بعد ثورة 25 يناير 2011، تعالت أصوات بعض الفنانين والمثقفين مطالبة بإلغاء الرقابة على المصنفات الفنية، وتلقفت برامج «التوك شو» هذه الدعوة، وأخذت ترددها كأنها مطلب ثورى وشعبى.. ودارت الأيام، وأصبح على رأس وزارة الثقافة وزير إخوانى، وسقط هذا المطلب على أساس أن الفنون والثقافة «حرام» أصلاً، وأن رئيس الرقابة «موظف بالوزارة»، مهمته تنفيذ أوامر الوزير! ومرة أخرى دارت الأيام، وجاء تصحيح المسار فى 30 يونيو 2013، وجاء «الرقيب» هذه المرة من المطالبين بإلغاء الرقابة، وكان أحد المعتصمين فى وزارة الثقافة ضد الوزير الإخوانى! .. واستبشرنا خيرًا. ولكن- وهذا هو الغريب- جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن كما يقولون.. فجأة أصبحت أخبار الرقابة تشغل مساحة كبيرة ولافتة فى الصفحات الفنية، وتناثرت أخبار الحذف والمنع والمصادرة للأفلام السينمائية.. وهناك حقيقة إعلامية معروفة، هى أن تكرار أخبار الرقابة يعنى أن مسألة الحرية والإبداع أصبحت على المحك! كانت الموقعة الأولى مع فيلم «أسرار عائلية» للمخرج هانى فوزى، وأصر الرقيب على حذف 13 مشهدًا ولقطة وكلمة، ورفض المخرج، فقررت الرقابة مصادرة الفيلم، وتمت إجازته من لجنة التظلمات بثلاث ملاحظات فقط.. لقد شعر الرقيب بالرعب من موضوع الفيلم «المثلية الجنسية»، ولم تلفت نظره المعالجة «الأخلاقية» التى تعتبرها مرضًا.. بينما ترى دولاً عديدة فى أوروبا وأمريكا غير ذلك، بل إن بعض الدول أصبحت تجيز زواج المثليين!.. كما أن المعالجة لا تقدم أى لقطات جنسية أصلاً، بل إن الفيلم يبدو تحذيرًا للأسرة المفككة، وتأثير ذلك السلوك على الأبناء.. فعلى ماذا كان اعتراض الرقابة؟!.. لا توجد إجابة. ثم ارتفع سقف المنع فى الموافقة الثانية «حلاوة روح»، فالبطلة هذه المرة هيفاء وهبى، فكان على الرقيب أن يتحسس مسدسه، ويأمر هذه المرة بحذف 25 مشهدًا ولقطة وكلمة، ثم يتراجع ويجعل الفيلم للكبار فقط، فيستفيد من ذلك «السبكى» منتج الفيلم فى الدعاية!.. ويتكرر الأمر مع فيلم اسمه «سعيد كلاكيت»!.. ثم يبادر الرقيب بالإعلان- دون مناسبة- بأن فيلم «الفيل الأزرق» لم يعرض على الرقابة بعد.. هى إيه الحكاية؟! على الرقابة أن تهدأ قليلاً، وتعرف أنه ليس من بين أعمالها وقوانيها الدعاية والإعلان، وأنها أيضًا ليست صاحبة الأمر والنهى فى إجازة ما تريد، ومنع ما تشاء!.. وعلى رئيس الرقابة المخرج أحمد عواض أن يدرك ذلك جيدًا، وينفذ ما يصرح به للصحف دائمًا بأن الرقابة ليست ضد أحد، وأنه «حريص» على حرية الإبداع ولديه «مرونة» فى التعامل مع المبدعين.. ولأن أحمد عواض صديق قديم وأعرفه جيدًا، فإننى أدعوه لأن ينتبه، وأهدى إليه المثل الشعبى «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب»!