تطربنى الأمثال منذ طفولتى.. فما أن أسمع مثالا حتى أهرع لكتابته حتى كان التخصص الذى أتاح لى التأمل فى مرآته التى تعكس حالة الشعوب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتمتع فى عالمه المزروع.. ثقافات وخبرات ومعتقدات تعتبر نتاج تجارب تتوارثها الشعوب جيلا بعد جيل لما لها من ملمح فكرى ومعيار أخلاقى يختصر بكلمة وينتهى بعبرة.. لذلك تعتبر الأمثال منظومة فكرية لقيم أخلاقية يهتم بها دارسو التاريخ والميثولوجيا والاجتماع يسلطون من خلالها الضوء على عادات وقيم الشعوب وما يسودها من مناخات سياسية واقتصادية مختلفة وأوجه التشابه بين بعضها والبعض الآخر.. أو هى كما عرفها «آرثر تيلور» «المثل أسلوب تعليمى بالطريقة التقليديية يوحى فى أغلبها بعمل أو يصدر حكما وهو يتميز بالاختصار والمجازية فى الأسلوب والواقعية فى صورة بلاغية».. إذن فلكل شعب سجل حافل بالمواعظ والحكم والقصص والأحداث التى نراها فى تراثنا العربى مغرقة فى الحزن واليأس والسوداوية تعكس واقعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مشتركا على العكس من أمثال الشعوب الأخرى التى تنضح أملا وإرادة كالأمثال الصينية ومنها «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة» وأمثال أخرى تحث على الأمل «أوقد شمعة بدل أن تلعن الظلام» والعديد مما لا تتسع له هذه المساحة.. ولكنى لابد أن أعرّج على بعض ما يجمعنا من أمثال.. ليحضرنى مثل مشترك يتحدث عن الحياء.. فهو فى مصر «اللى اختشوا ماتوا» ويقال إنه نتيجة قصة دارت أحداثها فى حمام نساء اندلع فيه حريق جعل بعض النسوة يخرجن عاريات لينقذن من الهلاك بينما مجموعة أخرى منعها الحياء من الهروب لتفضل الموت خجلا.. وهو من فصيلة «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» أو كما يقال فى العراق والخليج «الحياء قطرة عرق فإن سقطت.. فلا حياء» أو «ناس تخاف ما تستحى» أى «ما تختشى».. وأتساءل؟ هل لايزال الحياء حيا أم مات مع الزمن الجميل؟ فأنا وربما أكون مخطئة أرى الواقع وكأنه حمام بلا بوابات يموج بعراة متخايلين بلا ورقة توت أو تين أو حتى «ورقة جرجير».. عرى جسدى وخلقى وأخلاقى حيث أصبحت الأصول والتقاليد والأعراف الاجتماعية والدينية موضة قديمة لا تتناسب والحاضر الضائع فى دخان التبجح والضياع ليسقط الحياء كقطرة عرق فى بحر تغريب يحمل الغد على سفينة تتقاذفها أمواج عهر سياسى وإعلام ملوث بالوقاحة والابتذال والكذب.. أما الخجل فينزوى بين طيات زبَد تبتلعها الموجات السوداء.