مجاهدو خلق لم يروا في الإشتراكية مايتنافي مع الإسلام بل أمنوا بإسلام اشتراكي تحرري فحسبهم رجال الدين الصاعدين سلم السلطة من الكافرين إذن مشكلة الإسلام الحالي في نظر شريعتي تكمن في انه "أصبح دين البرجوازية الصغيرة" وأن رجال الدين يجمعهم بالتجار "زواج غير شرعي". في هذا الزواج يصنع الملا دينا للتاجر ويوفر التاجر الراحة الإسلام الذي يرغب شريعتي العودة إليه هو إسلام "باعث لوعي تقدمي واحتجاجي" وهو"قوة تهب الإنسان في حياته المسؤولية والحركة والميل إلي التضحية، ليواصل حضارته وثقافته وشخصيته المعنوية". ما يفصل شريعتي عن الماركسيين المعاصرين له هو إيمانه أن الدينمثله مثل القومية، قوة قابلةللتحريك لغايات تقدميةلمناهضة الإمبريالية والرأسمالي عندما فاضت شوارع طهران بالمطالبين بإسقاط نظام الشاه ارتفع وجهان علي لافتات المتظاهرين، أحدهما لشيخ معمم صارم الملامح ذي لحية بيضاء، والآخر لشاب ذي ابتسامة هادئة ونظرة ودودة. الشيخ اعتبر ولاية الفقيه فريضة دينية وخلاصا من شرور نظام الشاه، بينما دعا الشاب إلي إسلام لا مركزي يتجاوز سلطة رجال الدين ويحرر المؤمن من سلطة الوسيط بينه وربه. الشيخ اعتبر الشريعة الاسلامية غاية والشاب عدها وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر من قيود الاستغلال والعبودية. الشيخ اشتهر بخطبه عن "الحكم الاسلامي" والشاب بمحاضراته عن "بناء الذات الثورية".الشيخ (روح الله خميني 1902-1989) كان علي وشك الرجوع من المنفي ليقود تأسيس الجمهورية الإسلامية ويعتلي منصب الإمام الأكبر والولي الفقيه، والشاب (علي شريعتي1933-1977) كان قد مات في ظروف غامضة في المنفي لتظل روحه شابة بين مريديه، وخصوصا بين شباب "مجاهدي خلق" الذين قدموا أكبر عدد من الشهداء للثورة الإيرانية، ومثلهم مثل شريعتي، لم يروا في الاشتراكية ما يتنافي مع الإسلام بل آمنوا بإسلام اشتراكي تحرري، فحسبهم رجال الدين الصاعدين سلم السلطة من الكافرين. ... ليس لعلي شريعتي أثر يذكر في الفكر المصري السياسي والاجتماعي. ترجم بعضا من أعماله الدكتور ابراهيم الدسوقي شتا ولكن أثره الفكري ظل مقصورا علي أعمال بعض المفكرين الاسلاميين المستقلين مثل الدكتور حسن حنفي. بينما بدأ هو رحلته الفكرية بترجمة رواية مصرية للكاتب عبد الحميد جودة السحار عن أبو ذر الغفاري إلي الفارسية - وكان عمره آنذاك 20 عاما - ونشرها عام 1956 بعنوان" أبو ذر الغفاري: الاشتراكي المؤمن". تحكي الرواية قصة أبي ذر الغفاري وكيف انتقد الخلفاء الأوائل لإسرافهم في ملذات الدنيا وعاش ناسكا متقشفا. ظلت اشتراكية أبو ذر الغفاري- كما رآها شريعتي- مثلا أعلي له، بشهادة والده بعد مماته. ووصفه مريدوه فيما بعد بأنه "أبو ذر إيران الحديثة". وعلي غرار الطرح الإسلامي اليساري بشكل عام لم تجد أفكار شريعتي صدي لدي التيارات الرئيسية للإسلام السياسي في مصر مقارنة بدول عربية أخري كالسودان وتونس. وكان أول من نقل كتب ومحاضرات علي شريعتي إلي العربية هو موسي الصدر - المفكر الإسلامي اللبناني الشيعي الذي كتب "الإسلام والتفاوت الطبقي" من بين كتب أخري - وهو من قال عنه: "قسما بالعدل والعدالة، أنك (علي شريعتي) كالموج المتلاطم تغلي في نداءات المظلومين ضد الظالمين ما دام الظلم والاضطهاد يثقل كاهل البشر". يعد علي شريعتي في نظر فصائل سياسية مختلفة- بل أحياناً ذات مصالح متضاربة- مجاهداً وشهيداً ومؤسساً لعقيدة إسلامية ثورية. ومن رجال الدين من لعنه مثل آية الله مرتضي مطهَّري، وفي المقابل من رأوا فيه نموذجاً للمسلم الصادق المتفاني. تارة يمتدحه الولي الفقيه في إيران ما بعد الثورة ويؤكد علي دوره الكبير في "هداية الشباب والمتعلمين إلي الإسلام" وتارة يُعد نموذج المفكر المنحرف المتطاول علي المقدسات فيُمنع أتباعه وأسرته من الاحتفال بذكراه بعد مرور 30 سنة علي قيام الثورة عندما واجهت المؤسسة الدينية الحاكمة سنة 2009 أكبر تحدٍ لشرعيتها. ضد إسلام البرجوازية الصغيرة اتهم شريعتي رجال الدين أنهم فرغوا الدين من قيم الجهاد في سبيل العدل، و اختزلوا النصوص الدينية في معانٍ ثابتة لا تعبر عن الواقع، وتحايلوا علي الشريعة من أجل تملق الاستبداد الملكي، وأصبحوا مهووسين بالظاهر: الملابس والطقوس وطول الذقون، ولجأوا إلي التركيز علي الآخرة للهروب من مشاكل الدنيا، بخاصة مشاكل التصنيع والرأسمالية والإمبريالية والصهيونية، وتوقفوا عند أسطورة ماضٍ مجيد بدلا من الانشغال بالمستقبل، وعزفوا عن استكمال مشروع الإصلاح الذي بدأه مفكرون مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد إقبال، ورفضوا كل المفاهيم الغربية بما فيها التقدمية، في حين وقفوا في وجه أي فكرة جديدة وضد أي حركة تصحيحية وأدانوا البدعة التي في نظر شريعتي هي "ضرورة ملحة للحياة والكمال". فغلفوا الدين بنزعة محافظة ورجعية ومتحجرة وانتحلوا صفة "الشرطي المدافع عن مظاهر الكبت والخنق والسكون والسلفية والمحارب لكل قادم جديد". وصنعوا من أمثال الشيخ فضل الله نوري- الملا الرجعي- بطلا، وهو الذي حارب الثورة الدستورية والحركة الديموقراطية في أوائل القرن العشرين وحسبهما كفراً، وهو الذي عدَّه خميني شهيدا مسلما حقاً ومجده المحافظون في إيران ما بعد الثورة. ولم يتوانَ شريعتي عن انتقاد رجال الدين لإسباغهم ألقاباً تراتبية علي أنفسهم مثل "آية الله" و " آية الله عظمي" و"حجة الإسلام"، وإغفال حقيقة أن الزعماء المسلمين الأوائل بمن فيهم الرسول نفسه كانوا عمالا و رعاة ومزارعين وحرفيين. طور شريعتي نقداً ماركسياً - أي مبنياً علي منهج المادية التاريخية - لفئة رجال الدين. فحلل علماء الدين كطبقة اجتماعية، تدافع بتفسيراتها للدين عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية. وإذا كانت مهمة المثقف في رؤية شريعتي هي الكشف عن تناقضات المجتمع، وهي المهمة الثورية الجهادية، فما يفعله رجال الدين علي نحو منهجي هو حجب هذه التناقضات للحفاظ علي مصالح الطبقة المالكة التي هي مصدر رزقهم. يقول شريعتي "إذا أردت أن تعرف أيديولوجية أحدهم، فتش عن مصدر معيشته". ولأن الملالي يحصلون علي معاشهم من "الخُمس" و"سهم الإمام" فهم بالضرورة تربطهم مصالح مشتركة مع الأثرياء والدولة وملاك الأراضي وتجار البازار. وهكذا تصبح المؤسسة الدينية أداة لتزييف وعيالناس ولتبرير الظلم والاستغلال حتي وصل الأمر أن تصبح المعتقدات الدينية الخاصة بالاقتصاد في إيران "أكثر محافظة من المعتقدات الاقتصادية لأمريكا الرأسمالية" بحسب قول شريعتي. إذن مشكلة الإسلام الحالي في نظر شريعتي تكمن في انه "أصبح دين البرجوازية الصغيرة" وأن رجال الدين يجمعهم بالتجار "زواج غير شرعي". في هذا الزواج يصنع الملا دينا للتاجر ويوفر التاجر الراحة للملا.ذلك لأن تعاليم الملا في الاقتصاد ليست إلا "تبريرا لمصالح البرجوازية الصغيرة". لذلك نادي شريعتي بتحرير الإسلام من قبضة البرجوازية الصغيرة: رجال الدين والطبقة المالكة، والنهضة به لتحويله عن حاله الراهن من دين سلبي إلي قوي إيجابية تساعد البشر علي الترقي والتحرر وإحلال العدل. حيث أن الدين الذي يروج له الملالي هو في أفضل أشكاله دين الأعمال الخيرية والوصاية الأبوية والتقشف الظاهري. الإسلام الحقيقي في رأي شريعتي لا يجب أن يُختزل في العطف علي الفقير بل يتطلب الجهاد في سبيل القضاء علي الفقر وعلي كل أشكال الاستغلال. وبرغم اعتراض شريعتي علي الطرح الماركسي الذي يري أن الدين ليس إلا "أفيونا للشعوب" نعت شريعتي الإسلام الذي يروج له رجال الدين المستفيدون من الوضع القائم بأنه أفيون أو أداة لتزييف وعي المظلومين وتضليلهم رغم الإمكانية الثورية التي تكمن في الدين، وفي الإسلام الشيعي بوجه خاص. فيشير شريعتي في كتابه "دين ضد الدين" إلي أن "الأديان الرسمية دائماَ ما لعبت دوراَ طبقياَ قذراَ ضد الناس والإنسانية ولصالح الطبقات الحاكمة". ويطرح بهذا ثنائية ما بين الإسلام كدين الحاكم في العصور المختلفة والإسلام كدين المحكوم والضحية والشهيد. أي ما بين التفسير السلطوي للدين والتفسير الشعبي الثوري. فيتعجب أن يقتدي المسلمون بالخلفاء الذين حكموا بالجور مثل أي فرد يعتلي السلطة مقابل الإقتداء بحياة الرسول نفسه أو بحياة الإمام علي، الذي يعدُّه شريعتي نموذجاً للإنسان الثوري التحرري العادل. أو الاقتداء بعثمان بن عفان الذي حارب أبا ذر الغفاري لأنه تحدي سلطته وانتقد تبذيره علي أمور المتعة والظاهر، والأخير هو من راح ضحية صراعه مع الرأسمالية والطبقة الحاكمة مدفوعا بإيمانه بأن الاسلام دين العدالة. ويتسائل شريعتي: "هل يصح ألا يعَدَّ بلال الحبشي الذي كان يري في الإسلام حريته من الرق مصداقا اجتماعيا بارزا لدين التوحيد، بينما يعَد عبد الرحمن بن عوف الذي كان يمتلك ألف غلام وجارية مصداقا عينيا لهذا الدين الحنيف! ". ففي نظر شريعتي جميع الأديان تكون في بدايتها تمردا وعصيانا علي القوي الحاكمة وثورة لإنقاذ الناس من السلطة والعبودية، غير أن النظام الطبقي الحاكم يمسخ لصالحه دائما ثمار الحركات الاجتماعية ويستخدمها من أجل تحكيم وجوده وتثبيت سلطانه. والحال مماثل للأيديولوجيات التحررية في التاريخ، فيضرب شريعتي مثل "الاشتراكية الديمقراطية" في أوروبا: "ألم تصبح أكبر مدافع ومحافظ علي النظام الرأسمالي وأقوي مانع لحصول الثورة العمالية العارمة رغم أن الاشتراكية والديموقراطية كانتا ثمرتي أزكي الدماء وأعز الشهداء وأرقي الرسالات الفكرية التحررية البشرية!" كما انتقد شريعتي سعي رجال الدين إلي احتكار الحق في تفسير الإسلام لفرض "استبداد رجال الدين"، ما يصفه شريعتي بأنه"أسوأ وأكثر أنواع الاستبداد قمعا"، وتحريفهم ممارسة "التقليد" الشيعي ليصبح طاعة عمياء للمرجع أو الفقيه. لهذا السبب دعا شريعتي إلي إصلاح (بروتستانتي) أو نهضة للإسلام، وفيه يتاح لأي فرد تفسير النص المقدس بنفسه، مسترشدا بعقله وبروح الإسلام الثورية المناهضة لكل أشكال الظلم والاستعباد، و تجاوز سلطة الشيوخ أو الفقهاء في التفسير، فلا يكون الفقيه وسيطا بين الإنسان وربه: "إن غاية الإسلام هي رفع الحواجز والحجب بين الإنسان وربه، وبغية تحصيل هذه الغاية يضع الإسلام في أولوياته مهمة إيجاد حلقة اتصال مباشر بين الطرفين. وفي ضوء ذلك لا نري مكانا في الإسلام لكيان رسمي متشكل من رجال الدين". فالحاجة إلي فقيه أو عالم متخصص في أمور الدين للوقوف علي المعني الكامن في الوحي- وهو المعتقد السائد في أغلب المؤسسات الدينية، بل هو تعريفها- رآها شريعتي زيفا يراد به بسط سلطة علي المؤمنين. لهذا قصد أن يساوي بين العلوم كلها بما فيها الفقه وعلوم الدين، علي أن استخدام العقل هو "الآلة المعتمدة في فهم الحقائق حتي ما كان منها حقائق دينية وإلهية"، "العقل لا يخالف الدين. ليس هذا فحسب، بل الدين هو العقل". فباستخدام العقل يستطيع المؤمن أن يفهم الإسلام في سياقه التاريخي وحينئذ يستطيع تقدير ثورية رسالته بدلا من التعامل معه كنص متحجر يودي إلي السلبية والتقليد. ورأي شريعتي أن "إسلام الجهاد" هو الإسلام الحقيقي، وهو الإسلام الذي يدفع معتنقه إلي إعادة اكتشاف القيم الثورية التحررية في تراثه الديني وإلي الاقتداء بها. وأن الإسلام الذي يمارسه الفقهاء والعلماء، أي" إسلام المجتهد"، يقوم علي الدراسة وقد ينحو من يمارسه منحي رجعيا فيكون بذلك أبعد ما يكون عن جوهر الإسلام الذي هو حركة ونضال اجتماعي. لذلك يضع شريعتي الاجتهاد الأكاديمي في الإسلام والاهتمام بالفقه والشريعة واللغة في رتبة أقل من الجهاد في سبيل إحلال العدالة الاجتماعية. وعلي عكس تناول معظم فصائل الاسلام السياسي لمفهوم الشريعة أو شرع الله، يعد شريعتي" الشريعة" مرادفة "للدين" وهي الوسيلة للوصول للغاية: "الدين في الإسلام وسيلة أما الهدف فشيء آخر، إلا أن عموم المتدينين - ونحن من بينهم - نتوهم أن الدين هو الهدف". ويستشهد بقول الشاعر المتصوف جلال الدين مولوي: "كان حريا بك أن تذهب إلي مكة لكنك التصقت بمركبك في منتصف الطريق، لقد مهدوا لك هذا المركب لكي يوصلك إلي مكة حيث الهدف، لكنك نسيت أنك قاصد مكة وشغلت نفسك بالتفكير بمزايا المركب وخصائصه زاعما أن هذه الأمور هي فقه الدين فضيعت عمرك فيها، وحيل بينك وبين الوصول إلي الهدف". والهدف هو الجهاد للارتقاء بالذات وبالمجتمع ومقاومة الظلم. فمعيار شريعتي للمسلم الحق لا يكمن في المعتقد الشخصي ولا الإيمان بالحياة بعد الموت بل يكمن في الجهاد الفعلي لأجل قضايا التحرر ومكافحة كل أشكال الاستغلال. ويبرهن شريعتي علي ذلك بإشارته إلي أن القرآن يستخدم كلمة "كافر" ليصف من ينأي بنفسه عن النضال من أجل الحقيقة، وليس من ينكر وجود الله والروح. ليس عجيبا إذن أن يكون شريعتي محطَّ نقد وهجوم رجال الدين والسلطة الحاكمة معا. حتي إن بعض رجال الدين نشروا في قُم عام 1972 بمساعدة شرطة الشاه كتابا بعنوان: "هرج ومرج: قطرة من محيط أخطاء د. علي شريعتي" وصفوه فيه بالمتغرب وبالجاهل بعلوم الدين وبالشريعة واتهموه بسب العلماء.وشارك آية الله مطهري - بأمر من الشاه - في إغلاق المركز الثقافي والاجتماعي "حسينيه ارشاد" الذي أصبح منبرا لمحاضرات شريعتي بدءا من سنة 1971 ووصف شريعتي بأنه "ملعون"، وحاول البعض إقناع الإمام الخميني بضرورة تكفير شريعتي لكنه رفض - ربما لعلمه بمدي شعبيته بين صفوف الشباب في إيران الستينات والسبعينات، ثم لجأت الحكومة الإسلامية بعد موته إلي نشر كتاب مطهري الذي هاجم فيه شريعتي موردا فيه أن فكره تغلُب عليه المادية التاريخية والفكر الماركسي وليس الإسلام. ومع الوقت أصبح مطهري هو المنظر الرسمي للثورة الإيرانية وليس شريعتي. إسلام لتحرير العالم الثالث في ما بين 1965 و1959 حصل شريعتي علي الماجستير في اللغة الفرنسية والعربية من جامعة مشهد. كما قضي في ذات الفترة ثمانية أشهر في السجن مع أبيه الذي كان ملا مستقلا - و آخرين من حلقة النقاش التي كان ينظمها والده، وتزوج أخت قائد طلابي معروف وعضو في حزب "توده" الشيوعي كان قد قُتل في مظاهرات جامعة طهران سنة 1953. ثم حصل شريعتي علي منحة دراسية حكومية لدارسة "علم فقه اللغة" philology عام 1959 في باريس فعاش في العاصمة الفرنسية في أوج الثورة الجزائرية وانخرط في الحياة السياسية. انضم إلي اتحاد الطلبة الإيرانيين، وإلي فرع المنفي للجبهة الوطنية و"حركة تحرير إيران" التي أنشأها رمزا الحركة الإسلامية الإصلاحية في ذاك الوقت مهدي بازركان ومحمود طالقاني. وشارك في نشر مجلتين دوريتين ضد نظام الشاه كتب فيهما بالاسم المستعار "شمع"، وساهم في تنظيم العديد من المظاهرات والفاعليات المناهضة للاستعمار. شارك بمقالات في جريدة "المجاهد" التابعة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية. كما ترجم "ما الشعر؟" لجان بول سارتر، و"حرب العصابات" لإرنستو تشي جيفارا وبدأ في ترجمة "معذبو الأرض" و "خمس سنوات علي الثورة الجزائرية" لفرانز فانون. وفي باريس تعرف علي شخصيات بارزة من مناضلي العالم الثالث من أمثال إيما سيزار وفرانز فانون، وتأثر بمنهجهم في تحليل النظام الاستعماري ليس فقط من المنطلق الاقتصادي بل بالتركيز بشكل رئيسي علي تجليات الاستعمار الثقافي الذي يؤدي بالمستعمَر إلي احتقار ذاته الثقافية والتوق إلي تقليد المستعمِر. انتقد شريعتي الثنائيات التي تحكم خطاب الغرب عن الشرق- علي غرار تحليل إدوارد سعيد للاستشراق. فالغربيون "قسموا الكون الي قسمين: العالم المادي وهو يخص الغربي، وعالم المعني والأبدية وما وراء الطبيعة وكلها لك أيها الشرقي"؛ أو إلي جنسين: "جنس صانع للحضارة وجنس غير صانع للحضارة" والأخير يستهلك حضارة الغربي ويُستعبَد له ومن ثم تُخلق التبعية الاقتصادية في العالم: العالم الثالث يزرع ويستخرج المواد الخام لإمداد مصانع الغرب ويستهلك منتجاته. العودة إلي الذات إذن شرط لتحرر شعوب العالم الثالث ثقافيا ومن ثم اقتصاديا وسياسيا، ومسؤولية صياغة مشروع العودة إلي الذات تقع علي عاتق المفكرين مرتكزين علي "تاريخ السواد الأعظم وثقافته ولغته". لكن العودة إلي أي ذات؟ الذات في نظر شريعتي هي التاريخ الحاضر في كيان الناس. وهذا التاريخ هو ما يكون مفهوم الشعب الإيراني عن العدل والظلم والصواب والخطأ و الخير والشر: "تلك الذات القائمة علي أرواحنا واستعداداتنا، والموجودة في نظرتنا إلي الأمور، لكن الذي صرفنا عنها هو الجهل والانقطاع عن النفس، لكنها علي كل حال لا تزال حية ذات حياة وحركة وليست كلاسية ميتة تتبع علم الآثار". منطلق شريعتي هو الذات الإسلامية لأنها بتعبيره "الذات الوحيدة القريبة لنا من بين كل الذوات، وهي الثقافة الوحيدة التي لا تزال حية حتي الآن". هذه الذات في نظر شريعتي هي المعتقدات الدينية التي تحث علي الثورة والتطور الذاتي والعمل الإيجابي، في مقابل المعتقدات التي تخمد الحس الثوري وتحث علي الخنوع والسلبية التي يدعوا لها رجال الدين المتواطئون مع النظم المستبدة. فالإسلام بالنسبة لشريعتي- وهو ما يؤكد عليه مرارا في محاضراته- ليس الإسلام كتقليد أو وراثة أو نظام عقائدي موجود بالفعل في المجتمع: "أينبغي أن نعود إلي هذه الذات الممسوخة التي علمونا إياها؟ لا يمكن العودة إليها. ما هو عبادة للتقليد وعبادة للقديم ورجعية ليس جديدا" فالإسلام الممسوخ الموجود فعليا في نظر شريعتي هو "عامل من أهم عوامل الركود وعبادة التقليد وعبادة الماضي" وكذلك "إن ما هو موجود الآن باسم الدين يرد البشر، ليس عن مسؤولياتهم الفعلية فحسب، بل ويمنعهم عن الإحساس بأنهم مخلوقات حية في الدنيا. هذا الدين نفسه لا يستطيع أن يواجه الناس بحساسياتهم ومشكلاتهم". إذن الإسلام الذي يرغب شريعتي العودة إليه هو إسلام "باعث لوعي تقدمي واحتجاجي" وهو"قوة تهب الإنسان في حياته المسؤولية والحركة والميل إلي التضحية، ليواصل حضارته وثقافته وشخصيته المعنوية". اهتم شريعتي بمحاولات معاصريه المزج بين العقيدة الدينية - أيا كانت - والنضال السياسي من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية. فبدأ ترجماته من اللغة الفرنسية بكتاب "الذات" لألكسيس كاريل الذي حاول فيه تطوير ما دعاه "الإنسانية المسيحية" مقابل المادية الماركسية. كما اهتم بكتابات رواد "لاهوت التحرير" في أمريكا الجنوبية. و استمع لمحاضرات روجيه جارودي المفكر الشيوعي الفرنسي الذي بدأ حوارات بين الماركسية والمسيحية. وتابع شريعتي جريدة "إسبري" (تعني "نفس") الكاثوليكية الراديكالية والتي دعمت في بداية الستينات القضايا اليسارية، خاصة حركات التحرر الوطني في العالم الثالث. فتضمنت مقالات عن كوبا والجزائر والقومية العربية والأفكار الماركسية باختلاف أنواعها. وكتب فيها أناس ذوو اتجاهات متنوعة مثل ماسينيون وميشيل فوكو وكوربان وفانون ومفكري الكاثوليكية الراديكالية وماركسيينجورج لوكاش وهنري لوفابر. ونشرت "إسبري" العديد من المقالات المعنية بالحوار المسيحي-الماركسي وبالكاثوليكية اليسارية وبالاشتراكية الدينية وبتعاليم المسيح الثورية الداعية إلي المساواة بين البشر. وتجلت قناعات شريعتي بما يمكننا وصفه بالاشتراكية الدينية في رفضه التضاد والثنائية بين المادي واللامادي، والدين والعقل، والدنيا والآخرة. فيقول إن "المسلم يتطلع دائما إلي تحصيل السعادة ببعديها المادي والمعنوي"، فكل فرد مسلم يحمل "مسؤولية العمل علي إقرار العدل وتحقيق السعادة والكمال الإنسانيين": ويؤكد أن "بذل المساعي الاجتماعية لإصلاح شأن الآخرين والنهوض بمستوي المجتمع ككل يعد وظيفة يومية تناط بعهدة كل مسلم". و عدًّ شريعتي المساواة من أهم المبادئ التي دعا إليها الإسلام، وأن التساوي في الخلقة ينحدر منه التساوي في الحقوق، والتساوي في الحقوق يجب أن يترجم إلي "المساواة الحقيقية الموضوعية" وليس فقط "المساواة الحقوقية". كما اعتبر الحرية مبدأ إسلاميا، وأكد في كتاباته علي أن الإجماع أو الديموقراطية هو المبدأ السياسي الذي يحثنا الإسلام عليه وهو نقيض إعلاء سلطة الفقيه في التشريع والحكم -كما طرحت التيارات الاسلامية التي سادت تاريخيا. وهنا لا فرق بين مسلم وغير مسلم في إبداء الرأي واختيار الحاكم، فيستشهد بقول عليّ بن أبي طالب "وليكن أمر الناس عندك في الحق سواء" ويؤكد: "لاحظ أمر الناس وليس المسلمين أو المؤمنين وحدهم". إذن يعدُّ شريعتي الديموقراطية الجذرية والمساواة فيصلان أساسيان في الإسلام، والنضال في سبيلهما مسؤولية كل مسلم. من أجل إسلام اشتراكي تحرري لدي عودة شريعتي من فرنسا إلي إيران عام 1965 قُبض عليه علي الحدود فأمضي 6 أشهر في السجن، بعدها مضي بضعة سنوات يعمل بالتدريس في مدارس ثانوية وكلية الآداب بمشهد ونشر ترجمات وكتب من تأليفه. ابتداء من سنة 1969 تفرغ للتدريس في "حسينيه ارشاد" وفي ظرف ثلاث أعوام اشتهرت محاضراته هناك وأصبح له مريدين، فسجلت ونشرت محاضراته علي شرائط ونشرت لاحقا في أكثر من 20 كتاب. في تلك الأثناء تعرف شريعتي علي أعضاء حركة "مجاهدين خلق"، وهي مجموعة مسلحة مناهضة للشاه تبنَّت منهجا ماركسيا اسلاميا. قيل فيما بعد إن علي شريعتي أبدي اعجابه بفكرهم رغم اختلافه مع بعض النقاط. في الواقع هناك الكثير من المشترك بين أفكار علي شريعتي ومجاهدين خلق. لكن من غير الدقيق القول بأن منظمة مجاهدين خلق استمدت أفكارها من شريعتي حيث أنهم طوروا فكرهم ونشروه بالتفصيل في منشوراتهم قبل أن تنتشر محاضرات شريعتي. لكن علي أي حال كانت محاضرات شريعتي تصب في صالح نشاط وأفكار المجموعة وساهمت في توسيع عضويتها. وتعد منظمة "مجاهدين خلق" أول مجموعة عمل سياسي إيرانية تتبني تفسيرا ثوريا للإسلام مغايرا للإسلام المتفق عليه في أوساط رجال الدين الشيعي. لعبت المنظمة بجانب منظمة "فدائيان خلق" الماركسية دورا أساسيا في الإطاحة بنظام الشاه، فقدموا أكبر عدد من الشهداء في السبعينات وكانوا من أهم المشتركين في حراك 1987 و1979 حتي نجحوا في إطاحة النظام في فبراير 1979. استمرت منظمة مجاهدين خلق في النمو في ظل الجمهورية الإسلامية حتي كان بمقدورها تحريك نصف مليون متظاهر في يونيو 1981. وحققت مبيعات صحيفتها معدلات بلغت ستة عشر أضعاف مبيعات الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية. لقد كانت منظمة مجاهدين خلق الأكبر و الأكثر تنظيما وتسليحا علي الساحة الإيرانية قبل وبعد الثورة فأصبحت العدو رقم واحد للحكومة الإسلامية حتي فقدت من أعضائها 9000 عضوا أعدمتهم الجمهورية الإسلامية في السنوات الأربعة اللاحقة لمظاهرات يونيو 1981. حتي قيل إن الثورة الإسلامية التهمت أبنائها، الذين كان كثيرون منهم من مجاهدين خلق. المشترك بين فكر شريعتي وفكر مجاهدين خلق هو رؤيتهم للجوهر الثوري للمذهب الشيعي وانحيازه للمظلومين ضد الإقطاعية والرأسمالية وجميع أشكال الاستغلال الطبقي. كان علي شريعتي ومجاهدين خلق فعليا اشتراكيين وإن لم يكونا كذلك بالاسم. فكلاهما اعتنق الكثير من المفردات والمفاهيم الماركسية ولكن كلاهما أيضا نفي عن نفسه تهمة الحتمية الاقتصادية ولقب "الماركسيين الإسلاميين". كلاهما تجاوز الخطاب الشعبوي لرجال الدين الناشطين سياسيا آنذاك لاعتقاده أن الارتقاء لا يقتصر علي تطبيق الإسلام ظاهريا بل يتطلب تغييرا شاملا يطيح بالنظام الاجتماعي المؤسَس علي الاستغلال الطبقي. كلاهما استلهم من الاسلام مفاهيم النضال والجهاد من أجل إحقاق العدل وكلاهما استخدم النص والمفاهيم المقدسة لكنه أعاد تفسيرها مؤكدا علي ثورية مضمونها وكلاهما اتخذ مواقف مضادة للمؤسسة الدينية واحتكارها سلطة تأويل النص الديني، وفي المقابل رأيا أن للمثقف الدور الأكبر في حركة التحرر الوطنية الثورية وكلاهما اعتبر علم الاجتماع والعلوم السياسية أهم وأنفع من العلوم الفقهية، فأصبح كلاهما موضوع انتقاد الشيوخ واتُّهِما بالانتقائية في الدين و بالنفاق. لكن اختلف شريعتي مع حركة مجاهدين خلق في اعتقاده بوجود طريق ثالث للعالم الثالث غير الرأسمالية والاشتراكية، في حين اعتقد أعضاء مجاهدين خلق أن الاشتراكية ستحقق غاية التحرر المنشود وأن الإسلام في حد ذاته لا يمكن أن يصبح طريقا ثالثا بل وإن مفهوم الطريق الثالث هو نوع من التضليل الذي تروج له البرجوازية الصغيرة كما حدث في مصر في عهد جمال عبد الناصر وفي تونس في عهد الحبيب بورقيبة وفي السودان في عهد جعفر نميري. كما كان شريعتي أكثر اهتماما بالذات الثقافية وإعادة اكتشاف الثقافة الشعبية بينما عني المجاهدون أكثر بقضايا المستقبل والاقتصاد. سنة 1927 أغلقت سافاك (منظمة الاستخبارات والأمن القومي في عصر الشاه) الحسينيه ارشاد بسبب شعبية شريعتي المتصاعدة وبسبب إدراك السافاك أنها أصبحت أكثر الأماكن تجنيدا للشباب لعضوية مجاهدين خلق. كما شن الملالي حملة انتقادات علي الحسينية وأطلق عليها بعض رجال الدين "كفرستان" أي معقل الكفر، لمزج محاضريها بين الفكر الماركسي والإسلام وتبنيهم المناهج الغربية وهجومهم علي الفقه التقليدي. اجتهد سافاك في نعت علي شريعتي "بالمسلم الماركسي" وهو اللقب الذي أصبح له معني سلبيا في إيران الستينات، حيث شن رجال الدين المتعاونين مع نظام الشاه هجوما علي ما سموه بالفكر "المسلم الماركسي" واستخدم النظام هذا المصطلح للهجوم علي مفكرين إسلاميين مستقلين مثل شريعتي وكوادر حركة مجاهدين خلق الماركسية الإسلامية المسلحة. لكن من الواضح أن علي شريعتي في أثناء فترة دراسته في باريس استخدم هذا التوصيف بدلالة إيجابية؛ فعندما شرع في ترجمة كتاب "أفضل الجهاد" لعمار اوزقان- وهو المناضل الجزائري الذي سعي إلي مزج الفكر الاشتراكي والإسلامي- نعت كاتبه بصفة "المسلم-الماركسي الكبير". وقتها لم يكن شريعتي قد وُجِّهت له تهمة "الاسلام الماركسي" من النظام بعد، ومع ازدياد حملات النظام ضده تبرأ شريعتي من اللقب بشدة كوسيلة للدفاع عن النفس ضد بطش مخابرات الشاه وحملات التشويه التي قامت بها المؤسسة الدينية ضده. لكن لم يتبرأ شريعتي في كتاباته من كونه متأثرا بالفكر الماركسي - علي الأقل بفكر "ماركس عالم الاجتماع" أي ماركس في فترة منتصف عمره (يقسم علي شريعتي فكر ماركس إلي ثلاث مراحل عمرية: ماركس الفيلسوف في أوائل حياته الفكرية، وماركس عالم الاجتماع في منتصفها، وماركس السياسي في المرحلة المتأخرة من حياته) ولم ير قط تناقضا بين كونه مسلما مؤمنا وكونه اشتراكيا يؤمن بالمساواة بين البشر والنضال من أجل مجتمع تتلاشي فيه الطبقات الاجتماعية. كما أقرَّ بمفهوم النضال الطبقي وأهمية النظام الاقتصادي في تحديد شكل المجتمع والتقسيم الطبقي والسياسة فيه. لكن انتقد علي شريعتي بقوة الأنظمة الشيوعية وكثيرا من المفكرين الشيوعيين لاختزالهم ماركس في أفكار فترته الأولي والأخيرة، ولمأسَسَة الماركسية وتحريفها واختزالها، كما انتقد الشيوعيين لموقفهم تجاه الدين الذي في نظره يقصي الطبقات الشعبية ويحتقر الجانب الأهم من وعيها وثقافتها. لهذا جذبت شريعتي تنويعات الفكر الماركسي المعنية بالدين والأفكار كمحركات ثورية والتي تقترض من ماركس مناهج تحليله الاقتصادي والاجتماعي لفهم أنماط الاستغلال دون اختصار حركة التاريخ في العامل الاقتصادي المادي فقط. بالنسبة لشريعتي-مثلما هو الحال لكثير من الكتاب "النيوماركسيين" في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين، لا يمكن النظر إلي الدين والأفكار والوعي علي أنها انعكاسات للواقع الاقتصادي فحسب، بل تؤثر تلك العوامل الفكرية علي حركة التاريخ بل علي الاقتصاد مثلها مثل العوامل الاقتصادية. يشتد لوم شريعتي للشيوعيين من حيث تخاذلهم تجاه حركات التحرر الوطني في العالم الثالث وعدم قدرتهم علي رؤية الصراع الحقيقي بين الدول الغنية و العالم الثالث. لكن في المقام الأول ما يفصل شريعتي عن الماركسيين المعاصرين له هو إيمانه أن الدين، مثله مثل القومية، قوة قابلة للتحريك لغايات تقدمية لمناهضة الإمبريالية والرأسمالية. سنة 1975 ألقي القبض علي شريعتي بتهمة نشر "الماركسية الإسلامية" و "التواصل مع المجاهدين الإرهابيين" حتي أُفرج عنه بتوسط الحكومة الجزائرية لدي الشاه سنة 1975 لكنه وُضع تحت المراقبة ومُنع من ممارسة أي نشاط سياسي. لدي خروجه من السجن نشرت سافاك في الجريدة الرسمية "كيهان" سلسلة من مقالات شريعتي بعنوان "الإنسانية والماركسية والإسلام" كان شريعتي قد حررها قبل ذلك بسنوات ورفض نشرها. والأرجح أن سافاك أرادت إعطاء الانطباع بأن شريعتي قد قبل التعاون مع النظام ضد "الإلحاد الماركسي" في مقابل الإفراج عنه. والأغلب أيضا أن في حسابات سافاك فإن كتابات شريعتي القديمة المفتقرة للنضوج الفكري الذي حققه فيما بعد ستوسع الفجوة بين الماركسيين والإسلاميين وبين المثقفين الجذريين ورجال الدين المحافظين ، هذا بجانب رغبة نظام الشاه في تشويه صورة شريعتي وإظهاره بصورة المفكر السطحي المفتقر لفهم جاد للماركسية. نشرت تلك السلسلة فيما بعد بالانجليزية في كاليفورنيا تحت عنوان "الماركسية وأكاذيب غربية أخري" ، واعتُبر هذا الكتاب -علي نحو خاطئ- مرجعا لموقف شريعتي من الماركسية. واستمرت رموز الجمهورية الاسلامية في تقديم صورة شريعتي المناهض للماركسية والغرب علي حساب كتاباته ذات المرجعية الماركسية والمتأثرة بمناهج العلوم الاجتماعية الغربية. كما استمر تجاهل مريديه ومترجميه في كاليفورنيا لكتاباته اللاحقة الأكثر ثورية وتعاطفا مع الماركسية. أما من تبقي من الإسلاميين الماركسيين في عصر حكم الملالي لإيران، أي مجاهدين خلق، فقد اعتبروه من ذويهم بعد وفاته. في العامين اللاحقين لخروجه من السجن عاش شريعتي في طهران محددة إقامته، فسجل شرائط محاضراته الأخيرة والأكثر راديكالية التي نشرت فيما بعد تحت عنوان "التوجه الطبقي للإسلام"، وهي المجموعة التي تعبر عن ماركسيته الإسلامية بحق، والتي لم تترجم إلي الإنجليزية. في تلك الأثناء كان شريعتي ممنوعا من التدريس و الكتابة فغادر البلاد في مايو 1977 إلي لندن. بعدها بشهر عُثر عليه ميتا في بيته في لندن وأعلنت السلطات البريطانية أنه توفي علي إثر سكتة قلبية. ودفن في دمشق بجانب ضريح السيدة زينب كما تمني. حتي الآن يعتقد الكثيرون أن شريعتي قتل علي يد السافاك، ولكن يبقي هذا مجهولا حيث لم يقبل والداه تشريح جثته لأسباب دينية. في رسالته الأخيرة لوالده كتب شريعتي أنه كرس حياته لمهمتين: أن يثبت للمتدينين التقليديين أن الإسلام ثوري، وأن يقنع الثوريين من غير المتدينين بضرورة الرجوع إلي الإسلام.