أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أنَّ السُّجون لَيْسَت السَّبَب الأوحَد فى النزعة التَّكفِيريَّة، واستفحالها وتوحُّشها، وإن كانت مِن أقوى الدَّوافِع فى هذا الأمر، إلَّا أنَّ هُنَاك أسبَابًا أكثر عمقًا يَجِبُ أنْ تُؤخَذ فى حُسْبَاننا . وأوضح شيخ الأزهر، خلال كلمته بمؤتمر مكافحة الإرهاب المنعقد بمكة المكرمة، أن أبرز هذه الأسباب – فيما أرى - هو التَّراكمات التَّارِيخيَّة لنزعات الغُلُوّ والتَّشَدُّد فى تراثنا، والَّتى نشأت مِن تأويلات فاسِدة لِبَعض نصوص القُرآن الكَريم والسُّنة النَّبويَّة وأقوال الأئمة، فَفِى هذه التَّرَاكمات مُنزَلقات تُؤدِّى إلى التَّكفِير لأدنى مُلَابسة أو سَبَب، وفيها نزعَات قد انغلقت على بعض الآراء الفِقهية والعقديَّة، تراها الحقَّ الَّذى لا حقَّ غيره، وتَحكُم على مَن يُخالفها بالكُفرِ وبالخروج مِن المِلَّة، وهذا ما حفظه لنَا التَّاريخ عَن الخَوارِج – قديما - واجترائهم على قتل الصَّحابة بَعد تكفيرهم، وقتل على كرَّم الله وجهه، وَبقْر بطون الحَوامِل. وأضاف "الطيب"، أن كل هذا أيضًا ما يعود اليوم إلى السَّاحة مِن جَديد على أيدى هؤلاء التَّكفيريين، ومِن قَبلهم على أَيدى كثيرين سلكوا مسلك التَّكفير المُتبَادل بين أتبَاع المَذَاهِب المُختَلِفة، الَّتى يتَّسِع لَها الإسلام ويَطويها تحت جناحه الرحب؛ وَرَاحوا يعلنون الجِهاد على المُسلِمين الآمنين. وأكد شيخ الأزهر أنه ما لَم نحكم السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – فى مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين، فإنَّه لا أمل فى أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة، وقد لا ينتبه البعض إلى الأثر المدمر لنزعة التَّكفير فى تَمزيق وحدة الأمة، وما تُثمره هذه النَّزعة المَقِيتة مِن أشوَاك الكراهية والأحقاد بين المُسلِمين، وما يَترتَّب على ذَلِك مِن التَّشرذُم والانقِسَامات، وكلٌ يَزعم أنه المُسلِم الحَقِيقى وأن غيره إما خَارِج عَن المِلَّة حلال الدم والعِرض والمَال، أو فَاسِق يَجب اجتنابه، وتجب كراهيته ومفاصلته شعوريًا ونفسيًّا وتحرم موالاته، وغير ذلك من الفتاوى العابثة بدين الله ورسوله. وأضاف أتمنَّى أن ندعو جميعا إلى مؤتمر نخرج منه بإقرار سلام فيما بيننا أوَّلًا نَحْنُ أهل العلم والمنتسبين إليه، بمختلف مذاهبنا ومشاربنا، نَستَثمِر فيه ما هو ثابت بيننا مِن الأصول المشتركة نجتمع عليها، ونتآخى حولها، ونتلاقى فى رحابها، ويترك المجال لأهل كل بلد فى اتباع المذهب الذى ارتضوه ودرجوا عليه. تحقيقًا للاستقرار الاجتماعى الذى ننشده جميعًا، وألَّا يروج لهذا المذهب أو ذاك فى البلاد التى تتجافى عنه بِالمَالِ واستغلال الفُقَراء والمعوزين، وتجنيدهم ليكونوا دعاةً للتعصب الطائفى أو المذهبى، وسُرعَان ما ينشأ النَّقيض ليبدأ الصِّراع الذى يفتت وحدة هذه الأمة.. أتمنى لو يُترَك الناس يتمذهبون بما نشأوا عليه من مَذاهِب تلقتها الأمة بالقبول ووَسِعَها الإسلامُ وضمن لأهلها السَّعادة فى الدُّنيا والآخرة. كما أتَمنَّى لَو أنَّ مُقررًا دِراسيًّا فى مَدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا يُعنى عناية خاصَّة بتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا شَغلت الأذهان والعقول، مثل: قضية الجِهَاد، وقضية التكفير، وسائر القضايا التى سيتناولها مؤتمرنا هذا، وبخاصة خطرَ الفُرقة والتَّنازع، وأنَّه طريق معبَّد لِلفَشَل الذَّرِيع.. وكيف أن القُرآن الكَريم ربَط بينهما ربط المُسبب بالسَّبب والمَعلُولِ بالعِلَّة فَقَال: «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» {الأنفال: 46}.