لا يزال مسلسل الارهاب والتحريض عليه مستمرا فى مملكة البحرين، ولا يزال المحرضون ومرتكبى الاعمال الارهابية احرار طلقاء يجوبون فى شوارع المملكة وحواريها دون رادع، بل لا يزال خطابهم الاعلامى وخطاباتهم على المنابر تحرض ضد الوطن والمواطن. ولا يزال المسئولون المعنيون فى المملكة يتحدثون عن اهمية مواجهة الارهاب واجتثاثه من الارض دون ان يكلفوا انفسهم عناء النظر فيمن يقولونه او يخبرون المواطنين عنه وكأنهم يبعون الوهم والامل للمواطن ولا يدركون أن كثرة الحديث لا تغنى عن وجوبية الفعل ولزوميته. تلك هى ملخص الازمة البحرينية فى مواجهة الارهاب، فحينما قام المجلس الوطنى بغرفتيه باقرار حزمة من التوصيات فى اواخر يوليو 2013 بشأن كيفية مواجهة الاعمال الارهابية التى تهدد امن الدولة واستقرارها وتفكك اواصر المجتمع وتعصف بكيانه المستقلة، لم تخرج هذه التوصيات الى حيز الوجود وإنما ظلت حبرا على الورق تناقلها الالسن وتتبادل بشأنها الاراء دون أن يكون لها انعكاس على الواقع المعاش. هذه الفجوة التى تتسع يوما بعد يوم بين اعضاء البرلمان المعبرون عن الشارع البحرينى والمتحدثون باسمه يضعون مطالب الشعب فى كفة، فى حين يظل بعض المسئولون عن تنفيذ هذه المطالب والرؤى فى كفة أخرى. وحتى لا تعمم المسئولية على الكافة دون وجه حق، يمكن ان نحصرها فى هيئتين او مؤسستين يناط بهما نقل توصيات المجلس الوطنى بشأن مكافحة الارهاب الى التطبيق العملى وهما وزارتى العدل والداخلية. فعلى حرص الحكومة بأكملها على اجتثاث الارهاب وجذوره من المجتمع يظل العبء الاكبر فى تحمل هذه المسئولية على هاتين الوزارتين. فعندما تطالب التوصيات باسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبى الجرائم الارهابية والمحرضين عليها، فمن المسئول عن تنفيذ مثل هذه التوصية؟ أليست وزارتى العدل والداخلية؟ وكذلك الامر بالنسبة للمطالبة بمعاقبة كل من ارتكب جريمة التحريض على العنف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله وتشديد العقوبة على المحرضين على ارتكاب الجرائم الإرهابية، وأيضا المطالبة بمنع الاعتصامات والمسيرات والتجمهر في العاصمة المنامة، وغيرها مما ورد فى هذه التوصيات، أليست وزارتى العدل والداخلية هما المسئولان عن تنفيذ مثل هذه التوصيات؟ ومن ثم، فإن تقاعس هذه الوزارت عن تنفيذ التكليفات الواردة اليها من البرلمان البحرينى يعنى تقاعسا ويترتب فى كنفها المسئولية السياسية عن عدم تنفيذ مثل هذه التوصيات. مع الاخذ فى الاعتبار ان هذه المسئولية لا تشمل الحكومة بأسرها إلا إذا تضامنت مع المسئول المتقاعس عن القيام بمهامه، بما يعنى أن المسئولية السياسية والتى ربما تصل الى مستوى المسئولية الجنائية إذا ثبت ان هذا التقصير نابعا عن عمد وتعمد من جانب المسئول عن عدم تنفيذ التكلفات الواردة اليه من جانب ممثلى الامة.
وغنى عن القول إنه اذا كانت محاربة الارهاب مسئولية جماعية تشترك فيها الدولة باجهزتها المختلفة مع المجتمع بكافة مؤسساته وتنظيماته، فإن تقاعس أحد الاطراف عن مسئوليته يعنى فشل أية جهود تبذل فى سبيل مواجهة الارهاب المتزايد والمتسع نطاقه، بما يعنى الدخول بجهود مكافحة الارهاب فى حلقة مفرغة يظل يدور فيها المجتمع وتنظيماته مع بعض مؤسسات الدولة دون الوصول الى نتائج ملموسة وحقيقية بسبب عدم قيام المؤسسات المعنية مباشرة بهذه المهمة بدورها الفعلى.
ولعل هذا التقاعس الذى ترتكبه وزارتى العدل والداخلية فى مواجهة الارهاب ومحاربته يجيب عن تساؤل ظل يراود الكثيرون حول ما هو السبب وراء استمرار الموجات الارهابية فى البحرين رغم الجهود المضنية التى تبذلها مؤسسات الدولة الاخرى ورغم الرفض المجتمعى الواسع لمثل هذه الممارسات، فى حين أن دول أخرى تبذل جهودا اقل بكثير عن تلك التى تبذلها الحكومة البحرينية إلا أنها حققت نجاحا متميزا فى محاربة الارهاب ولعل ما جرى فى الكويت الشقيقة حينما اتخذت وزارة الداخلية الكويتية قرارا بسحب الجنسية عن كل من يحرض او يشارك فى أية اعمال تحرض على العنف والارهاب كان بمثابة الرادع القوى لحماية المجتمع والحفاظ على امنه واستقراره.
ما نود قوله إن تقاعس الوزارتين المعنيتين وهما تحديدا العدل والداخلية عن تنفيذ توصيات المجلس الوطنى بشأن محاربة الارهاب ترتب مسئولية سياسية فى كنف المسئولين عن هاتين الوزارتين فى تفريغ جهود محاربة الارهاب من مضمونها. بما يستوجب من المجلس الوطنى فى دور انعقاده القادم أن يناقش مثل هذا الامر بشأن تقاعس بعض الوزراء عن تنفيذ توصيات المجلس ورؤاه النابعة من الشارع البحرينى، وإلا فقد المجلس دوره وجدوى وجوده، بل أصبح شريكا معهما فى عدم حماية المجتمع البحرينى من الارهاب. فالمجلس هو المنوط بمحاسبة الوزراء فى حالة تقصيرهم عن قيامهم بمهامهم الموكولة إليهم، خاصة إذا تعلق الامر بقضية من اخطر القضايا التى تهدد المجتمعات بل هى قضية حياة أو موت.