نقلاً عن اليومى.. طوال قرن من الزمان والسينما المصرية تتحرج أن تقتحم بعمق دنيا الثورة والثوار.. برغم أننا أشعلنا ثورتين مدهشتين فى ظرف مائة عام فقط، الأولى ثورة 1919، والثانية 2011، لماذا؟ لأنها بشكل عام سينما محافظة.. تخشى المحظور من ناحية، ولأن الأنظمة التى مرت على مصر حتى الساعة ترتعب من كلمة «ثورة» من ناحية أخرى! ومع ذلك تمكن بعض المخرجين المتميزين أصحاب الرؤى المتميزة من أن يقدموا لنا أفلامًا ذات بعد ثورى خالص، أى تهدف إلى إشاعة الفكر الثورى لدى المشاهد حتى يستطيع أن يفهم واقعه فهمًا صحيحًا، فلا يركن إلى التفسير الساذج للظلم الذى يتعرض له! لكن الثورة بمعناها الشامل، أى خروج الملايين إلى الشوارع ضد الحاكم الطاغية، لم ننعم بتجسيدها على الشاشة البيضاء إلا مرات قليلة للغاية، سنستعرض أهمها بعد قليل. لاشين.. أول الثورات ليس عندى تفسير يوضح كيف تجرأت السينما على إنتاج فيلم «لاشين» عام 1938 بينما كانت مصر فى ذلك الوقت أسيرة للاحتلال الإنجليزى البغيض من جهة وحكم ملكى مستبد من جهة أخرى، لكن يبدو أن صناع الفيلم أرادوا أن يبعثوا برسالة تنبيه إلى الملك الجديد فاروق الذى تولى عرش مصر مبكرًا - سنة 1936، أى قبل عرض الفيلم بعامين - لعله ينتبه ويحذر، فلا يظلم شعبه، وإلا ثار عليه مثلما حدث فى الفيلم! لاحظ أن الفيلم مأخوذ عن قصة لكاتب أجنبى، وحققه فريتز كرامب «مخرج ألمانى عمل فى استوديو مصر وأخرج أول أفلام أم كلثوم وداد عام 1936»، أما السيناريو فشارك فى كتابته أحمد بدرخان مع المخرج، فى حين تصدى الشاعر أحمد رامى لكتابة الحوار. أرجو ألا تنسى أن مصر فى ذلك الوقت كانت تجنى ثمار ثورة 1919، وهى ثمار متنوعة ومتفردة على رأسها تعزيز الشعور الوطنى وترسيخه، وفى حيلة ذكية للهروب من الرقابة والقيل والقال كتب صناع فيلم «لاشين» فى المقدمة أن أحداث هذا الفيلم وقعت فى القرن الثانى عشر الميلادى! المثير للانتباه أن المخرج استعان بعشرة آلاف ممثل وممثلة - كتب هكذا فى المقدمة - ليصور بهم ثورة الشعب ضد الحاكم الظالم، وهو رقم ضخم لم يحدث من قبل ولا من بعد فى تاريخ السينما المصرية. بقى أن تعرف أن الفيلم قام ببطولته ممثل اسمه حسن عزت وكان جيدًا، لكنه لم يظهر على الشاشة مرة أخرى على الإطلاق ولا نعرف السر، وممثلة اسمها نادية ناجى لم نرها مرة أخرى أيضاً، وحسين رياض وعبدالعزيز خليل، وكعادة السينما فى ذلك الزمن حرص المخرج على كتابة المقدمة بالفرنسية بعد العربية، لأنه لا يليق أن يستخدم المصريون لغة المحتل الإنجليزى! بين القصرين المثير للانتباه أن الحشود الثائرة فى ثورة 1919 لم تزيّن الشاشة البيضاء إلا فى الثانى من مارس عام 1964 مع العرض الأول لفيلم «بين القصرين»، أى بعد اندلاع الثورة بنحو 45 عامًا. أنت تعلم بطبيعة الحال أن من المحال أن يسمح الإنجليز للمصريين أن يعبروا بالسينما عن ثورة 1919 التى اندلعت ضدهم فى المقام الأول، ومع ذلك يتعجب المرء حين يجد أن الأمر استغرق 12 عامًا كاملة بعد ثورة يوليو 1952 ليتم تجسيد وقائع ثوررة 1919 سينمائيًا. على أية حال نجح المخرج حسن الإمام الذى حقق «بين القصرين» فى نقل صورة لا بأس بها عن هذه الثورة التى وصفها باقتدار وذكاء أديبنا المدهش نجيب محفوظ فى الرواية التى حملت الاسم نفسه، برغم أنه استخدم مجموعات من الكومبارس أقل بكثير من تلك التى ظهرت فى فيلم «لاشين»، لكن ما يميز «بين القصرين» أنه أول فيلم يحتفى بخروج المرأة المصرية فى مظاهرات ثورة 1919، وكلنا يذكر زيزى البدراوى وهى تقود مظاهرة الفتيات اللاتى يهتفن مطالبات بالاستقلال التام أو الموت الزؤام. كما يحسب لهذا الفيلم أيضا أنه انتبه إلى عمق العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، فشاهدنا شيوخ الأزهر يخطبون فى الكنائس ويحرضون الشعب على الانضمام للثورة ضد المحتل، وسمعنا القساوسة من فوق منابر المساجد يحثون الناس على الانخراط فى الثورة ضد الإنجليز. شىء من الخوف تردد كثيرًا أن جمال عبدالناصر أمر بعرض فيلم «شىء من الخوف» حين منعته الرقابة، إذ قال عندما شاهده: «نحن لسنا عصابة مثل عتريس ورجاله، وإذا كنا كذلك، فنستحق الحرق». الحق أن هذا الفيلم ذائع الصيت يمكن اعتباره أول فيلم فى العهد الناصرى يحرض الشعب على الثورة ضد الظلم. لقد عرض الفيلم فى 3/2/1969 أى بعد هزيمة يونيو بعامين، وكان المزاج العام للمصريين آنذاك يكابد تشويشًا نفسيًا فظيعًا، الأمر الذى أغرى الجمهور بالإقبال على الفيلم بكل طاقته، خاصة أنه فيلم جيد الصنع، فمخرج الفيلم حسين كمال برع فى نقل الحالة العامة لقرية الدهاشنة بما يعتمل داخلها من ذعر وهلع وصراعات مكتومة. أظنك لا تختلف معى حول عبقرية أداء محمود مرسى وشادية ويحيى شاهين ومحمد توفيق، وحيوية الحوار الذكى الذى صاغه عبدالرحمن الأبنودى باللهجة الصعيدية المحببة، كما لا ننسى ألحان بليغ الشجية التى تسللت إلى روح المشاهد بيسر.. كل ذلك جعل الفيلم يتبوأ مكانة مرموقة فى وجدان المصريين.. ولكن! لقد تحمل أهالى القرية جبروت عتريس وظلمه ونهبه لأموالهم وأنعامهم، ولم يتجرأوا على الثورة ضده إلا حين تزوج بشكل غير شرعى من فؤادة، هنا فقط تجاسر الناس وقادهم الشيخ إبراهيم نحو قصر الظالم ليحرقوه. ترى.. هل أراد المخرج أن يعلن أن المصريين لا ينتفضون إلا إذا مَسّهم الضرّ «الدينى»، أى إذا اعتدى أحد على أعراف وطقوس وشريعة دينهم؟ أم أراد أن يخبرنا أن المصريين قادرون على احتمال الضيم الاجتماعى مادام الظالم لم يقرب من معتقداتهم ودينهم؟ صرخة نملة هل تذكر الأفلام التى أنتجت عن حرب 6 أكتوبر 1973؟ لم يصمد منها فيلم واحد فنيًا أمام الزمن، إذ جاءت الأفلام كلها تقريبًا ركيكة الصنع.. سيئة التنفيذ، ولم تستطع هذه الأفلام أن تعبر بحق عن جلال هذه المعركة التاريخية وما صاحبها من تضحيات إنسانية على كل المستويات، لماذا؟ لأنه من المحال أن تقدم فنا رفيعًا ومتفردًا بينما تداعيات الحدث مازالت تتوالى، فأدباء فرنسا، على سبيل المثال، لم ينشئوا أدبًا ذا قيمة عن الثورة الفرنسية «1789» إلا بعد انقضاء عشرة أعوام كاملة على اشتعالها. الأمر نفسه حدث مع ثورة يناير 2011، حيث تم إنتاج عدة أفلام سريعة عن هذا الحدث الجلل فى تاريخنا، لكن كل هذه الأفلام لم ترق إلى مستوى ما جرى طوال 18 يومًا خالدة، وإن كان المخرج سامح عبدالعزيز حاول جاهدًا أن يقدم فى فيلم «صرخة نملة» عملا متميزا عن الثورة.. أقول حاول.. لكن النجاح الفنى كان بعيد المنال! على أية حال.. نطمع فى أن تسعى السينما عندنا إلى إنتاج أفلام جديرة بالاحترام لا عن ثورتى يناير ويونيو فحسب، بل عن ثورات المصريين من أول انتفاضة عرابى 1881 و1919 و1952، وأن تتخلص من إرثها المحافظ القديم، فثورات الشعوب أمر مدهش لا يحدث كل يوم ولا كل سنة، وبالتالى علينا الانتظار قليلاً حتى تتضح الصورة، فنصنع أفلامًا متفردة.. مثيرة للعقل.. ممتعة للوجدان. للمزيد من أخبار التحقيقات بالفيديو والصور..الإرهاب الأسود يضرب قلب العاصمة.. استشهاد 3 وإصابة 47 فى تفجير سيارة مفخخة استهدفت مديرية أمن القاهرة.. تهشم أبواب المبنى الرئيسية وتحطم واجهة دار الوثائق ومتحف الفن الإسلامى أحزاب سياسية تعلن مشاركتها فى إحياء ذكرى 25 يناير بمسيرات ل"التحرير".. ويعلنون زيارتهم لأهالى الشهداء والمصابين.. التجمع: سنتصدى لتخريب الإخوان.. والمؤتمر يدعو الأطراف ألا تكون مطية للإخوان طوارئ ب"الصحة" استعدادا لذكرى "25يناير".. الوزارة توزع 2500 سيارة إسعاف على المحافظات.. ورفع درجة الاستعدادات للقصوى بالمستشفيات ومنع الإجازات.. وتشديدات لتوفير الأدوية وأكياس الدم