على مدار الأيام القليلة الماضية شنت مجموعات من المستوطنين اليهود عدة هجمات على مواقع عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلى داخل إحدى المستوطنات المقامة على الضفة الغربية والتى يقومون بحمايتها، حيث هاجمت مجموعة "شباب التلال" و"بطاقات الثمن" فى مستوطنة "يتسهار" موقع للجيش الإسرائيلى وحرقوه ودمروا كل محتوياته وأهانوا جنوده بالبصق عليهم وسبهم فى حادثة هى الأولى من نوعها منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلى. وخلافا لما كان يمكن توقعه من جنود جيش الاحتلال لو أن فلسطينيا هو من شن هذا الهجوم ورشق هؤلاء الجنود بحجر، وقف جنود الاحتلال فى مستوطنة "يتسهار" أمس، دون أن يحركوا ساكنا ولم يتحركوا لإنقاذ موقعهم العسكرى من أيدى "شباب التلال" ومستوطنو "يتسهار" الذين شنوا الهجوم على الموقع فجر أمس الثلاثاء ودمروه بالكامل. فيما زعم قائد الجيش فى المنطقة التى وقع بها الهجوم لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن الجنود لم يردوا لأنه لم يشعروا بالخطر على حياتهم، فى وقت أوضح فيه أنه لا يدرب جنوده على مواجهة اليهود، وهو اعتراف ضمنى أنه يتم تدريب وتفعل الجيش فقط ضد الفلسطينيين وبكامل الوحشية. وقالت الصحيفة العبرية، إن حوالى خمسين مستوطنا من يتسهار، هاجموا موقع الجيش فى المستوطنة، عند الخامسة فجر أمس، وأيقظوا الجنود وأمروهم بمغادرة الخيمة، وحاول بعضهم إحراقها، لكن جنود الاحتياط استعطفوه كى لا يفعل خشية تدمير معداتهم الشخصية، وقام الشباب بتمزيق الخيمة وسكب حاوية الوقود وخزان المياه، فيما وقف الجنود صامتين، دون أن يفعلوا شيئا. وقال قائد الكتيبة، فى وقت لاحق، إن الجنود "شعروا بالإحراج والإحباط" مدعيا أنهم "لم يشعروا بالخطر على حياتهم، ولم يكن هناك أى سبب يجعلهم يفتحون النار"، مضيفاً: "لقد واجه جنودى حالة لم نتخيلها، ولم يكونوا مستعدين لهجوم من قبل اليهود، وأنا لم أعد هؤلاء الجنود الستة لمواجهة 40 أو 50 مشاغبا يهوديا". يشار إلى أن المستوطنين فى يتسهار نفذوا خلال الأيام الأخيرة عدة اعتداءات ضد الجنود، كان من بينها إلقاء حجر على سيارة مقدم من الإدارة المدنية خلال سفره يوم السبت بمحاذاة المستوطنة، بعد زيارته لفلسطينيين كانوا يحرثون أرضهم فى المنطقة. وفى الأسبوع الماضى، هدمت الإدارة المدنية بيتا فى المستوطنة اقيم بدون ترخيص، وردا على ذلك تم تمزيق إطارات سيارة قائد لواء الضفة العقيد يوآب يروم، خلال زيارته إلى المستوطنة، الأحد، وفى اليوم التالى، تم تمزيق إطارات سيارة عسكرية أخرى فى المستوطنة. وتتكرر الاعتداءات على الجيش الإسرائيلى من قبل المستوطنين منذ عدة أشهر، لكن يروم نفسه يتحمل مسئولية الفشل فى مواجهة هذه الاعتداءات، كونه عمل مرارا على منع الشرطة من اتخاذ إجراءات ضد المستوطنين وتفضيل الحوار معهم، ولكن فى مساء أمس الأول رأى انه لا بديل عن تفعيل الشرطة كى تقوم بعمل متواصل وأساسى ضدهم. وقال مصدر عسكرى، إن الجيش الإسرائيلى سيجرى خلال الأيام القريبة تحقيقا حول سلوك جنود الاحتياط خلال الهجوم عليهم، وفى هذه الأثناء، قرر لواء الضفة الغربية إرسال قوات من حرس الحدود إلى المنطقة، بسبب التخوف من عمليات انتقام أخرى، ضد الجنود. وفى السياق نفسه، ذكرت صحيفة "يسرائيل ها يوم" الإسرائيلية، أن العديد من الوزراء والنواب بالكنيست من اليمين واليسار، شجبوا قيام المستوطنين بتدمير موقع الجيش فى يتسهار وطالبوا السلطات بانتهاج "قبضة فولاذية" ضد المعتدين. فيما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو مع وزير الدفاع موشيه يعلون، أمس، وطالبه "العمل بكل قوة ضد منفذى العمل الهجومى ضد الموقع العسكرى، وضبط الخارجين عن القانون". ونشر وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجادور ليبرمان، بيانا على صفحته الخاصة فى موقع "الفيس بوك"، اعتبر فيه أن المعتدين على الجيش لا ينتمون إلى المعسكر القومى، وليسوا صهاينة، ويلحقون ضررا بالاستيطان والدولة أكثر من أعداء إسرائيل. وقال رئيس كتلة "يوجد مستقبل" عوفر شيلح، إن تدمير موقع الجيش قرب يتسهار، يمثل تحديا لسلطة القانون فى إسرائيل ولمؤسسات الدولة، من قبل أناس يعتبرون أنفسهم أسياد البلاد. وقال النائب بالكنيست إليعازر شتيرن، من حزب "الحركة"، إنه يجب التصرف فى يتسهار تماما كما يجرى التصرف بحق بلدة يخرج منها عمليات مسلحة من جنب الفلسطينيين، ويجب وضع حواجز على مداخل المستوطنة وإغلاقها وإجراء أعمال تفتيش فى بيوتها حسب الحاجة. فيما قال النائب بالكنيست عامير بارليف من حزب "العمل" اليسارى: "إنه فى مثل هذه الحالة المتطرفة من السلوك العنيف والإجرامى ضد الدولة ومؤسساتها، يجب على وزير الدفاع إعلان كل المستوطنة منطقة عسكرية مغلقة لأسباب أمنية، وإعداد خطة لإجلاء السكان، ومن لا يثبت تورطهم فى أعمال العنف يمكنهم الحصول على تعويض والإقامة فى مناطق أخرى من الضفة الغربية، بينما يتم إصدار أوامر بإبعاد كل من يثبت تورطهم فى الأعمال العنيفة". وفى السياق نفسه، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن جنود الكتيبة الذين تعرض موقعهم إلى التدمير عبروا عن مشاعر قاسية تلازمهم منذ الحادث، حيث قال احدهم: "لو كنت اعرف مسبقا إن هذه هى المهمة التى أخسر من أجلها تعليمى وعملى لما كنت قد جئت، أنا أضحى بروحى، وأخاطر بحياتى، وأنام فى الخارج على فراش متعفن لأننى أؤمن بذلك، وطالما كان ذلك من اجل الدفاع عن البلاد تبقى الخدمة الاحتياطية ممتعة، لكن هؤلاء الفوضويين دمروا لنا خدمتنا الاحتياطية، ولو كان الأمر يتعلق بى فلن اخدم ثانية فى يتسهار، وأقول بكل ألم إنهم أهانونا كما لم يتجرأ أى عربى على أهانتنا". وكتب جندى آخر على صفحته فى موقع ال "فيس بوك" كلمات قاسية وجهها إلى سكان يتسهار ونقلتها الصحيفة العبرية: "انتم عار على الشعب اليهودى والدولة، انتم أعشاب ضارة لا يحق لكم ما تفعله الدولة من أجلكم، اخجل بالوصول إلى هنا من مسافة بعيدة، وتناول طعام سيء، والنوم بشكل سيء، والتعرف دفاعا عن أمنكم فى وقت تبصقون فيه علينا، وتشتمون أمهاتنا الغاليات اللواتى تركناهن فى البيوت، لقد احرقوا موقعنا الليلة، الموقع الذى كان يفترض أن يحميهم، هل هذه هى بطاقة الثمن؟ ربما علينا ان نقوم نحن أيضا بتقديم بطاقة ثمن لهم والعودة إلى بيوتنا، وتركهم يحرسون أنفسهم". الجدير بالذكر، أن مستوطنو "يتسهار" لم يحضروا هذه المرة للاعتذار من الجنود كما فعلوا سابقا، وهذا كما يبدو، بسبب غضبهم على هدم المبانى، التى وقعت قبل الهجوم على الموقع العسكرى، كما حدثت مواجهات بين الجنود والمستوطنين أصيب خلالها ستة جنود من حرس الحدود جراء رشقهم بالحجارة والبيض.