لا تزال دعوة الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين تتواصل بشأن عقد قمة ثقافية عربية منذ سنوات التسعينيات, ولم تتحقق الدعوة علي أرض الواقع العربي حتي الآن, وأغلب الظن أن وزراء الثقافة العرب لم يحظوا بالحصول علي موافقة كل حكوماتهم لأسباب عديدة ومتنوعة, وقد يكون من بينها مطلب كل دولة بأن تحظي باستضافة هذا المحفل الثقافي غير المسبوق. ولو تدبرت الحكومات العربية الحكمة التي اقتضت ان يواكب انشاء الأممالمتحدة عام1945 منظمة متخصصة للتربية والعلوم والثقافة لسارعت الجامعة العربية آنذاك بإنشاء منظمتها الثقافية مبكرا منذ منتصف الاربعينيات لتواكب انشاء الجامعة العربية, ولكن للأسف لم تنشأ المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة( اليكسو) الا في بداية السبعينيات, ولا يخفي علينا ان العقود الثلاثة( من الأربعينيات وحتي بداية السبعينيات) كانت في الأساس حقبة تحرير الدول العربية من بقايا الامبراطوريات الاستعمارية ولا يخفي علينا ايضا ان ثقافة التحرير شريحة حية من الثقافة العامة. ومن ناحية أخري فإن أي منصف لا يستطيع ان ينكر الدور المهم الذي تتحمله المؤسسات الثقافية في الحفاظ علي اللغة العربية كلغة قومية وتقويم اللسان العربي ورعايته والارتقاء بالمستوي اللغوي لدي كل مواطن, ولا يستطيع أي منصف أيضا أن يتجاهل أن اللغة هي أداة التواصل ووعاء الفكر وقوام الثقافة المشتركة فهي عجينة للإبداع ورمز للشخصية بين شعوب تعد بمئات الملايين من المحيط الي الخليج. ومن هنا.. فما أحوجنا الي مراجعة الذات العربية للحفاظ علي ثقافتنا( نصا وروحا وسلوكا). وعلي سبيل المثال فعندما حدث اللغط الذي صاحب صياغة الدستور العراقي عام2005 بشأن النص علي ان الشعب العراقي شعب عربي ومحاولة ترويض هذا النص والتلاعب إرضاء للنزعات الانفصالية تحت سنابك الاحتلال الاجنبي, تذكرت مثالا قديما لمفكرنا الكبير د.زكي نجيب محمود كتبه بجريدة الأهرام في25 سبتمبر عام1979 تحت عنوان( العروبة ثقافة لا سياسة) واستدعيت المقال من ارشيفي الخاص واكتفي هنا بتسجيل مقدمة المقال للرد علي كل من تسول له نفسه التشكيك في ثوابت العروبة طمعا في أرض أو تطلعا للانفصال. يقول زكي نجيب محمود:( ليست عروبة العربي قرارا سياسيا تصدره مؤتمرات السفوح والوديان, بل هي مركب ثقافي يعيشه في حياته اليومية لا يستطيع العربي نفسه أن ينسلخ عنه اذا اراد وأن يعيده اليه اذا أراد.. لا.. ليست عروبة العربي قميصا يلبسه اذا شاء ويخلعه إذا شاء.. بل هي خصائص توشك أن تبلغ منه ما يبلغه لون الجلد والعينين, فهي مجموعة من القيم والعادات وطرائق النظر يتطلب التعامل مع مختلف تلك القضايا. وفضلا عن دور المؤسسات الثقافية العربية في الحفاظ علي اللغة العربية كلغة قومية وأداة تواصل ووعاء فكر( كما سبقت الاشارة) فإن مسئوليات الإعلام العربي تجاه الترويج لثقافة عربية معاصرة, من الأهمية بمكان, ويتعامل الإعلام في هذا السياق مع عدد من الثقافات المحلية التي قد ترتبط بمكان الإقامة مثل ثقافة أهل المدن, وثقافة أهل الريف أو الاختلافات الجيلية مثل ثقافة الكبار وثقافة الشباب والاختلافات بين ثقافة الجماهير وثقافة الصفوة.. وعلي سبيل المثال فإن ثقافة الصفوة تتسم بأنها حديثة وعقلانية في حين تتصف ثقافة الجماهير بالتقليدية والقدرية, لذلك تتسم ثقافة الكبار بالسعي الي المحافظة علي القيم القديمة ومقاومة التغيير, في حين ان الشباب يتقبل القيم الجديدة ويسعي الي تغيير الأوضاع القائمة, حيث يتمتع عادة برصيد من الثقافة السياسية تمنحه القدرة علي الخيار السياسي بين البدائل المتاحة. ولعل هذا يشير الي أولي مسئوليات الإعلام الي جانب دور الأسرة والمدرسة ودور العبادة وجماعة الرفاق والأحزاب السياسية في بلورة ثقافة سياسية للمجتمع أو نقلها من جيل الي جيل عن طريق التنشئة التي تسبق عادة دور المشاركة السياسية. {{{ وأخيرا فإن الثقافة العربية( نصا وروحا وسلوكا) لديها من عوامل الاصالة ما يؤهلها للصمود أمام اختراقات الثقافات الأجنبية, لو أننا كعرب أدرجنا ذلك في أجندة إعادة البيت العربي ككل لأن ثقافتنا دون ثقافات أخري كثيرة, تنبع أساسا من روح الأمة وجذورها وتعكس أصالة وخصوصية المجتمع العربي, هذا المجتمع الذي لم ينعزل بثقافته وإنما حملها معه في عصور سابقة الي مجتمعات أخري في مشرق الأرض ومغربها. وما أحوج العرب الي قمة ثقافية عربية تعيد ترتيب البيت الثقافي العربي, ولعل نقطة البداية تكون بالدعوة الي انعقاد مؤتمر وزراء الثقافة العرب سنويا أو كل ستة أشهر في دورات منتظمة أو طارئة والقمة الثقافية العربية لو قدر لها الانعقاد عاجلا أو آجلا لا تستطيع القيام بتلك المسئولية دون مشاركة جادة من المثقفين العرب علي المستوي القومي والقطري.. وسجلت وزارة الثقافة المصرية نموذجا أمثل لهذا باللقاء الجماعي الحاشد مع المثقفين واسفر عن نتائج غير مسبوقة تسفر عن صياغة استراتيجية مصرية معاصرة.