ليس بجديد على مسامعنا أن تسمع كلمة "إرهاب"، فقد اعتدنا سماع تلك الكلمة فى نشرات الأخبار خاصة فى الآونة الأخيرة، حتى أن تلك الكلمة تطرقت إلى حديثنا اليومى العادى مع أصدقائنا وذوينا، فكثيراً ما نستيقظ على خبر وجود قنبلة ما فى إحدى الميادين العامة، أو أعلى أحد الكبارى التى تم إبطال مفعولها بفضل رجال المفرقعات، أو على خبر انفجارها لا قدر الله، ووجود أخبار عن سقوط جرحى ومصابين وربما وفيات، أو ربما أنباء عن وجود أعمال تخريب أو حرق أو ما شبه لإحدى المنشآت. فقد ًأصبح الإرهاب كالشبح الذى يحاول مد أذرعته للسيطرة على الهدوء والأمن وبث الذعر والخوف فى النفوس، بغية منه كسر روح المقاومة ضده وهدم المعنويات، من أجل جبهة ضعيفة يسهل السيطرة عليها من قبله، ولكن.. هيهااات. وللإرهاب صور وهيئات كثيرة يحارب بها عدوه اللدود وهو الامن والاستقرار، وكأنه حرباء تتلون فى التعامل مع أعدائها بعدة صور ومن هذه الصور: الاغتيالات، أعمال التخريب والنسف والتفجير، اختطاف الرهائن، وأيضاً الإبادات الجماعية. وكلها وسائل يستخدمها الإرهاب لبث الخوف والذعر من أجل إخضاع الآخرين لتحقيق أهدافه السياسية، والتى يأتى فى مقدمتها كسر الروح وهدم المعنويات كما ذكرنا فى السالف. وعلى الرغم من وجود اتفاق عام بين الجميع على أن الإرهاب سلوك مرفوض ومكروه إلى أقصى الحدود، إلا أن هناك تباينا حول مفهوم الإرهاب خاصة على الصعيد الدولى، فما يعتبره طرف ما عملاً إرهابياً، يعتبره طرف آخر عملاً مشروعاً، حيث يعتبر البعض الأعمال المسلحة التى تمارسها حركات التحرر الوطنى من أجل الاستقلال وتقرير المصير ضمن الأعمال الإرهابية، على الرغم أنها أبعد ما يكون عن الإرهاب، فى حين ينزع البعض هذه الصفة عن أعمال أقرب ما يكون إلى الإرهاب أو إن صح القول هى أعلى مراحل الإرهاب وصوره مثل التى يمارسها المحتل ضد شعب الإقليم الخاضع للاحتلال وهو ما يعرف بإرهاب الدولة. ولأن لكل شئ سبب، تأتى أسباب الإرهاب ودوافعه معلنة عن نفسها، فكثيراً ما نتساءل: "ما الذى يسبب تلك الظاهرة أو بمعنى آخر ذلك الكابوس المظلم الذى يخيم على الآفاق خاصة فى هذه الآونة؟ وكيف السبيل للخلاص منه؟ فالإرهاب كما هو متعدد الأوجه والصور، فهو متعدد الأسباب والدوافع، فيمكن أن تكون الأسباب سياسية، كألا يجد فصيل معين متنفس سياسى له على صعيد الحياة السياسية، مما يشعره بالإقصاء أو الاضطهاد وبالتالى تكوين اتجاه يتولد عنه بيئة مواتية لتكوين بؤر إرهابية. وقد يرجع الإرهاب إلى أسباب إقتصادية، فقد يؤدى التفاوت الطبقى فى المجتمع إلى تكوين مناخ ملائم لنشأة البؤر الإرهابية خاصة حينما تكون الهوة كبيرة ببين الطبقات. وقد تكون الأسباب إجتماعية، كانتشار الفقر والجهل والبطالة وهم من أكبر آفات المجتمع ضررأً وخطورة، فحينما يجتمع تلك الثلاثى المدمر، فأنه يعد بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر فى أى وقت، ونتيجة لاجتماع تلك الثلاثى المدمر فإنه يسهل على الجماعات الإرهابية استقطاب الكثيرين خاصة من يقعون فى هذه الدائرة الثلاثية، مما يدق ناقوس خطراً وتنبيه حول مدى خطورة تلك الثلاثى المدمر ومدى قدرته على تكوين شرائح إرهابية، هذا وبالإضافة إلى وجود المناطق العشوائية والتى تعد حضانات للجرائم والبؤر الإرهابية. ويمكن أن تكون الأسباب نفسية وذلك عندما تدفع كل هذه الأسباب القاسية إلى اليأس الذى يتولد عنه أعمال عنف هدفها إحداث تغيير فى الأوضاع، ولو أدت هذه الاعمال إلى التضحية بأرواح بريئة. وللخلاص من هذا الخطر الأسود الذى تواجهه مصر حالياً، قد تم اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة من قبل الاجهزة الامنية من اجل تأمين كافة المبانى والمنشآت الحيوية وحماية المواطنين، وعمل خطة أمنية مكثفة لمواجهة هذا الخطر، ولكن.. ترى هل هذا يكفى لاجتثاث هذا الخطر من جذوره؟! فالحل الأمنى لا غنى لنا عنه ولا يمكن المواجهة دونه، ولكن يجب عدم التركيز عليه فحسب، حتى لا نصبح كمن يطفأ حريقاً وكلما أطفأ ناره، اشتعلت مرة أخرى من جديد، بل يجب علينا اجتثاث المشكلة من جذورها، وذلك من خلال حل المشكلات المؤدية إلى نشأة وتكوين بذرة الإرهاب من الأصل، وذلك بمعالجة الأسباب المؤدية للإرهاب والتى سلف ذكرها. فبالنسبة للأسباب السياسية، فيمكن معالجتها من خلال تطبيق سياسة شمولية تشمل كافة الاتجاهات، إلا بالطبع من تلوثت يداه بالدماء فهو مستبعد كل الاستبعاد عن الحياة السياسية، وذلك حتى لا نكرر مشكلة إقصاء فصيل معين يتولد عنه اتجاه يؤدى إلى تكوين بؤر وجماعات إرهابية. وفيما يخص الأسباب الأقتصادية، فيمكن معالجتها من خلال محاولة تضييق الهوة بين الطبقات وذلك من خلال استغلال الموارد الطبيعية المعطلة وتبنى العديد من المشروعات الاقتصادية البناءة والتى ستوفر العديد من فرص العمل وتقوم بتشغيل الآلاف من الايدى العاملة وذلك من خلال تشجيع الاستثمارات الداخلية والأجنبية وتسهيل الإجراءات وخفض الضرائب على الاستثمار مما يتولد عنه عامل جذب قوى للاستثمار فى مصر، وهو ما سينعكس بالضرورة على زيادة الصادرات وتقليل الواردات. وبالنسبة إلى الأسباب الاجتماعية، فإنه إذا تم معالجة الأسباب الاقتصادية، فسيتم حل العديد من الأسباب الاجتماعية كنتيجة طبيعية ومن هذه الأسباب الفقر والبطالة، أما فيما يخص العشوائيات فإنه يجب التركيز على القضاء عليها تماما من أجل مجتمع أكثر رقياً ونفعا، وكذلك الاهتمام بشكل أكبر بمستوى التعليم ومحاربة الجهل والأمية. أما عن الأسباب النفسية، فإنها سوف تعالج تلقائياَ حينما يتم معالجة الأسباب السابقة وبالتالى سيتولد روح انتمائية أقوى وأقوى، تكون هى السد المنيع ضد أى محاولات استقطاب من قبل أى بؤر أو جماعات إرهابية، وبذلك يمكن السيطرة الحقيقية على الإرهاب ومنع تكون بؤر إرهابية جديدة من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار، وتعطيل ركب الازدهار والتقدم نحو مستقبل أفضل للوطن العزيز الغالى. وهنا فقط نكون قد اقتلعنا من الجذور نبات فيه سم قاتل لكل ما هو أخضر ويابس، إذا تركناه سيتوغل أكثر فأكثر إلى الأعماق ويزداد توحشاً وحينها سيصعب اقتلاع جذوره وتصعب السيطرة عليه، ألا وهو خطر الإرهاب الغاشم.