عندما أصبحنا نعانى من الخلط فى المفاهيم بصورة غير مسبوقة، وأصبح الكل يفسر الأمور والأحداث حسب هواه ومزاجه الخاص وميوله الذاتية؛ كان لابد من تحديد لكثير من معانى المصطلحات المستخدمة فى حياتنا بشكل محدد وموضوعى، ويأتى على رأس هذه المصطلحات مصطلح يستخدمه معظم الناس فى مصر وسائر البلاد العربية بشكل يومى، فتارة يُسمى ثورة وتارة ثانية انقلاب وآخرون يسمونه انتفاضة وآخرون تمرد كما تتداخل مع مصطلحات أخرى قريبة المعنى كالإصلاح والعصيان والجهاد والحرب. لذلك عملنا على تحديد معنى هذه المصطلحات بدقة بين الثورة وأخواتها من المصطلحات المذكورة أعلاه حتى لا تختلط علينا الأمور فيعبث بنا العابثون من أعداء هذه الأمة وما أكثرهم فى الوقت الراهن. فالثورة هى حالة من الهيجان والغضب العارم بغية الخروج من الوضع الراهن وتغييره إلى وضع أفضل، تغييراً كاملاً يشمل جميع السياسات والنظم الموجودة إلى أنظمة جديدة تراعى الحرية والمساواة وتحقيق العدالة الكاملة بين الجميع. ولأن الثورة كذلك فإنها تختلف عن غيرها من الحركات الأخرى الرافضة للواقع من أمثال الانقلاب والعصيان والانتفاضة والتمرد، والإصلاح والجهاد والحرب، فالانقلاب حركة رافضة يقوم فيها قائد الانقلاب سواء كان عسكرياً أو مدنياً بالاستيلاء على السلطة السياسية بطرق غير مشروعة ومن أجل تحقيق مكاسب شخصية من كرسى الحكم. أما العصيان فيختلف عن الثورة؛ فالعصيان هو رفض لقانون أو لائحة أو تنظيم أو سلطة تعد فى عين من ينتقدوها ظالمة. وقد يكون سلمياً، وقد يكون مسلحاً فيتشابه بذلك العصيان مع الانقلاب؛ لأن كل منهما يهدف إلى استبدال السلطة القائمة بسلطة أخرى، ولكن ذلك لا ينفى تلك الحقيقة التاريخية التى تعتبر أن العصيان كثيرا ما شكل المرحلة الأولى للثورة. كذلك تختلف الانتفاضة عن الثورة، فالانتفاضة حركة شعبية واسعة، مقاومة للظلم والاستبداد بمختلف أشكاله؛ سواء كان ظلما من حاكم مستبد أو من عدو محتل للأرض، وتقوم على رفض الواقع القائم، لذلك فهى لا ترقى إلى مستوى الثورة،على الرغم من كل أنواع القمع التى تواجهها به السلطة القائمة؛ بل تظل فقط بمثابة الممهد لها. كذلك تختلف الثورة عن التمرد، حيث يعنى الأخير بأنه رفض طاعة الأوامر وهو مجموعة السلوكيات التى تهدف إلى تدمير سلطة أو إحلال سلطة محل السلطة القائمة فيما إذا كانت حكومة أو رئيس دولة. ويلعب التمرد مثل العصيان والانتفاضة دور الممهد للثورة فى كثير من الأحيان. أما الإصلاح فهو تحسين وضع أو تعديل ما هو خطأ، ويكون فى الغالب عملية تغيير تدريجية للأوضاع السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأخلاقية أو الدينية أو الثقافية، ولكنه يظل فى النهاية محتفظا بالإطار العام الذى ولد تلك الأوضاع ؛ لذلك يمثل الإصلاح الطريق الثانى للتغيير، بعد الثورات. أما الجهاد فهو مفهوم إسلامى يعنى جميع الأفعال أو الأقوال التى تتم لنشر الإسلام أو لصد عدو ما أو لمساعدة أحد ما، كما يشمل مجاهدة للنفس وحثها على التحلى بالفضائل والابتعاد عن الرذائل، وهو السعى دائما لإعلاء كلمة الله، واتخذ دائماً فى الإسلام معنى دفاعيًا، وسيظل مفهوم الجهاد دائما وسيلة للدفاع عن الأهل والأرض والعرض والدين والمقدسات، وليس للعدوان أو التعصب أو لشن الحروب على المخالفين للمسلمين فى الدين والملة كما يدعى البعض زوراً وبهتاناً. كما أنه يوجد ثمة اختلاف بين الحرب والثورة، فالحرب هو نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، حيث الهدف منها إعادة تنظيم الجغرافيا السياسية للحصول على نتائج مرجوة ومصممة بشكل ذاتى. ومنها الحرب الأهلية التى تكون بين مجموعتين اجتماعيتين داخل الدولة أو الأمة الواحدة. وإن كان هناك فارق جوهرى بين الحرب والثورة إلا أن البعض يؤكد على أن هناك تشابه وتداخل بينهما فى جوانب شتى، الأمر الذى كان ولا يزال وراء حرص البعض من الباحثين على تسمية ثورات التحرير - وخاصة تلك التى خاضها العالم الثالث ضد الاستعمار الأوربى- بحروب التحرير.