الانتهاء من استعدادات المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب    قومي المرأة يدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات النواب    رئيس الوزراء يشهد بدء التشغيل التجريبي للخط الأول للقطار الكهربائي السريع    مراسل "إكسترا نيوز" يرصد خول المساعدات إلى قطاع غزة    إعصار فونج-وونج يصل مقاطعة أورورا شمال شرقى الفلبين    توافد جماهير الأهلي والزمالك على ملعب محمد بن زايد لحضور نهائي السوبر    مقتل مزارع بطلق نارى فى ظروف غامضة بإحدى قرى مركز قوص بقنا    خالد عبدالغفار يبحث مع ممثلي منظمة الصحة العالمية تعزيز جهود مواجهة الكوارث    وزير الكهرباء يشهد مراسم توقيع اتفاقية مبادلة الديون بين مصر وألمانيا    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    موفدو الأوقاف بالخارج يبادرون لأداء واجبهم الوطني في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية بالخارج    ضبط زوجين إيرانيين يحملان جوازي سفر إسرائيليين مزورين بدولة إفريقية    المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا    تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو دهس مواطن بالإسكندرية    مصرع سائق وإصابة 5 أشخاص في تصادم بالقناطر الخيرية    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    ب«مفيش راجل بيتخطف».. اَيتن عامر تثير الجدل بفيديو على «السوشيال ميديا»    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    الداخلية تطلق خدمة VIP إكسبريس لتصاريح العمل.. استلام الكارت المميكن خلال ساعة واحدة    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم الهضيبي يكتب : الفرق بين حسن البنا وسيد قطب كالفرق بين السلم والحرب
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 01 - 2010

يبدو الحديث حول أفكار الأستاذ سيد قطب وعلاقتها بجماعة الإخوان مسألة معقدة وستزداد تعقيدا لأسباب أهمها أن موقف أغلب القيادات التنظيمية، التى جرى انتخابها منه موقف ملتبس، فهم من جهة يخالفون ما يذهب إليه المفكرون من أهل الاختصاص من كونه مختلفا فى منهجه وأفكاره عن الأستاذ البنا، من جهة أخرى يرفضون أن يوصموا بالقطبية ومع ذلك يدافعون عن أفكاره، ومن جهة ثالثة تتميز الكثير من كتاباتهم وتصريحاتهم عن الأستاذ قطب بالارتباك المنهجى.
ومن المقالات التى يتجلى فيها جانبا من تلك الظواهر المقال، الذى نشره الدكتور محمد عبدالرحمن عضو مكتب الإرشاد بالتنظيم على موقع إخوان أون لاين مؤخرا تحت عنوان «ليس دفاعا عن الشهيد سيد قطب».
تفسيرية المصطلح وليس العمالة
يبدأ الدكتور عبدالرحمن مقاله بهجوم يستهدف التشكيك فى نوايا من يستخدم مصطلح «القطبية»، وأتصور أن تكرار اتهام نوايا المخالفين من قبل القيادات الإخوانية يستحق التوقف، ففضلا عن كون حقيقة النوايا سرا لا يطلع عليه إلا علام الغيوب، فإن هذه الاتهامات تفقد الحوار الفكرى جديته.
وأتصور أن سبب صك مصطلح القطبية هو قدرته التفسيرية العالية، وتفصيل ذلك أن الألفاظ إنما هى قوالب للمعانى، الهدف منها نقل الأفكار من ذهن المتحدث إلى ذهن السامع، ومن أجل الاختصار فى البيان، قام الكتاب والمفكرون فى كل زمان بوضع بعض المفاهيم، أى جعل ألفاظها بإزاء معانٍ معينة، متفقا عليها بين أطراف الحديث، بحيث يمكنهم من خلالها توصيل المعنى إلى ذهن المخاطب من أقصر طريق، بشرط أن تكون هناك ثمة علاقة بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحى لها، أى بين أفكار الأستاذ قطب والمعانى التى يشير إليها المصطلح.
وبديهى أن الأستاذ قطب يتفق مع الأستاذ البنا فى بعض الأفكار، وأن تلك الأفكار ليست هى ما يميز فكره بحيث تستحق النسبة إليه، بل كانت الرؤية المتكاملة، التى دارت حولها فكرته هى أهم ما ميزه إخوانيا، وهى التى يتناولها المصطلح الذى نحن بصدده.
فى تعريف القطبية
والاختلاف الرئيسى بين مشروعى الأستاذين البنا وقطب يتمركز حول نقاط محددة، أولها الموقف من المجتمع، فالأول صاحب مشروع اندماج، والثانى صاحب مشروع انفصال شعورى لا يشعر بالانتماء للمجتمع، وغاية البقاء الجسدى فيه هى استقطاب أفراده للتنظيم، ويظهر عدم الانتماء للمجتمع فى الرفض الكامل لمفاهيم كالقومية والوطنية، واعتبارها من مظاهر «الشرك الخفية: الشرك بالأرض والشرك بالجنس والشرك بالقوم» لأنه «لا جنسية للمسلم إلا عقيدته» لأن الإسلام لا يعترف إلا بآصرة «العقيدة الإسلامية وحدها دون أواصر الجنس والأرض واللغة واللون والمصالح الأرضية القريبة والحدود الإقليمية السخيفة»، كما يقول فى المعالم.
ولا شك فى اختلاف هذا عن مشروع الأستاذ البنا، الذى مدح فى رسالة دعوتنا فى معانى الوطنية «حب الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها»، وكونها دافعة للعمل «بكل جهد لتحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية فى نفوس أبنائه،» وكذلك «تقوية العلاقات بين أبناء القطر الواحد»، ولم يرفض منها إلا «تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم»، وقال مثل ذلك فى القومية، ولا شك أن الفرق واضح، فيمكن التعبير عن مشروع الأستاذ قطب بأنه مشروع الانتماء الأوحد، ومشروع الأستاذ البنا بأنه مشروع توازن دوائر الانتماء.
ومشروع الأستاذ البنا هو مشروع انفتاح على المجتمع وتواضع يعرف أن الجماعة لا تمثل الإسلام، وإنما هى جماعة بشرية قابلة للخطأ، وهى لذلك لا ترى بأسا فى أن «يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة.. برأيه فى غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا فنأخذ الصالح من رأيه»، مؤمنة بأن أن «مع كل قوم علما، وفى كل دعوة حقّا وباطلا»، أما مشروع الأستاذ قطب فهو مشروع استعلاء على المجتمع اقتناعا بضلاله البين والحق المطلق للجماعة (من حيث إنها الفئة المؤمنة بين أناس جاهلين)، مما يوجب أن»نستعلى على هذا المجتمع الجاهلى وقيمه وتصوراته.. إننا وإياه فى مفترق طريق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق».
ومشروع الأستاذ قطب يهمش الإبداع والفكر، فهو يؤجل كل قضية فكرية مقابل سؤال أساسى هو عنده القضية كلها: أأنت مع الفئة المؤمنة أم ضدها؟ ويرى تأجيل طرح كل قضية فكرية لما بعد «إقامة مملكة الله فى أرضه»، ويعتبر الدخول فى القضايا الفكرية والرد على تساؤلات العامة وتقديم مشروع إسلامى متكامل من علامات الضعف والهزيمة النفسية.
والأستاذ البنا قدم فى رسائله الحلول الواقعية الإجرائية، والاسترايجية الفكرية للمشكلات التى رآها، وقدم عرضا كاملا لمشروعه وموقفه من القضايا والمفاهيم المختلفة، والفرق هنا هو الفرق بين مشروع ثورى لم يأخذ من العنف إلا موقفا مؤقتا، بمعنى أنه كان يرى أن الوقت غير مناسب لاستخدامه؛ «فلا ضرورة فى هذه المرحلة لاستخدام القوة»، وبين مشروع إصلاحى يؤمن بالنضال الدستورى.
وبهذا يتضح أن التمايز بين المشروعين واضح بحيث أن القطبى (أى المتبنى لأفكار الأستاذ قطب) له اتجاه فكرى متمايز، وهذا الاختلاف بين المشروعين كان يدركه الأستاذ قطب، فقد حدثنى الأستاذ فهمى هويدى أنه حينما ظن الإخوان أن الأستاذ قطب يقصدهم بقوله «إلى الفتية الذين أراهم فى خيالى قادمين» فى مقدمة أحد كتبه، علق هو على ذلك بأن قال للأستاذ هويدى إن الإخوان أساءوا فهم مقصده، وإنه يقصد فتية غيرهم.
كما أن عددا من قيادات الإخوان أدركوا هذا الفارق، فقد حدثنى جدى المستشار المأمون الهضيبى حين سألته عن كتاب المعالم قال: «المعالم لا يمثلنا فى شىء وأفكار الأستاذ سيد لا تمثلنا فى شىء».
وحدثنى الدكتور فريد عبدالخالق الذى زرته لأتحقق من شهادته فأملانى وكتبت فى حضوره وأقر ما كتبت عن الخلاف بين المنهجين قال إنهما «يتفقان ويختلفان، فهما يتفقان فى الانطلاق من الإسلام والرغبة فى الإصلاح، ويختلفان فى التصورات الرئيسية، وفى فهم النصوص ومقاصدها.. ومنهج البنا يبحث عن مربعات مشتركة للتعاون الإنسانى لتحقيق الأهداف العليا.. أما منهج سيد قطب فيرفض الواقع وينعزل عنه ويراه واقعا جاهليا يمنع من عبادة الله.. وأنا أتفق مع المستشار البشرى فى أن منهج الأستاذ قطب يختلف كثيرا عن منهج الأستاذ البنا».
وأتصور أن من يستخدم تعبير القطبية فإنما يفعل ذلك لما يراه من تأثير لهذه الأفكار على توجهات التنظيم، وهو اعتقاد مبنى على آراء ومواقف هذه القيادات، والتى تظهر فى كتاباتهم وتصريحاتهم.
مشكلات منهجية
وأتصور أن الدكتور عبدالرحمن يقع فى عدد من الأخطاء المنهجية التى تؤثر سلبا على مصداقية المقال، ومن ذلك ادعاؤه أن المستشار طارق البشرى يرى أن الأستاذ قطب على منهج الأستاذ البنا ولكنه «كالمدفعية الثقيلة التى ترد على الهجمة من خندق الدفاع والثبات»، والمقال الذى يستند إليه الكاتب فيه نصوص صريحة لأستاذنا المستشار يقول فيها إن الأستاذ قطب «اعتبر دعوته إنما تقوم لإنشاء الدين إنشاء، أى إنها دعوة لاعتناق عقيدة الإسلام، حتى لو كانت بين قوم يدعون أنهم مسلمون،» وأنه «لا صعوبة فى بيان وجوه المغالاة فى هذا الفكر الذى يحصر المسلمين فى نطاق طليعة محدودة»، ويخلص إلى أن «سيد قطب صاحب فكر يختلف كثيرا عن فكر حسن البنا»، إذ إن «فكر البنا يزرع أرضا وينثر حبا ويسقى شجرا وينتشر مع الشمس والهواء، وفكر قطب يحفر خندقا ويبنى قلاعا ممتنعة عالية الأسوار، والفرق بينهما هو الفرق بين السلم والحرب»، وهى كلمات كافية فى التدليل على موقف المستشار.
ومن المشكلات المنهجية أن الكاتب أراد نفى تهمة التكفير عن كلام الأستاذ قطب، فقام فى سبيل ذلك بخطأين فى الاستدلال، أولهما تجاهل نصوص صريحة الدلالة كتلك التى يقول فيها «ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأوثان.. البشرية عادت إلى الوثنية وارتدت عن لا إله إلا الله.. البشرية بجملتها» (فى ظلال القرآن، الجزء الثانى صفحة 1057)، وكقوله فى الظلال أيضا (الجزء الثانى صفحة 888): «إن المسألة فى هذا كله مسألة إيمان أو كفر، أو إسلام أو جاهلية» فجعل الجاهلية مرادف الكفر كما الإيمان مرادف الإسلام، وترد هذه الجملة أكثر من خمس مرات فى صفحتين من الظلال، وعشرات العبارات المشابهة فى الكتاب بمجلداته.
وكقوله فى الظلال أيضا «وهناك الشرك الواضح الظاهر، وهو الدينونة لغير الله فى شأن من شؤون الحياة.. كاتخاذ أعياد ومواسم يشرعها الناس ولم يشرعها الله، والدينونة فى زى من الأزياء يخالف ما أمر الله به من الستر ويكشف أو يحدد العورات، التى نصت شريعة الله أن تستر» (الجزء الرابع صفحة 2033)، فلم يفرق فى ذلك بين المعصية والشرك، وهو ما يخالف منهج أهل السنة والجماعة كما يقول العلامة القرضاوى، وما أكده الدكتور عبدالخالق قال: «الأستاذ قطب كان لا يفرق بين المعصية والكفر».
وأما الجهة الأخرى لفساد الاستدلال فهى القول بأن آلاف الإخوان «قرأوا هذه الكتابات ولم يفهموا منها هذا الفهم»، وهو ادعاء يفترض أن عقول المتلقين كانت صفحات بيضاء، وهو باطل، إذ قرأ بعض هؤلاء الأصول العشرين و(دعاة لا قضاة)، الذى هو نقض لأفكار الأستاذ قطب. أما من قرأ للأستاذ قطب من غير وجود إطار فكرى مغاير فقد اتجه للتكفير وخرجت منهم جماعات العنف، وليس الأستاذ قطب هو المسئول عن جرائم تلك الجماعات، إذ إن الضغوط الاجتماعية والسياسية كانت الدافع الرئيسى للتطرف، ولكن كتاباته ساعدت فى إيجاد مبررات شرعية للعنف فى نظر من أقدموا عليه.
بل إن محاولة تأويل كلام الأستاذ قطب عن الجاهلية تتنافى مع ما فهمه منه بعض تلامذته من الإخوان، فالأستاذ محمد الصروى يقول فى كتابه (الإخوان المسلمون وتنظيم 65: الزلزال والصحوة) «حرص سيد قطب على وضع كثير من النقط فوق الحروف.. واختار لهم مفردات لغة لعلها من وجهة نظره المناسبة لساحة القتال (مثل الجاهلية دار الحرب وغيرها كثير)».
ويقول: «كان حسن البنا يقول على بلاد المسلمين وساكنيها إنهم مسلمون وإن فيهم أملا كبيرا وخيرا كثيرا.. وفى اختصار شديد حكم سيد قطب بجاهلية هذه المجتمعات وشبهها بجاهلية ما قبل الإسلام.. ورتب الشهيد سيد قطب منهجا للحركة بناء على هذا التصور استلهمه من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم فى مواجهة الجاهلية الأولى».
ومن المشكلات المنهجية استناد الكاتب إلى كتاب لماذا أعدمونى، والذى يحتوى على نصوص محاضر التحقيقات مع الأستاذ قطب، والمشكل أنه مصدر غير معتمد إخوانيا، فما يقرأه الإخوان من أفكار الأستاذ قطب ليس هذا النص وإنما المعالم والظلال أساسا، ثم إن الكثير من تلاميذه يشككون فى مصداقية النص، إذ إن اعتماد تحقيقات النيابة معناه القبول بصحة ما جاء فيها من اعترافات بأعمال عنف، والكتاب (كما ورد فى مقدمته) لا يحتوى على الاعترافات كاملة، بل إنه قد تعرض لعمليات حذف جعلت الوثيقة «ناقصة غير كاملة»، وبديهى أن الوثائق إذا دخلها شىء من هذا فقدت مصداقيتها.
ومن المشكلات المنهجية أن الكاتب أرسل كلاما بلا دليل، بل على خلافه، ومن ذلك قوله «الأستاذ الهضيبى يعتز دائما بسيد قطب، وكان يذكر أنه شهيد الإخوان.
والأستاذ الهضيبى كان رأيه فى مسألة التكفير واضحا حاسما، وقد فاصل الإخوان، الذين انتهجوا هذا الفكر ورفض بقاءهم فى الجماعة»، والحقيقة أن المتأمل فى كتاب (دعاة لا قضاة) يجد فيه ردودا واضحة على الكثير من نصوص الأستاذ قطب فى كتابيه المعالم والظلال، وإن لم يورد ذكر الأستاذ قطب تصريحا، وهو يدل على أن الأستاذ الهضيبى كان يميز بين شخص الأستاذ قطب وأفكاره، وكان يقدر شخصه وتضحياته ويختلف مع أفكاره.
وقوله إن حركة تنظيم 65 «كانت فى إطار المؤسسية وتحت علم قيادة الجماعة وموافقتها، وما شهادة بعض أفراد الجماعة بعكس ذلك، إما لعدم علمه أو لخلطه فى الأمر» ترده شهادة الدكتور عبدالخالق مسئول القاهرة الكبرى فى حينه وهمزة الوصل بين التنظيم ومرشده الذى كان قيد الإقامة الجبرية، الذى حدثنى فقال:
«قبل أحداث وسجن سنة 1965 بفترة علمت أن هناك من يفكر فى القيام بموقف عدوانى ضد النظام.. فقابلت عبدالفتاح اسماعيل وسألته عن حقيقة ما علمته من وجود حركة بقيادة عبدالعزيز العلى (مسئول المجموعة قبل الأستاذ قطب) فأكد أنهم يتدارسون القرآن فقط، فطلبت منه أن يصارحنى بالحقيقة فأكد على ما قال، فقلت إن الإخوان غير موافقين على العنف.. وذهبت بعد ذلك لمقابلة العلى فى منزل الحاجة زينب الغزالى وجلست ساعة أحاججه وأقدم له منطق الإخوان الرافض للعنف، فاستأذن فى أن يرجع إلى المجموعة قبل التراجع عن فكرة العمل المسلح، وذهبت للأستاذ الهضيبى لأنهم قالوا لى إن ذلك يتم بموافقته، فقال: الإذن كان للعمل السلمى، وكلفنى بإيقاف العملية.. ولما شعرت المجموعة بتذبذب موقف العلى بعد لقائى معه استبدلوه بالأستاذ قطب، فذهبت لمقابلته فى منزله فى حلوان وكان عنده مجموعة من الشباب المتحمس حدثنى عن استعدادهم للتضحية، فطلبت الجلوس إليه منفردا وتحدثت إليه كالكلام الذى قلته للعلى، وأكدت أن هذا المنهج لا يرتضيه الأستاذ البنا الذى أدان اغتيال النقراشى والخازندار.. وعندما صدرت أحكام 1965 وكان من بين من صدرت بحقهم أحكام الإعدام عبدالفتاح إسماعيل، وكنا ذات صباح فى السجن فى طوابير الإفطار.. فوقف إسماعيل بجانبى وقال: جئت لأسألك أن تسامحنى، فقد كذبنا عليك، قال ذلك وكانت الدموع فى عينيه، فقلت له ربنا يسامحنا جميعا يا عبدالفتاح»، وهى شهادة تثبت ضلوع هذا التنظيم فى تخطيط عمليات مسلحة بغير موافقة القيادة.
ومع ذلك لا يملك المرء إلا التقدير للجهد البحثى الواضح الذى قام به الكاتب، إذ جمع مادة علمية قدم بها وجبة معلوماتية مكثفة للقارئ، ولكنه قدم خطابا يصلح لما يسميه العلامة المسيرى بالعقل الأداتى؛ وهو عقل مبنى على التوثيق أكثر منه على الاكتشاف والتفكيك والتركيب والتفكير، وهى العلميات الأساسية، التى يقوم عليها العقل النقدى أو التوليدى، ومن الواضح أن «التنظيمات» بشكل عام تنتج عقولا أداتية أكثر مما تنتج عقولا نقدية، ولعل هذا يمثل فارقا جوهريا بين «التنظيم» و«الجماعة»، أو بين فكرتى الأستاذين قطب والبنا.
دفاع فى غير موضعه
وفى ظنى فإن هذا المقال كغيره من المقالات التى تدافع عن الأستاذ قطب قد أساءت إليه من حيث ظنت الإحسان، إذ جعلت الأستاذ وأفكاره شيئا واحدا فأغفلت أن انتقاد أفكاره لا تعنى الانتقاص من قدره، فالقاصى والدانى يعرف الظروف التى كتب فيها المعالم والظلال، ويعرف أنه كان كما يقول الكاتب «رجاعا، إذا راجعه أحد أو ناقشه»، وكان شجاعا فى الدفاع عما يؤمن به، وبالتالى فلم يكن من المستبعد أن يراجع هو ما ذهب إليه من آراء إذا تبين خطؤها.
ولكن بعض من جاءوا بعده تأثروا بسيرته البطولية التى تبعث على الإعجاب والإكبار، فأعماهم ذلك الإعجاب (مع بلاغة ورقى المستوى الأدبى فى كتابته) عن رؤية ما فى أفكاره من خلل، فتعصبوا لها ودافعوا عنها غير عابئين باختزالها للواقع، ومخالفتها للشرع كما يقول أهل الاختصاص، وقصورها عن تقديم رؤية فكرية تعالج مشكلات الواقع وتتقدم به تجاه الإصلاح والمقاصد، وضررها على الأمة لما سببته من تناحر.
لقد افترض هؤلاء أن فى انتقاد أفكار الأستاذ قطب إساءة له، والحقيقة أنه بعيد عنها، وأن من ينتقد يدرك أن الأستاذ قطب إنما كتب ما اعتقد صوابه، غير عابئ بما تجره عليه هذه الكتابة من مشكلات، وأن الإساءة هى بالتعصب لتلك الأفكار، وهى الإساءة التى تنبه إليها الأستاذ قطب حين قال فى الاقتباس، الذى ينقله الدكتور عبدالرحمن «لقد حملت كتبى وأفكارى على حمار أعرج»، وهو ما عبر عنه الدكتور عبدالخالق فى حديثه عن تنظيم 65، وعما سماه «مدرسة النظام الخاص» (وهى فى تعريفه مدرسة فكرية ممتدة فى الجماعة إلى اليوم) قال: «إن هؤلاء قدموا وبذلوا، ولا يسىء إليهم فى شىء أن يكونوا قد أخطأوا، فلا على المرء إن أخطأ ورجع، فكلنا يخطئ ويصيب، فنسأل الله أن يغفر لنا ولهم، ونرجو أن تنتقل الدعوة لحالة علنية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.