لم يؤثر في فكر جماعة الإخوان المسلمين ويحدد وجهتها الفكرية سوي اثنين من المفكرين رغم طول رحلة الجماعة الممتدة من القرن الماضي، بالتأكيد الأول هو مؤسس الجماعة الشهيد الراحل حسن البنا الذي سيطرت عليه النزعة الإسلامية منذ صغره وشغل همه تكوين جماعة إسلامية واعية تقود حركة النهضة الإسلامية التي أسسها في العصر الحديث جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ثم جاء البنا تلميذا في مدرستهم ولكن لم يكتف أن يسير علي نهج المدرسة الفكرية بشكل نخبوي ولتأثره بالحركة الصوفية في طفولته قرر أن يجعل هذه المدرسة الإسلامية الحديثة تنظيما له أتباعا ومريدين فأسس هو ورفاقه جماعة الإخوان المسلمين. المفكر الثاني الذي كان له عميق الأثر في فكر الإخوان هو سيد قطب الذي بدأ حياته مثقفا وأديبا وشاعرا ضمن جماعة «أبولو» الأدبية وكان قطب تلميذا بارا للأديب محمود عباس العقاد ومنتميا في بداية حياتة لحزب الوفد ثم انتقل منه إلي حزب السعديين وفاء لسعد زغلول إلي أن تطورت أفكاره بعد زيارته لأمريكا وتحوله للجانب الإسلامي من خلال كتابته الإسلامية «العدالة الاجتماعية في الإسلام» و« التصوير الفني للقرآن الكريم» حتي وجد أن الإخوان هم أقرب إليه وهو أقرب إليهم فانتمي للجماعة في عام 1953 وأصبح مسئولا عن قسم نشر الدعوة وتولي رئاسة تحرير جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، واستمر قطب في مراجعة أفكاره حتي دخل السجن في 1954 علي أثر أول أزمة للإخوان مع عبدالناصر وتعرضه للتعذيب الشديد مما دعاه لاستخدام أساليب فكرية ربما كانت أقسي مما عرفته جماعة الإخوان وظهر ذلك جليا في كتابته من داخل السجن «هذا الدين» و«المستقبل لهذا الدين» والكتاب الأكثر جدلا في الفكر الإسلامي المعاصر «معالم علي الطريق» كما أنه عدل من تفسير القرآن في كتابه الأشهر «في ظلال القرآن» فعدل فيه 13 جزءًا داخل سجنه وأحدثت أفكار قطب انقلابا جذريا في جماعة الإخوان والتي كان أبرزها تكوين تنظيم 1965 الذي يختلف كليا عن منهج الإخوان في التغيير المتدرج عن طريق الإصلاح بل أصبحت أفكار قطب دستورا لأبناء الحركة الإسلامية الذين تبنوا العنف كمنهج للتغيير واتخاذهم كتابات قطب مرجعا فكريا أساسيا في معركتهم الجديدة. واختلف الباحثون والإخوان حول أفكار قطب حيث اعتبرها فريق كبير من الباحثين أنها تختلف عن أفكار حسن البنا وأنها لا تعبر عن جماعة الإخوان وشاركهم في هذا التصور القليل من أبناء الجماعة وعلي رأسهم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وعدد من تلاميذه من جيل السبعينات كالدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والذين أبرزوا مسالب أفكار قطب وأوضحوا أن الجماعة رفضت هذه الأفكار من خلال كتاب "دعاة لا قضاة " الذي أخرجه مرشد الجماعة الثاني حسن الهضيبي، بينما دافع الكثير من قيادات الإخوان عن فكر سيد قطب وخاصة الذين انتموا لتنظيم 1965 وحاولوا أن يبرروا مواقفه ويؤكدوا علي أن أفكاره هي من معين الجماعة. «الدستور» عثرت علي وثيقة علمية شديدة الأهمية كتبها أحد قيادات تنظيم 65 عن الفروق الفكرية بين منهج حسن البنا وسيد قطب، وهذه الوثيقة التي كتبها المهندس الراحل محمد الصروي ضمن كتابه «محنة 1965 الزلزال والصحوة» وعرضها في فصل كامل بعنوان قضايا فكرية عن سيد قطب إلا أن لجنة المراجعة الفكرية عند الجماعة عندما راجعت الكتاب رأت أن تحذف منه الكثير من القصص والشهادات والأحداث التي يرويها «الصروي» باعتباره شاهدا وفاعلا في هذا التنظيم كما قررت حذف كل ما أورده «الصروي» في شكل مقارنات بين البنا وقطب واختذلت الفصل المشار إليه والذي كتبه «الصروي» في 77 صفحة إلي مبحث صغير في الكتاب ظهر في 7 صفحات فقط وحدث ذلك بموافقة الكاتب بدعوي عدم إثارة الشبهات لدي أعضاء الجماعة وصدر الكتاب في عام 2004 قبل وفاة الصروي بعام واحد وقدمه له الشيخ محمد عبدالله الخطيب عضو مكتب الإرشاد في حينه. إلا أن أحد أفراد أسرته والذي كان يساعد الصروي في الجمع والمراجعة أطلعنا علي النص الكامل للكتاب قبل تنقيحه أو حذف شهادة الصروي علي قضايا فكرية وتنظيمية شديدة الأهمية والخطورة في تنظيم الإخوان في عهد عبدالناصر - والدستور تتحفظ علي النسخة الكاملة للكتاب لديها - ونشير هنا إلي أهم ما أورده الكاتب من فروقات فكرية ومنهجية بين العملاقين الإسلاميين حسن البنا وسيد قطب. فتحت عنوان «الاتجاه الإسلامي المحدد» كتب الصروي عن انتقال سيد قطب الي مدرسة الإخوان بشكل واضح ويقول إن حياته الفكرية مع «الإخوان المسلمين» تنقسم إلي مرحلتين: المرحلة الأولي تبدأ منذ انتسابه في أواخر الأربعينيات وحتي دخوله السجن عام 1954، وهذه مرحلة فيها الغث وفيها السمين، ولعل خير ما يمثل هذه المرحلة كتاب «دراسات إسلامية». والمرحلة الثانية تبدأ منذ دخوله السجن، أو قل منذ ظهور كتابيه «هذا الدين» و«المستقبل لهذا الدين» كعلامة.. وحتي إعدامه عام 1966، وهذه تعتبر مرحلة النضج الكامل، ولم يتخل حين أعلن تخليه عن العديد من كتبه عما كتبه في الفترة الواقعة بين سجنه وإعدامه. وإنما كان الأمر كذلك لأن التقدم الفكري وصفاء التصور قد تكون لديه بعون الله وتيسيره بجهوده الشخصية، وليس معني ذلك أنه لم يكن لحركة «الإخوان المسلمين» فضل عليه، فهذه الحركة هي التي أحيت فكرة العمل لإعادة الدولة الإسلامية، وأحيت معها جوا فكريا ضخما أثر علي جميع المفكرين المسلمين في مصر بصورة ما، وبديهي أن تأثير هذه الحركة علي أحد أبنائها كان أكبر من التأثير في بقية المفكرين الذين لم يعملوا مع الجماعة، إنما الذي نعنيه هو صفاء التصور ووضوح الميزان القائم علي هذا التصور الصافي، فليس ثمة إنسان منصف ينكر أن سيد قطب قمة لا تطالها القمم المعاصرة جميعا في صفاء التصور ودقة ميزانه، ولا من ينكر أن ذلك لم يكن في أول أمره.. ويقول الصروي لقد كان «قطب» معجبا جدا بحسن البنا وكان إعجابه يتركز - بصورة خاصة - علي عبقرية البنا في ناحيتين، في البناء النفسي المتوازن لأعضاء الحركة، بإيجاد النسب المتكافئة بين العلم والروح والحركة من جهة، وبين المدارس الإسلامية «التخصصية» كالصوفية والسلفية والمذهبية من جهة ثانية والبناء التنظيمي للجماعة، وقد كان هذا البناء هو الأول من نوعه في العالم بالنسبة للعمل الجماعي المتجسد في صورة «حزب إسلامي». أما من الناحية الفكرية فيقول الصروي: «فلا ريب أن لسيد قطب تفرده، فهو في رأينا يمثل قمة النضج الفكري عند «الإخوان المسلمين»، بحيث يمكن أن يعتبر ظاهرة خاصة، لها طابعها المميز، ولا يعتبر مجرد استمرار لمدرسة البنا الفكرية، أو تلميذ متخرج منها، كما ذهب إليه الأستاذ غازي التوبة». ويضيف الكاتب: «نعم إن سيد قطب استفاد من فكر «الإخوان المسلمين» الذي غذاه البنا ونماه، ويحتمل كثيرا أننا لم نكن لنجد سيد قطب «المفكر المسلم» لولا الإخوان المسلمون ولولا البنا ولكن ذلك لا يعني انه كان تلميذا نجيبا فحسب، بل هو مجدد حقيقي، استقل بمنهج فكري خاص به، يعرف بجلاء لدي قراءة كتبه التي كتبها فيما بين سجنه وإعدامه، ولدي مقارنة ذلك بكتب البنا الرائدة، وبكتب كتّاب الإخوان المسلمين ومقالاتهم المكتوبة منذ إنشاء الحركة وحتي أوائل الخمسينيات. وفي بداية الفصل كتب «الصروي» بأنه أدق وأصعب أبواب هذا البحث موضحا: «فهو يتناول القضايا الشائكة وما أكثرها.. ولكن لا بد من الكتابة فيه.. فان لي تجربة شخصية مع كتب ومنهج سيد قطب، ومع التنظيم الذي كان يرأسه الشهيد عليه رحمة الله ورضوانه فإذا كتبت فهو من واقع الأحداث، ومن قلب المعركة، ومن خضم المعاناة والمكابدة، ولقد دفع الشهيد سيد قطب حياته ثمنا لهذا الفكر، وتلك الحركة هو وزميلاه الشهيدان محمد يوسف هواش، وعبد الفتاح إسماعيل علي حبل المشنقة».. وحاول الكاتب أن يضع في بداية بحثه الفروق بين المناخ الذي عاش فيها الإمام المؤسس حسن البنا والإمام المنظر سيد قطب. فقطب عاش حسب الصروي مقاتل صلب عنيد.. فلم تجد معه مساومات، ولم تنفع معه ضغوط.. هذا معناه انه ظل في حرب مع عبد الناصر وأعوانه تسعة أعوام في السجن (55 1964) معذبا في سجنه يوما بعد يوم أي حوالي 3285 يومًا.. معركة استمرت ثلاثة آلاف يوم.. والجنود في المعركة يحاربون نهارا وينامون ليلا، أما سيد قطب فكانوا يحاربونه في سجنه ليلاً ونهارا.. في نومه ونبهه.. في يقظته وغفوته. ولقد رأي سيد قطب إخوانه شهداء مذبحة طره عام (1957) (21 شهيدا) ومثلهم من الجرحي يموتون في ساحة السجن في معركة غير متكافئة بل ورأي علي سرير بجواره يموتون من التعذيب صبرا بمنع الدواء مثل الشهيد أحمد نار وغيره. فأيقن أنها معركة حربية هو في قلب في ساحتها.. والمعارك لها قانون ونظام غير نظام الحياة العادية. ويضيف الصروي: «عاش سيد قطب ساحة قتال، وليست زنازين سجن وهو مريض لا يملك إلا قلمه.. فحارب الباطل بقلمه.. فنزلت كلماته عليه رضوان الله سيوفا علي الباطل في كل أرجاء الأرض، جريء لا يتردد.. فالتردد في المعركة هزيمة نكراء». من هنا حرص سيد قطب حسب الصروي علي وضع كثير من النقط فوق الحروف، ورفض أي لبس، وعرّي الباطل، وحرص علي التمايز عنه، واختار لهم مفردات لغة لعلها من وجهة نظره مناسبة لساحة القتال (مثل الجاهلية دار الحرب وغيرها كثير) هكذا كان اجتهاده رحمه الله. أما حسن البنا فيري الصروي أنه كان في حقل مختلف، وظروف أخري.. هو حقل الدعوة والتفهيم والشرح والبيان... وكانت عنده معارك أخري لا تقل ضراوة. ويضيف الكاتب إن حسن البنا بلا شك هو مجدد القرن العشرين لهذه الأمة، وكثير من الناس لاحظ فروقا جوهرية من كلام حسن البنا، وكلام سيد قطب ويتساءل فما موقع هذا من التقييم الفكري والعلمي؟ ويجيب علي نفسه قائلا: «والذي تستريح له نفسي، وتطمئن له تجربتي.. أن سيد قطب مثله مع حسن البنا. كمثل المجتهدين علي أصول نفس المذهب.. أو بتعبير أدق «مجتهد علي أصول نفس المنهج» موضحا فالإمامان الجليلان محمد، وأبو يوسف مجتهدان علي مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.. فهما في إطار أصول مذهبه يجتهدان ولا يخرجان عن أصول المذهب، والاجتهاد في بعض الفروع والوسائل، وفق الظروف والأحوال المستجدة. وأكد الصروي في بحثه المطول الذي تم اختذاله في الكتاب المطبوع عن دار «التوزيع والنشر الإسلامية» أنه سيعرض بالتفصيل والنصوص بعض الفروق التي فيها اجتهاد لسيد قطب في إطار منهج حسن البنا، لكنه حرص أن يعرض في البداية الأصول التي يلتزم بها كل من البنا وقطب. هذا الدين نظام حياة لكن عامة الناس، وكل الحكام أو جلهم لا يحب هذا هذا الدين حضارة متكاملة لا تقبل القسمة ولا الترقيع ولا قطع الغيار لأنه منهج كامل متكامل من عند الله» إن الناس بعدوا كثيرا عن الدين والتدين.. ولابد من رجوعهم إلي حظيرة الدين. لا بد من إيقاظ المسلمين من غفلتهم الشديدة إن الإصلاح لا يأتي أبدا من الرأس بمعني تغيير الحكومة، فكلاهما (أي حسن البنا وسيد قطب) متفقان علي أن الإصلاح يبدأ من القاعدة كما يتفق الإمام والشهيد بضرورة عودة الخلافة يتفق الإمام والشهيد علي «ألا نكفر مسلما نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها» ويقول الصروي علي نفس الدرب سار سيد قطب لكنه كان شديدا جدا في وصفه لكل من بعد عن تعاليم الدين، ولعله أصدر بعض الأحكام علي بعض الأفراد من الحكام (والله أعلم) كما أنه وصف علماء السلطان وصفا صعبا.. والعلماء أيضا قابلوا سيد قطب بكلمات قاسية في محنته ووصفوه ومن معه بأنهم الخوارج في موقف سيئ من العلماء في عام (1965).. وعلي رأسهم للأسف شيخ الأزهر.. فلعله كان مكرها!! كان سيد قطب حسب الكاتب متشددا في حكمه علي بعض الحكام والأشخاص كما قلت ولكنه لم يكن يكفر عوام الناس، أو من ليس في جماعته أو تنظيمه. كما يري الصروي أن البنا وقطب يتفقان علي ضرورة «التدرج» في الخطوات بهذا المنهج تدرجا يناسب الزمان والمكان وهذا المنهج سماه الإمام البنا «التدرج» وسماه قطب «المرحلية» ولم يتوسع البنا في شرح (التدرج) لكن قطب توسع في شرح «المرحلية» ففهم منها أناس مفاهيم شتي، لكن الأستاذ سيد قطب رحمه الله حسب - الكاتب - كانت له اجتهادات لعل أغلب ألفاظها ومصطلحاتها لا توجد في أدبيات الإخوان التي تتمثل في رسائل حسن البنا كما أن هذه المصطلحات كانت موجودة من قبل في عصور الإسلام الأولي عند فقهاء الأمة مثل دار الحرب ودار الإسلام وغيرها، ولكن في ظروف عالمية ومحلية مختلفة. أثارت هذه المصطلحات أزمات كثيرة بعد وفاة الشهيد سيد قطب. وانقسمت الآراء بين متحامل عليها، وبين موائم بينها، وبين ناقد لها في موضوعية وبين من يصف عبارات الشهيد بالعاطفية، ومن يصفها ببلاغة الأدباء وتعبيرات الفصحاء.. وبين متعصب لها بدرجات متفاوتة فمنهم حتي الآن من يتوقف في الحكم علي إسلام الناس، ومنهم من يكفر الناس، ومنهم من يكفر من ليس علي مزاجه ومقاسه وهواه.. حتي ظن بعضهم أنه وحده علي الحق وأن الدنيا كلها علي باطل. وهذه المصطلحات قد أتي بها الأستاذ سيد قطب إلي قاموس الدعاة وهي: الجاهلية، الجماعة المسلمة، معني شهادة لا إله إلا الله، دار الحرب ودار الكفر ودار الإسلام، الحاكمية، المرحلية، المفاصلة بين الشعورية والمادية، استعلاء الإيمان.ولقد أفرد الكاتب الفروق الجوهرية في رؤية البنا لهذه المصطلحات ورؤية قطب وإن كان يبرر لقطب رؤيته التي وصفها هو بالمتشددة وأفرد الكاتب لكل مصطلح من هذه المصطلحات الثمانية صفحات مطولة بينما النسخة التي صدر فيها الكتاب لم يزد توضيحه لهذه الأفكار سوي عن سطور قليلة تبرر فكر قطب فقط ونعرض هنا ما توصل له الأستاذ الصروي من فروقات بين قطب والبنا في المصطلحات أكثر المصطلحات جدلا وهما الجاهلية والمرحلية. الجاهلية: إن الإمام حسن البنا حريص علي البعد عن استخدام أي مصطلحات فقهية لها مدلولات محددة.. أو يمكن إساءة فهمها، أو لها ظلال فتوي معينة، أو لها مدلول تاريخي أو مدلول في كتب علوم التوحيد والعقيدة.. قد يترتب عليها إصدار حكم ما في شخصية أو هيئة معينة، بل إن البنا حرص ألا يفرض مذهبًا فقهيا معينا علي الإخوان حتي لا تنحصر الجماعة في إطار مذهبي فقهي، والتزم البنا سلوك الداعية، ولم يسلك طريق الفتوي والتزم أخلاق الدعاة. وكان البنا حريصا أن يري الناس من منطق (إني أراكم بخير) فهو يقول: «وليعلم قومنا، وكل المسلمين قومنا، أنهم أحب إلينا من أنفسنا.. ليس معني هذا أن حسن البنا لم يحسن تشخيص حال المسلمين بل تشهد رسائله أنه يعرف بالتفصيل الشديد أمراض الأمة ويضع لها روشتة العلاج. وشبه الصروي فقه حسن البنا في وصف حال المسلمين ومنهجه في الدعوة كمن رأي سيارة تحطمت وتهشمت في حادثة.. تهشم الموتور والسقف والعجل والشاسية وغيرها وبقيت اللوحة المعدنية سليمة.. فسحب البنا هذه السيارة وذهب بها إلي الورشة لإصلاح كل شيء من الألف إلي الياء وأصر علي منهج الإصلاح.. دون الحكم علي السيارة بالإعدام ما دامت اللوحات المعدنية سليمة. أما الشهيد سيد قطب فنظر إلي السيارة وقال: لا بد من سيارة جديدة، والتخلص من هذه السيارة المهشمة ورميها في صناديق القمامة فلا يجدي معها الإصلاح. كان حسن البنا يقول علي بلاد المسلمين وساكنيها إنهم مسلمون وإن فيهم أملا كبيرا وخيرا كثيرا لكن ينقصهم الكثير ويعدد ويوضح ويسهب في ذكر الأمراض وعلاجه. أما قطب فله نظرات في كتاب الله تعالي ووصف بجاهلية هذه المجتمعات وشبهها بجاهلية ما قبل الإسلام فمعتقدات الناس فيها جاهلية الظن بالله غير الحق بعدم تحكيم شريعته وسلوك النساء فيه تبرج الجاهلية الأولي أو يزيد وغضب الناس لغير الله أكثر من أن ينكر. والحكم بغير ما انزل الله واضح لكل ذي عينين، والدين في واد والناس والحكام في واد آخر.. إلا من رحم ربي.. وقليل ما هم. وخلص سيد قطب إلي جاهلية المجتمع بهذه المواصفات وأنها أشبه ما تكون بالجاهلية قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم. ورتب الشهيد سيد قطب منهجا للحركة بناء علي هذا التصور استلهمه من سيرة النبي صلي الله عليه وسلم في مواجهة الجاهلية الأولي شبرا بشبر، وذراعا بذراع. وحسب كلام الصروي: لكن سيد قطب كان عالما.. فكان يفرق بين النظرة الإجمالية للمجتمع وبين النظرة إلي أفراد هذا المجتمع.. وهذه التفرقة صعبة جدا أن يستوعبها القارئ العادي بل والعالم المتخرج من الأزهر الشريف وهي عسيرة علي العقل أن يفهمها كان حسن البنا يصف الناس والمجتمعات أنها أمم إسلامية بعدت كثيرا عن الإسلام لكن أصل الإسلام واضح فيها. وباق فيها فشجرة الإسلام أصلها ثابت وفرعها في السماء لكن ساق الشجرة اجتثت من فوق الأرض. وخلاصة منهج حسن البنا.. الإصلاح.. ثم الإصلاح.. ثم الإصلاح.. فهو يعترف بوجود الخير في هذه الأمة.. وذلك المجتمع وان الإصلاح ممكن.. وليس مستحيلا.. وخير له أن يقوم بالإصلاح فهو منهج غير مستفز، ولا يقلب للحكام ظهر المجن، ويعطي فرصة أطول للدعوة والدعاة للتغلغل داخل المجتمع، والغوص في أعماقه. أما منهج التغيير الذي يحبذه سيد قطب.. أو إن شئت قل منهج الانقلاب الإسلامي.. فهو يشعل معركة مع الناس ومع الحكام.. معركة في وقت مبكر جدا.. كما يعطي تبريرات للحكام للتعامل بمنطق الرفض المتبادل.. من ثم فهو أي الإمام البنا يطالب بإصلاح كل شيء.. وليس تدمير أي شيء.. يطالب بالعلاج، وليس بالتغيير. أما الشهيد سيد قطب فيصف المجتمعات كلها بالجاهلية.. ويترتب علي هذا الوصف ضرورة اتباع منهج (التغيير) وليس (الإصلاح) وهذا الوصف الذي قاله الشهيد سيد قطب عن (الأمة) وعن (المجتمعات) فهو يعني به الأمة أو المجتمع كشخصية معنوية متمثل في الدولة ومؤسساتها الدستورية من تشريعية وتنفيذية وقضائية، ولا يتعلق هذا الحكم بالأفراد. المرحلية كان حديث قطب عن المرحلية قاصرا علي كلامه حول مسائل الجهاد وذلك في مواضع متعددة «في ظلال القرآن» وفي كتابه «معالم في الطريق» ويقول الصروي هذا الكلام عن المرحلية حرّفه كثيرون ونسبوه إلي الشهيد سيد قطب، ولعله من كل هذا بريء. وهو لا يتحمل وزر من نسبوا إليه تعطيل كثير من الأحكام الشرعية بحجة المرحلية، واستنبطوها فقط من فكرة المرحلية، ونسجوا حولها أحاديث شتي، وفتاوي عدة.. فقسموا الأحكام إلي مكي أي ما نزل بمكة، ومدني وهو ما نزل بالمدينة، وزعموا أن وضع الناس اليوم يشبه الوضع في مكة من حيث جاهلية المجتمع كله في مواجهة إيمان الرسول صلي الله عليه وسلم وصحبه القلائل في مكة... بل وغالوا في ذلك فزعموا عدم فرضية الحج مثلا وكذلك الزكاة الآن علي المسلمين لأن فريضة الحج نزلت في أواخر عهد المدينة.. أما حسن البنا حينما تكلم عن (التدرج في الخطوات) تناول موضوعا آخر مختلفا تمام الاختلاف عن كلام الشهيد سيد قطب.. وقال البنا في إحدي رسائله عن التدرج: «وأما التدرج والاعتماد علي التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلي الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلي جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك». لتحميل الفصل المحذوف اضغط هنا