قال الكاتب الكبير فؤاد قنديل، بمناسبة ذكرى ميلاد الكاتب الكبير يوسف الشارونى، إنه أفنى كل عمره فى القراءة والكتابة ولا زال يقرأ حتى الآن أكثر من معظم الشباب، يتمتع بالخلق الرفيع والحنان الأبوى والتواضع الشديد والبساطة ورعى مسيرة عشرات الكتاب وكتب عنهم، واصفا إياه بشيخ أدباء مصر بعد رحيل نجيب محفوظ، وهو واحد من أبرز رهبان الأدب المصرى المعاصر، وهو من القلائل الذين جمعوا بين عشقهم للأدب وحبهم للأدباء. وأوضح قنديل، فى تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، أن الشارونى درس الفلسفة ثم تركها من أجل الأدب، أثرى المكتبة العربية بما يزيد على خمسين كتابا فى القصة القصيرة والرواية والدراسات النقدية وأدب الرحلات والتراث العربى، ومن أهم مجموعاته القصصية "العشاق الخمسة، الزحام، رسالة إلى امرأة، مطاردة منتصف الليل، حلاوة الروح، الضحك حتى البكاء". وأضاف قنديل، أن الشارونى حرص فى قصصه القصيرة التى بدأ كتابتها منذ الأربعينيات وحتى الآن على أن يستمدها من الحياة والأحداث اليومية ويلتقط كل ما هو إنسانى وكل ما ينتصر للحياة، انشغل بأزمات الإنسان المعاصر خاصة ما عاناه من الفقر والمرض والقمع والزحام، لم ينشغل بالقضايا الكبرى مثل نجيب محفوظ وإنما وجه كل فكره لمسيرة الإنسان المصرى المسحوق تحت وطأة الاستبداد وشظف العيش، وحاول أن يكون صوته التواق للحرية والعيش الكريم. وتابع انتهج المذهب التعبيرى فى السرد الذى أدرك انسجامه وملاءمته للمواقف الإنسانية، وأنصت لمشاعر شخصياته وحاول أن يستنطقها ويتصور دلالاتها وتحولاتها، حافظ على بساطته الشخصية فى طرح أفكاره إلى حد كبير وتجنب كل أثر للغموض وإن استدرج حبه للفن لتجريب عدة أساليب غير معقدة، وقد خاف على سرده من شراسة التحديث الذى بلغته وما زالت تجارب الكتاب فى أنحاء مختلفة من العالم. وأشار قنديل إلى أنه تربى منذ صغره وبعد دراسته للفلسفة على تأمل الحياة ومصائر البشر وكان مهتما باختيار بعض اللقطات مما يحدث من حوله ليتخذ منها بؤرا جمالية ذات دلالة، اعتاد أن يبدع من قلب الصدق دون افتعال أو تكلف، وأن يتعمق عبر البساطة وأن يبحث عن الجمال خلال القبح. وأكد قنديل أن الشارونى لديه ميل للرمزية، وبدا واضحا فى العديد من القصص القصيرة مثل "الزحام، الحذاء، الأم والوحش، رواية الغرق التى تناولت العبارة 98 التى توقف عندها بوصفها تعبيرا عن حالة مصر خلال الثلاثين سنة الماضية، كما أقبل على تأليف كتب الدراسات النقدية لأنه يقرأ كثيرا ويتأمل ويحلل، كما أنه من فرط تواضعه وحنانه رأى أن يفيد الكتاب من الأجيال التالية بفحوى ما قرأ، لم يحاول أن يجدد إلى درجة الانفصال عن القراء ولا أن يدخل فى صدام ولا أن يسير عكس التيار ولم يصارع بحثا عن الشهرة، واكتفى بالإخلاص للكتابة والقراءة فى كل وقت وتحت أى ظرف فهما مصدر متعته الأولى. لفت أنه سار على شاطئ الحياة إلى جوار نهرها المتدفق يغرس شتلاته الأدبية فى هدوء ومحبة متتبعا نداء ذاته المثقفة والأبوية، لم يؤرقه أن يكون ذا مشروع أدبى خاص جدا ومميز على حساب صدقه مع نفسه وكان مشروعه الوحيد التعبير عن الحياة وما تمور به من مشكلات يمكن أن يخفف الفن من وطأتها. وأضاف قنديل رغم أن يوسف الشارونى رضى أن تبقى تجاربه ومساهماته وديعة وبلا ضجة ترى النور وهى خلف الظلال إلا أن مسيرته ناصعة وعطاءه خصيب وحضوره بازغ ومؤثر، واختتم تصريحاته قائلاً "تحية دائمة وخاصة لهذا النموذج الفريد من المثابرة والعطاء والاحتضان والتأمل والإشعاع".