أقبع الآن على ظهر القارب، قارب فى عرض البحر، متهالك قديم قدم الفراعنة ملىء بالفجوات و خشباته هشة و متآكلة لدرجة تجعلنى أتعجب لماذا البحر غير قادر إلى الآن أن يأتى على هذا الشىء ويأكله، كما الوحش يأكل الفريسة الضعيفة المستسلمة، المجهول هناك فى انتظارى. لا أستطيع أن أصفه لكنى خائف مرتعد، من سبقونى إليه أخبرونى بأن لا تحاول اللحاق بنا، ولكن ماذا عساى أن أفعل؟، مستقبلى فى وطنى كما الفجوة فى الكهف السحيق، مظلم أو هو كالضباب الذى لا يجعلك ترى يديك إن أخرجتها من جيبك. أنا الآن متجه إلى تلك المدينة الأوروبية "أرض الأحلام"، كما أسميها، لا أعرف عنها شيئا، ولا أعرف من لغة أهلها إلا كلمتى "أهلا" و "مع السلامة"، بالطبع هذا غير كافٍ، ولكن أنا أستطيع تعلم اللغة، أصحابى قالوا لى ذلك، سترة النجاة هذه التى أرتديها تصيبنى بالتوتر الشديد و رائحة الأنفاس المتلاحقة من الرجال هنا كريهة يملؤها الخوف من المجهول و من البحر الذى قد يبتلعنا فى أى لحظة، عددنا غير بسيط، سوف يلقون بنا فى أى وقت. هذا هو الاتفاق، عندما نقترب من السواحل الإيطالية سوف يزج بنا فى تلك المياه، ربما سننجو وربما لا، ولكنى متفائل فأنا على الأقل أستطيع السباحة، ولكن لا أدرى لكم من الوقت أستطيع أن أفعل، بالأمس ألقوا بواحد منا فى البحر لأنه لم يقو على البقاء حيا، لقد انتهت حياته فى هذا القاع المظلم أو ربما فى أحشاء حيوان مفترس، ولكنه على الأقل أخبرنا بعنوانه لكى نبلغ أهله، أظن أن أحدًا منا قد يستطيع العبور لهذه الأرض البعيدة، فلا تقلق صديقى سوف يبلغ هذا الناجى أهلك، إذا استطعت النزول إلى تلك الأرض هناك، فأنا من المحظوظين، لأنى ما زلت حياً، أما إذا قدر لى الموت ها هنا فلربما كانت هى الراحة التى ينشدها كل من يعانى. أكتب هذا الآن وأنا فوق ظهر هذا القارب، وسوف أضعه فى تلك الزجاجة التى بين يديك، ربما أن قرأتها أن تدعو لى بالتوفيق فى هذه البلد الجديدة، وربما تدعو لى بالرحمة و بالضياء فى القبر.