هل سمعت من قبل عن محارب استقال، المعروف عن المحاربين أنهم يموتون فى ميادين المعارك، يموتون واقفين كالأشجار، يخوضون المعارك دفاعًا عن الحق والعدل والشرف، يموتون من أجل أن يعيش غيرهم مرفوعى الرأس، يموتمون من أجل من لا يعرفونهم. ولكن عندما تجد محارب قد اعتزل الحياة، وترك ميادين المعارك وتفرغ لحياته، فاعلم بأنه لم يعد يؤمن بأن ما يحارب من أجله هو الحق والعدل والشرف، وأن المعارك قد اصبحت دفاعًا عن باطل، هل هذا ما شعرت به د. منى مينا لذلك قامت بتقديم استقالتها. ومن لا يعرف منا د. منى مينا، هى إنسانة لا تجدها إلا فى معارك الحق والعدل والشرف مدافع عنه، هى من أسست أيام حكم مبارك حركة أطباء بلا حقوق، لتدافع عن حقوق الأطباء، بعد أن تنصلت الدوله فى وقتها فى الحفاظ على حقوق أى فئة من فئات المجتمع. وبعد أن ثار الشعب فى وجه هذا النظام، كانت هى فى الصفوف الأولى ضد هذا النظام، فقد خرجت فى ثورة 25 يناير، ووجدتها فى قاعة مناسبات مسجد عمر مكرم بعد أن تحول إلى مستشفى ميدانى، ووجدتها فى أحداث محمد محمود تداوى المصابين. هذه هى د. منى مينا لا تجدها إلا فى جانب الحق والعدل والشرف، لا تجدها إلا فى الصفوف الأولى، وبعد ثورة 30 يونيه ظلت تناضل لإنقاذ نقابة الأطباء من براثن الإخوان، وخاضت المنافسة الانتخابية ولأول مرة تحصل امرأة على منصب أمين عام نقابة الأطباء. ولكن ما الذى حدث لنجد محاربة مثلها تعلن استقالتها، هل أيقنت أنه لا سبيل للتغيير، هل أحبطت أو تم إحباطها، هل فشلت أو تم افشالها، كيف تحكم عليها بعد شهرين، هل هى لديها عصا سحرية لتحل مشاكل الأطباء المتردية والمتراكمة منذ 30 عامًا. إن استقاله د. منى مينا من المفروض أن تكون صدمة للمجتمع، أن استقالتها عبر عن إفشال كل من ينتمى للثورة إذا ما وصل إلى موقع المسئولية، أن استقالتها أشبه بلطمة على وجة المجتمع المصرى وبخاصة القوى الاحتجاجية والثورية. إن استقالتها تعلن أن هذا مصير كل ثائر يصل إلى موقع المسئولية، فى أسباب استقالتها مضت الدكتورة منى مينا، تقول: "هذا ليس رد فعل غاضب نتيجة للهجوم الشديد الموجه ضد قائمة الاستقلال أو ضدى أنا شخصيًا لدوافع عدة.. ولكنه إقرار لأمر واقع.. أنا أستطيع أن أتوقع كم الضغوط والهجوم التى سيوجه ضدنا من الإخوان لأننا من خلعهم من النقابة، ومن الوزارة لأن موقفنا مع حقوق الأطباء سيجعلنا نصطدم بها دائمًا.. لذلك فهذا المجلس يحتاج لجيش من الأطباء معه وخلفه.. وإذا كان هذا الجيش غير موجود.. أو منقسم.. ويوجه ضرباته لبعضه البعض أكثر مما يتضامن للانتصار فى معاركه المصيرية.. لذلك فللأسف لن أستطيع أن أكون فى موقع قيادى فى حرب مطلوبًا منى ليس فقط أن أكون فى مقدمة الصفوف فيها.. ولكن مطلوبًا منى أن أكسبها وحدى أو مع عدد قليل من الزملاء الفدائيين الذين يتلقون الطعنات ممن يواجهوهم، وأيضًا ممن يقفون خلفهم أو مفترض أنهم يقفون خلفهم"، على حد وصفها. وهذه الحالة توضح مصير الثوار اذا ما وصلوا إلى موقع المسئولية، الهجوم عليهم من أصدقاء الأمس، التربص بهم من أعداء الثورة، ظن البعض بأن الثورة نجحت مادامت وصلت إلى موقع المسئولية، ولكن الثورة لن تنجح إلا إذا نحت خلافاتها وعملت على تثبيت اركانها فى مواقع المسئولية، والصبر على جنى الثمار. التوحد فيما بين الثوار حتى النهاية، وأخيرا أقول إذا قبلت استقاله هذه المحاربة، فلنعلن بكل شجاعة هزيمة الثورة بيد أبنائها، ولا نخجل بأننا نعطى أعداءنا الخناجر ليطعوننا بها، أيها المحاربة نحترمك ونقدرك ونعلم أنك ما استقالتى إلا بعد محاولات إفشال من أصدقائك بغير قصد ومن أعدائك بقصد.