لاتزال الدعوة إلي قمة ثقافية عربية تراوح مكانها ولو تدبرت الحكومات والشعوب العربية الحكمة التي اقتضت ان يواكب إنشاء الأممالمتحدة عام1945 وكالة متخصصة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو. لسارعت الي دعم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي أنشئت منذ عام1970 ونجحت في اعداد الخطة الشاملة للثقافة العربية( ستة مجلدات) منذ عام,1985 ولاتزال المجلدات علي أرفف المكتبات برغم ان الخطة تصاحبها تصور تنفيذي لها, ويعني هذا ان الخطة لاتزال حبرا علي ورق رغم إجماع المثقفين العرب علي أهميتها وضرورتها باعتبارها وسيلة من وسائل تنقية الأجواء العربية وتفعيل العلاقات فيما بين الحكومات من ناحية وفيما بين الشعوب العربية من ناحية أخري, هذا فضلا عن تأكيد شكل ومضمون الوجود الثقافي العربي في الخارج. ومفهوم الثقافة العربية يعني في المقام الأول تراث الأمة العربية جيلا وراء جيل وهو تراث بعضه مكتوب وبعضه غير مكتوب, ويتضمن معارف ونسقا للقيم ومعايير ومعتقدات واضحة ومفصلة, ولغة غنية تغطي جميع احتياجات التخاطب الرمزي بين الافراد, وهو تراث ينظم علاقات الفرد مع ربه ومع الافراد القريبين منه, والبعيدين عنه, كما ينظم علاقات الفرد مع مجتمعه وايضا مع الأجانب بمختلف ثقافاتهم, وهو تراث يتضمن امكانية التطور والتغيير والتأثير في الثقافات الاخري والتأثر بها. ولهذه الثقافة جذور ضاربة في التاريخ القديم وهي ثقافة غنية تمكنت بعض جوانبها وخصوصا المعرفي من تقديم مساهمات مهمة لتطوير الثقافة الانسانية. وتأكيدا لأهمية الخطة الشاملة للثقافة العربية تكفي الإشارة الي ان الخطة تستهدف توحيد الهوية الثقافية العربية وتعميم التعريب وحل مشكلة هجرة العقول العربية وتحقيق التكامل الثقافي. ولولا طغيان الخلافات العربية خلال سنوات الثمانينات( في القرن الماضي) لاستطاع العرب المشاركة الجماعية بفاعلية اكثر في العقد العالمي للتنمية الثقافية1988 1997 لتأكيد دور الثقافة العربية مع احتدام ظاهرة حوار الحضارات آنذاك حتي لا تتخلف الثقافة العربية عن هذا الرهان الحضاري الثقافي حيث كانت هي المكون الرئيسي لثقافة العالم القديم طوال العصور الوسطي, أي خلال العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية. وفي سياق المفهوم الكلي والشامل للثقافة فإن الثقافة السياسية مكون من مكونات الثقافة العامة من منطلق ان الثقافة السياسية السائدة في المجتمع يقصد بها مجموعة القيم والمعايير والانماط السلوكية المتعلقة بالفرد وعلاقته بالسلطة السياسية والتي تمكن أعضاء المجتمع من اداء دورهم في المجتمع من حيث التمتع بالحقوق التي يحددها لهم ومن تحمل المسئوليات التي يفرضها عليهم. ووفقا لهذا المفهوم فإن المجتمع المتقدم سياسيا هو ذلك الذي تسوده ثقافة سياسية يغلب عليها عنصر المشاركة والاسهام, ونحن في مصر نفتقر الي مزيد من الدراسات لمعرفة واقع الثقافة السياسية لدي الأفراد والجماعات في المدن والقري والأحياء الشعبية سواء علي مستوي محافظات الوجه البحري أو الوجه القبلي أو علي مستوي المحافظات المهمشة علي الحدود التي تصل اليها الصحف مساء كل يوم بينما القاهرة الكبري تقرأ الصحف اليومية الصباحية بعد ساعات قليلة جدا من خروجها من المطابع. ويخطئ من يعتقد ان هناك محافظات أو فئات خاصة تحظي برصد ثقافتهم السياسية دون الاخرين ويكفي الاشارة هنا الي رسالة الصديق د.كمال المنوفي عن الثقافة السياسية للفلاحين المصريين مع دراسة ميدانية في قرية مصرية عام1978 وتناولت الرسالة بالدراسة ابعاد الثقافة السياسية في صورتها التقليدية ثم في صورتها المتغيرة نظرا للتحولات التي جرت بعد ثورة يوليو.1952 والثقافة السياسية بهدا المفهوم تعد محورا من محاور التنمية السياسية ولذا فمن الأهمية أن ينال البعد الثقافي في أدب التنمية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.. الخ حظه من الاهتمام علي مستوي كل الفئات وكل المحافظات, ذلك لأنه اذا كان الهدف النهائي للتنمية يكمن في الارتقاء بالمجتمع والفرد ماديا ومعنويا فإن العمليات الانمائية ذاتها تتم عن طريق الانسان وثمارها تذهب اليه. وفي هذا السياق لابد أن نستأنس برؤية العالم الأفريقي الشيخ انتا ديوب من علماء السنغال وله مؤلفات عديدة منها الأمم الزنجية والثقافة, الوحدة الثقافية الأفريقية حيث يري ان المعيار النهائي لقياس تنمية شعب ما ينبغي ان يكون ثقافته كما تتجلي وتنسجم في جميع انشطته الابداعية فكل شعب ينبغي له بقيادة مفكريه وعلمائه وفنانيه ان يتولي اموره الذاتية, فيعمل دوما علي اثرائها وتجديدها عن طريق الفعل والقول والابداع, وما من ثقافة الا وتحتاج الي غيرها من الثقافات وأي خطر يتهدد ثقافة ما انما يتهدد مختلف الثقافات من منطلق ان مفهوم تحقيق الذاتية الثقافية كما يقول انتاديوب كان ينظر اليه أول الأمر علي انه ضرورة وطنية أو اقليمية, أما اليوم فقد غدا واجبا علي المجتمع الدولي ان ينهض به بالنظر الي انه يؤثر في تنوع الثقافات الذي عليه يتوقف ثراء التراث المشترك للانسانية. ولعل العرض الموجز السابق يؤكد أهمية التفكير الجدي في الدعوة السريعة الي عقد دورة استثنائية لمؤتمر القمة العربي تخصص للشأن الثقافي ومن الأهمية بمكان استضافة القاهرة لمثل تلك القمة في إطار الدعوة المصرية المبكرة للوحدة الثقافية العربية من ناحية والاشراف الكامل علي أعمال القمة الثقافية من قبل الجامعة العربية.