احتل الجهل والفقر والمرض مساحة كبيرة من أدبه، فشكلوا أضلاع المثلث الذي افنى فيه عمره وحياته، فتحقيق العدالة الاجتماعية بين أبناء وطنه حلم ظل يراوده ويلاحقه في جميع إبداعته ودراساته النقدية، فاستحق عن جدارة وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1970، ثم وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1979، أنه الكاتب والمبدع الكبير يوسف الشاروني الذي نحتفل بيوم ميلاده التسعين وسط حضور عظيم لأصدقاءه وقرائه. حضور عيظم لكثيرًا من الكُتاب والمبدعين الذين حرصوا على مشاركة «الشاروني» بلوغه سن التسعين، شهدته قاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة، أمس الأربعاء، جاءوا ليعبروا عن وفاءهم وإعجباهم بهذا الرجل الذي أفنى حياته للأدب وأهله، وجاء في مقدمتهم: الفنان سامي رافع، الكاتبة سلوى بكر، الكاتبة هالة البدري، الكاتب نبيل عبد الحميد، الناقد الدكتور فؤاد قنديل، الدكتورة أماني فؤاد، الكاتبة عزة بدر، الناقد شعبان يوسف، القاص والروائي سعيد الكفرواي، وغيرهم الكثير. يوسف القعيد: تعلمت من «الشاروني» أن الحياة إرادة أكثر منها إمكانية تحدث «القعيد» عن رحلته مع كتابات الشاروني ورؤيته لها قائلًا: «الشاروني» كاتب لا توفيه الكلمات قدره، فهو أول من أوجد التناص بين القصة القصيرة والرواية بعدما كان مقصورًا فقط على الشعر، كما أنه أول من امتلك الشجاعة لكتابة التحقيق الروائي في العالم العربي، فعلى المستوى الشخصي أثبت لي أن الحياة إرادة أكثر منها إمكانية وأن التشبث بها من خلال فكرة الكتابة والإصرار على نشر المشاعر الإنسانية العميقة كحب الحياة والناس هو ما يمنحنا حياة طويلة مفعمة بالاستقرار النفسي. فؤاد قنديل:«الشاروني» تفوق على يحيى حقي في الكتابة عن الأجيال التالية أهدى الناقد الدكتور فؤاد قنديل، «الشاروني» عبارات تلغرافية يعبر بها عن امتنانه وإعجابه بكتابته وشخصه قائلًا: يعد «الشاروني» واحدًا من أبرز الأدباء الذين افنوا عمرهم في الأدب، فهو مثقف كبير يقرأ أكثر مما يقرأ الشباب هذه الأيام، إنسان على خلق رفيع يتمتع بالتواضع والبساطة، لم يكتب أحد عن الأجيال التالية مثلما كتب يوسف الشاروني بل أنه تفوق على يحيى حقي في هذا الجانب، بالطبع نحن نعرف أن «حقي»أول من كتب عن الكُتاب التالين لكن ما قدمه يوسف الشاروني كان أكبر بكثير مما قدمه «حقي». كتب «الشاروني» القصة القصيرة والرواية وتميز فيها، فكانت ملامحها العبقرية والبساطة، إذ ركز على الاتقاء الإنساني والانتصار للحياة وتنجب كل ما يحاول انتهاكها وتشوية جمالها، فقد شُغل بأزمات الإنسان المعاصر، هو ابن القصة القصيرة الكلاسيكية فاعتاد أن يبدع من قلب الصدق فقط ويتألق عبر البساطة ويبحث عنها في ميدان القبح، كما أنه لا يميل إلى الغموض بل لديه ميل عميق وواضح للرمزية تجلت في العديد من روايته وقصصه القصيرة مثل: الزحام والغرق والعشاق الخمسة. أماني فؤاد..«الشاروني» استحق أن يكون رائد الاتجاه التعبيري احتفت الدكتورة أماني فؤاد بأستاذها الكبير، قائلة: استحق «الشاروني» أن يكون رائد الاتجاه التعبيري، فالملامح الرئاسية في فن كتاباته وإبداعاته تهدم تمامًا المنظور الطبيعي للواقع، فتجد للمكان والزمان أدوارًا مختلفة، فيتحول المكان مساندًا لأحد الاشخاص، كما أنه يهدم الترتيب المنطقي لتسلسل الأحداث ويبدأ يلعب لعبته من خلال شخص وأحداث يومية عادية جدًا ويبدأ يلتقط منها جزء محوري أو بؤرة ما ويختار منها لقطة مصرية شديدة الخصوصية ليكون الجهل والفقر والمرض أضلاع مثلثه الذي يلخص مسيرته الأدبية. شعبان يوسف: «الشاروني» انتقد يوسف أدريس هو ابن ال30 تناول الناقد شعبان يوسف، جانب مختلف من حياة يوسف الشارني وهو الجانب الثوري، قائلًأ: لم يحب «الشاروني» الصدام مع السلطة ورجال السياسة فهو يفضل أن يعيش في أمان وتكون حياتة هادئة مطمئنة، مشيرًا إلى أن هناك معركة واحدة فقط هي التي خاطها «الشاروني» وقد مر عليها 60 عام، حينما طلبت منه مجلة الآداب عام 1953 تقديم دارسة عن أحد الأعداد التي تصدرها، فانتقد قصة "وحول" ليوسف إدريس بشده واختلافه معاها لأنها لم تكن تمت للواقع بصله، فاشتعل الصدام مع «إدريس» ودفعه للرد على ما كتبه «الشاروني» واتضح أن لكل منهم منهج وأسلوب مختلف، كما انتقد «الشاروني» الكاتب ميخائيل نعيمة الذي كتب مقال آنذاك بعنوان "الشباب ثورة وثورة" إذ وصفه الشاروني بأن مقاله انشائي وليس به أي فكرة، وأن "مخائيل" يفتقر لآليات المقال. يعقوب الشاروني.. يروي ما لا نعرف عن صاحب «العشاق الخمسة» نفى الكاتب الكبير يعقوب الشاروني، الشقيق الأصغير ليوسف الشاروني، ما قاله الناقد شعبان يوسف بما يتعلق أن يوسف يخشى السلطة، مستعرضًا بعض الحكايات التي لا يعرفها الوسط الثقافي عنه، كاعتقاله بسجن ارمدان وهو في السابع عشر من عمره لمدة 9 شهور، بتهمة قلب نظام الحكم لمجرد حضورة ندوة سياسية!، مشيرًا إلى أن ما حدث لا يمنع شقيقة من الابتعاد عن معارضة الحكم مطالبًا بتحقيق العدالة العدالة، إذ كتب في عهد إسماعيل صدقي-رئيس الحكومة آنذاك، الذي أغلق 50 مجلة كانت تنادي وتحرض على تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما سبب قلقًا للأسرة إذ قام "صدقي" باعتقال 200 كاتب ، قائلًا: كنا نخشى أن يكون يوسف واحد منهم، ولحسن الحظ لم يكن ولم يكف هو الآخر عن معارضة النظام.