الأستاذ البنا، ويتحمله سيد قطب وحده ولا علاقة له بالجماعة».
ثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً:
وليسمح لى القارئ الكريم أن أضم «دفاع» أو قل «شهادة» الأستاذ وائل السمرى، إلى شهادات كل من الدكتور طاهر مكى، والأستاذ محمد قطب، والأستاذ عمر التلمسانى «رحمه الله» فى قسم واحد اعتبره القسم الأهم من هذا المقال، واسمحوا لى أن أنقل هنا عن أجيال ثلاثة، جميعهم ارتبطوا بجماعة الإخوان المسلمين، بشكل أو بآخر.
الأول، رجل لا يختلف على علمه اثنان، هو الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوى، والثانى باحث إسلامى مجتهد هو الأستاذ معتز الخطيب معد برنامج الشريعة والحياة بفضائية الجزيرة، والثالث حفيد المرشدين الثانى والسادس المستشار حسن الهضيبى، والمستشار المأمون الهضيبى، الأستاذ إبراهيم الهضيبى. وأبدأ بما خطه الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوى. ففى دراسة مهمة نشرت له على شبكة إسلام أون لاين، فى مايو عام 2004، حملت عنوان «هل يكفر سيد قطب مسلمى اليوم»، قسم القرضاوى أفكار «سيد قطب» إلى ثلاثة أجزاء، الأول حمل عنوان «تميز المؤمنين من المجرمين أولى المهام»، والثانى «المجتمع الجاهلى ومنهج قطب فى مواجهته»، والثالث «ليس هناك مجتمع اسلامى ذو كيان قائم».
أولا: تمييز المؤمنين من المجرمين أولى المهام:
يقول الدكتور القرضاوى: «من قرأ «ظلال القرآن» لسيد قطب فى طبعته الأولى لم يجد فيه شيئاً يدل على هذه الفكرة».. فكرة تكفير المسلمين الذين يعيشون فى العالم الإسلامى اليوم. ولكن من قرأ الأجزاء الأخيرة منه، التى كتبها وهو فى السجن بعد تغير اتجاهه الفكرى، وكذلك الأجزاء الأولى التى عدلها، وظهر ذلك فى طبعته الثانية، وما بعدها يجد هذه الفكرة المحورية تسرى فى الكتاب، فى عشرات المواضع بل فى مئاتها. كلام واضح لعالم لا يشكك أحد فى أنه فى صف الإخوان فكرا،ً وفى صف الفكر الاسلامى قولاً وعملاً، بل يعتبره البعض فى صف المجاهدين فى كل أنحاء العالم، عالم مارس تفسير القرآن ودرس الفقه وأفتى المسلمين، قرأ قطب عشرات المرات وسجل شهادته للتاريخ، واحتمل فى سبيل ذلك، الكثير من الأذى ممن يعتبرون المساس بسيد قطب أو أفكاره، هو مساس بجماعة الإخوان المسلمين فكراً وحركة.
ويقدم الدكتور القرضاوى دليله على ما سبق أن قرره بالقول: «وحسبنا هذا النص الصريح المعبر عن فكر الشهيد -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين). قال رحمه الله: «إن سفور الكفر والشر والإجرام ضرورى لوضوح الإيمان والخير والصلاح، واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الربانى للآيات ذلك أن أى غبش أو شبهة فى موقف المجرمين وفى سبيلهم ترتد غبشاً وشبهة فى موقف المؤمنين وفى سبيلهم، فهما صفحتان متقابلتان، وطريقان مفترقان، ولابد من وضوح الألوان والخطوط». ويضيف القرضاوى نقلاً عن قطب أن «المشقة الكبرى التى تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم تتمثل فى وجود أقوام من الناس من أسلاف المسلمين فى أوطان كانت فى يوم من الأيام داراً للإسلام يسيطر عليها دين الله وتحكم بشريعته.. ثم إذا هذه الأرض، وإذا هذه الأقوام تهجر الإسلام حقيقة وتعلنه اسما».
«وإذا هى تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً. وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقاداً، فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.. وشهادة أن لا إله إلا الله، تتمثل فى الاعتقاد بأنّ الله وحده هو الذى يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كلها». ويضيف قطب «وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فإنه لم يشهد ولم يدخل الإسلام بعد كائناً ما كان اسمه ولقبه ونسبه. وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فهى أرض لم تدن بدين الله ولم تدخل فى الإسلام بعد».
هل يوجد وضوح مثل وضوح هذه العبارات، وضوح يؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن سيد قطب الذى يقول عنه أخوه محمد قطب أنه لم يكفر أحداً، أنه قام بتكفير كل المسلمين الذين يعيشون فى بلدان لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وفق مفهوم سيد قطب. وإمعاناً فى وضوح الرؤية، يؤكد قطب على الحركات الإسلامية «التى أخذت منه - وتربت على أفكاره بعد رحيله على «ضرورة أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين (باعتبارها العقبة الأولى التى لابد أن يجتازها أصحاب الدعوة إلى الله فى كل جيل).. «يجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله فى كلمة الحق والفصل هوادة ولا مجاملة، وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف، وألا تقعدهم عنها لومة لائم، ولا صيحة صائح، «انظروا إنهم يكفرون المسلمين»!.
ويختم القرضاوى نقله عن قطب بقول قطب: «الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، بذلك المدلول، فمن لم يشهدها على هذا النحو، ومن لم يقمها فى الحياة على هذا النحو، فحكم الله ورسوله فيه، أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين المجرمين».
ويعلق القرضاوى قائلا: «هذا هو الرجل يصرح -بل يصرخ- بما لا يدع مجالا للشك والاحتمال: أن الأوطان التى كانت تعتبر فى يوم من الأيام «دارا للإسلام»، وأن هؤلاء الأقوام (من سلالات المسلمين) الذين كان أجدادهم مسلمين فى يوم من الأيام.. لم يعودوا مسلمين، وإن ظنوا أنهم يدينون بالإسلام اعتقادا، فى حين أنهم ليسوا مسلمين لا عملا ولا اعتقادا؛ لأنهم لم يشهدوا أن «لا إله إلا الله» بمدلولها الحقيقى كما حدده هو، وأشق ما تعانيه الحركات الإسلامية، أنها لم يتضح لها هذا المفهوم الجديد.. إن الذين يظنون أنفسهم مسلمين اليوم هم كفار فى الحقيقة، وهو يريد من هذه الحركات ودعاتها أن يجهروا بكلمة الفصل ولا يبالوا ب«تهمة تكفير المسلمين». فالحقيقة أنهم ليسوا مسلمين!!».
العصبة المسلمة:
وفى موضع آخر ينقل القرضاوى عن سيد قطب تفسيره لقوله تعالى: {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال رحمه الله: «وهذا يقودنا إلى موقف العصبة المسلمة فى الأرض. وضرورة مسارعتها بالتميز عن الجاهلية المحيطة بها -والجاهلية كل وضع وكل حكم وكل مجتمع لا تحكمه شريعة الله وحدها، ولا يفرد الله سبحانه بالأُلوهية والحاكمية- وضرورة مفاصلتها للجاهلية من حولها؛ باعتبار نفسها أمة متميزة من قومها الذين يؤثرون البقاء فى الجاهلية، والتقيد بأوضاعها وشرائعها وأحكامها وموازينها وقيمها».
ثانياً: المجتمع الجاهلى ومنهج قطب فى مواجهته:
يؤكد الدكتور القرضاوى فى هذا الجزء المهم من دراسته الشيقة لأفكار سيد قطب، مفهوم قطب لجاهلية المجتمعات الموجودة الآن فى العالم كافة، وينقل عن الفصل الأخير من كتابه العدالة الاجتماعية فى الإسلام، والذى أضافه للكتاب أثناء فترة السجن، تحت عنوان «حاضر الإسلام ومستقبله» قوله: «وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم -على ضوء هذا التقرير الإلهى لمفهوم الدين والإسلام- لا نرى لهذا الدين «وجودا».. إن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية فى حياة البشر؛ وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها فى كل شؤون الحياة».
أفبعد هذا الكلام الواضح وضوح الشمس، نجد من يحدثنا عن سوء فهم البعض لأفكار سيد قطب.. لنتابع.
ثالثاً: ليس هناك مجتمع إسلامى ذو كيان قائم:
ويمضى القرضاوى فى النقل عن قطب وهذه المرة من «الظلال» حيث يقول قطب بوضوح شديد «لقد عاد هذا الدين أدراجه ليدعو الناس من جديد إلى الدخول فيه.. إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. إلى إفراد الله سبحانه بالألوهية والحاكمية والسلطان. والتلقى فى هذا الشأن عن رسول الله وحده! وإلى التجمع تحت قيادة مسلمة تعمل لإعادة إنشاء هذا الدين فى حياة البشر، والتوجه بالولاء كله لهذا التجمع ولقيادته المسلمة، ونزع هذا الولاء من المجتمعات الجاهلية وقيادتها جميعا».
والسؤال: إذا كان هذا الكلام لا يعبر عن دعوة صريحة للثورة على أنظمة الحكم فى العالم أجمع، وليس فى مصر وحدها، بما فى ذلك الأنظمة الديمقراطية، ذات الحكومات المنتخبة، فكيف تكون الدعوة إذن لخلع أنظمة الحكم؟!
هذا السؤال يحتاج إلى إجابة واضحة وصريحة من المرشد العام الجديد للإخوان المسلمين السيد محمد بديع، الذى يحلو له أن يتحدث عن لغة سيد قطب المجازية، وظلم من قرأوا له.
كما نرجو منه أيضا، أن يفسر لنا مفهوم سيد قطب لهذا النص الذى نقله الدكتور يوسف القرضاوى، حرفيا من «الظلال» حيث يقول قطب: «إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده؛ ولو لم يصحبه شرك فى الاعتقاد بألوهيته؛ ولا تقديم الشعائر التعبدية له».
سيد قطب والتكفير:
ونترك جيل الدكتور يوسف القرضاوى وننتقل إلى جيل آخر، ففى دراسة مهمة للباحث الإسلامى النابه الأستاذ معتز الخطيب، نشرت على شبكة إسلام أون لاين، فى يوليو من عام 2004، يقول الخطيب: كان سيد قطب مسكوناً بالمفاصلة الحدية مع جاهلية المجتمع، وبهاجس أن الصراع مع العالم بأسره ومع الأنظمة هو عقدى، وأن نقطة البدء فى إقامة المجتمع الإسلامى هى تعبيد الناس -بحق- لله وفق مدلول الحاكمية عنده والتى هى من العقيدة (كلمة لا إله إلا الله)، ومن هنا كانت المفاهيم المركزية التى ميزت فكره هى: الجاهلية، والحاكمية، ومن باب هاتين الفكرتين (العقديّتين) دخلت إلى الفكر السياسى الإسلامى والعمل الحركى جميع أفكار المقاطعة والتكفير والاستحلال واستباحة الدماء والأموال، وعدد من النتوءات التى نُسبت إلى الإسلام!».
وأكد الباحث فى ختام دراسته ضرورة مراجعة أفكار سيد قطب التى نشأت فى ظروف بعينها، كانت سبباً رئيسياً نحو التشدد والمفاصلة، هذا عوضا عن التصدى للدفاع عنها مستخدمين منطق ومفهوم «اللغة المجازية»، إذ لا يجوز تبرير فهم مئات الآلاف من الشباب الذين أسسوا لما سمى «بالصحوة الإسلامية» فى بداية السبعينيات بمفهوم «اللغة المجازية»، خاصة أن بعض ممن فهموا قطب، بذات الكيفية، أساطين فى اللغة والبلاغة.
سابعا: المقارنة بين قطب ومحمد عبده:
إن المقارنة الظالمة التى قام بها الأستاذ وائل السمرى بين الإمام الجليل الشيخ محمد عبده، رائد التنوير فى العصر الحديث، وبين سيد قطب هى مقاربة «من وجهة نظر» فاسدة بكل المقاييس، وهى أشد ظلما من إقران مفهوم «الدولة المدنية» بأفكار سيد قطب.
ولكى نوضح أكثر، سوف نستعرض مفهوم مصطلح «المدنية» عند الإمام محمد عبده، مستعينا بما خطه فى كتابه الرائع (الإسلام بين العلم والمدنية) لنضع بين يدى القارئ مقولات الإمام الجليل ليقارنها بما سبق أن أوردناه من نصوص لسيد قطب، ليتعرف بنفسه على الفرق، ويدرك بمفرده مدى الظلم الفادح الذى لحق بالإمام جراء تلك المقارنة.
فبينما يقرر «قطب» أنه لا اجتهاد مع النص، وأن النص حاكم على الجميع، ينتمى محمد عبده إلى تلك الطائفة من الأئمة الذين يؤمنون بأن النظر العقلى هو الأصل فى الإسلام، والعقل عنده مقدم على ظاهر الشرع عند التعارض، يقول الإمام: «إذا تعارض العقل مع النقل أخذ بما دل عليه العقل، وبقى فى النقل طريقان، طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه، وتفويض الأمر إلى الله فى علمه، وطريق تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل». إن التصالح مع العقل إذن هو أصل من أصول المنهج الإسلامى، الذى يدعو إلى استخدامه الإمام فى الدعوة والحياة، وكل تعارض معه يصبح بمثابة العقبة التى ينبغى العمل على إزالتها. (وهذا هو مفهوم المدنية عند الأمام أى إعلاء قيمة العقل واحترام خياراته)
ويضيف الإمام أصلا آخر من أصول المنهج الإسلامى للمفكرين التنويرين وهو البعد عن التكفير، «فإذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر». ويؤكد الإمام «أن الاختلاف بين البشر هو القاعدة السائدة والغالبة وليس لأحد من المختلفين فى الرأى أو الرؤية أن يدعى احتكار اليقين أو امتلاك الحقيقة المطلقة».
والسؤال: أين هذا الذى عرضناه من أقوال الإمام، من رؤية سيد قطب لمفهوم التكفير الذى يسحبه ليس فقط على كل مسلمى اليوم، ولكن على كل المجتمعات الإنسانية كافة فيما عدا (عصبته المؤمنة) المتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين بالطبع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.