وزير التعليم العالي يؤكد أهمية تنوع الأنشطة الطلابية لذوي الإعاقة بالجامعات    محافظة الدقهلية تواصل فعاليات دمج أطفال دور الرعاية بالمجتمع (صور)    أسعار البيض اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    قمة مصرية روسية اليوم بموسكو لتعزيز العلاقات في مختلف المجالات    لأول مرة.. بابا الفاتيكان أمريكيا| وترامب يعلق    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    ريال مدريد يستعد لإعلان تنصيب ألونسو خلفًا ل أنشيلوتي    إحباط محاولة غسل 50 مليون جنيه من تهريب المخدرات وضبط عنصرين أجنبيين بمدينة نصر    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم مخدرات بقيمة 3.5 مليون جنيه    عرض فيلم "Only the River Flows " بمكتبة مصر الجديدة العامة    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    وفد «محلية النواب» يتفقد الخدمات الصحية لمستشفى الناس بشبرا الخيمة (صور)    احتفالات روسيا بالذكرى ال 80 للنصر العظيم..حقائق وأرقام    مصلحة الضرائب: 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    فاركو يواجه بتروجت لتحسين الوضع في الدوري    ماركا: تشابي ألونسو سيكون المدرب الجديد لريال مدريد    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    وزير الري: سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ تيسيرا ودعما للمستثمرين    وزير الإسكان: بدء تنفيذ مشروع «ديارنا» السكني بمدينة القاهرة الجديدة    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    الجيش الأوكراني: تصدينا خلال ال24 ساعة الماضية لهجمات روسية بمسيرات وصواريخ    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المظاهرات في السينما المصرية.. من «بين القصرين» إلي «أمن دولت»
نشر في القاهرة يوم 29 - 11 - 2011

في الحياة مثلما في السينما كم خرج المصريون في تجمعات غير متجانسة كي يعبروا عن غضبهم من الظلم، وضد الفساد المنتشر من أجل محاولة إسقاط الحكم أو علي الأقل إبلاغه بأنهم غير راضين عن حكمه. صحيح أن أول مليونية خرجت في تظاهرة سياسية كبري ضد الحاكم كانت يوم الخامس عشر من يناير، وهذه التظاهرة لن تستطيع الكاميرا أن تعيد تجسيدها أبدا في أفلام السينما المقبلة، لكثرة العدد من ناحية ولحيوية الحدث وقوة تدفقه، لكن لا شك أن كل هذه التجمعات والكتل البشرية التي اجتاحت الميادين المصرية في يناير الماضي كانت بمثابة حصيلة لكل التظاهرات التي حدثت في الواقع وأيضا في السينما، حيث إن الأفلام المصرية لم تقف قط سلبية إزاء ما يجري حتي في أيام لم يكن فيها من الظلم والفساد ما عاشه الشعب نفسه في العقود الأخيرة. في بعض الأحيان قد تسمع عبارات تدل علي أن الشعب المصري خانع وأنه لم يثر قط ضد حاكمه، لكن السينما المصرية في سنواتها الأولي قدمت أحسن برهان علي أنها صورت كيف خرج أبناء السينما المصرية ليقاوموا الظلم أو ليرفعوا نداءهم إلي السلطان كي يدبر لهم لقمة العيش في أيام الحرب، وقد بدا ذلك واضحا في فيلم «لاشين» إخراج فريتزكرامب عام 1938، وهو الفيلم الذي أثار جدلا، لكن من يشاهده الآن وهو يعرض بين الحين والآخر سيري تلك الجموع الجائعة التي خرجت تحت قيادة شاب مصري، متجهة إلي قصر الحاكم من أجل إبلاغه بأحوال الشعب الذي عض الجوع بطنه، بينما هذا الحاكم نفسه منشغل عن شعبه بامتلاك النساء وسبيهن، وهو ينافس قائد جيشه لاشين علي قلب إحدي النساء الجميلات اللاتي تم جلبهن من إحدي المعارك التي انتصر فيها لاشين علي الأعداء. في هذا الفيلم ولأول مرة ازدحمت الشاشة بمئات من الكومبارس الذين يرتدون ملابس الفقراء وقد حملوا واحدًا منهم فوق الأعناق أخذ يردد الهتافات الغاضبة التي تعبر عن الحال الذي وصل إليه الشعب الجوعان. مظاهرات الجوع وكما أشرنا فقد صور الفيلم الطرفين معا الأول بلاط الحاكم متعدد العلاقات النسائية وما يدور داخل القصر من مؤامرات من أجل زيادة الوقيعة بين الحاكم وبين قائد الجيش الشاب من أجل الاستيلاء علي الحكم. وما يهم هنا هو المظاهرات التي تم تصويرها في الفيلم، فهؤلاء الجوعي ليسوا من طلاب المدارس، مثلما سنري المظاهرات فيما بعد، لكنهم أبناء الشعب المصري من جميع الأعمار، خاصة الشيوخ ورغم أنهم جوعي إلا أن صراخهم قوي الصدي، ويمكنهم اقتحام القصر في النهاية، ويتمكنون من إسقاط الحاكم، وذلك في النسخة التي تم منعها كي تتغير النهاية، وينتبه الحاكم إلي ما يفعله، وما يدور حوله من مؤامرات، فيعيد لاشين إلي منصبه، ويتخلص من رئيس الوزراء مدبر المؤامرات. يجب أن نذكر أن مخرج الفيلم الألماني فريتزكرامب قد اقتبس هذا النص من مسرحية للكاتب هايتريش فون ماين، وقد كتب السيناريو بنفسه بالاشتراك مع أحمد بدرخان. ولا أعتقد أن هناك فيلما تم إنتاجه قبل عام 1952، توجد به مثل هذه التظاهرات الشعبية ضد الحاكم، بالصورة نفسها التي رأيناها عليها في الفيلم، إلا أن هناك مشاهد في نهايات بعض الأفلام يكتشف فيها الحاكم الأخطاء التي يرتكبها وزراؤه ومعاونوه مثلما حدث في نهاية فيلم «أمير الانتقام» إخراج بركات عام 1950 . إلا أن الأمر تغير بعد يوليو 1952 حيث ما لبثت السينما أن راحت تقف إلي جوار الأحداث الجديدة والتغيرات، فعرضت في السنوات الأولي من الثورة مجموعة من الأفلام تكشف التمرد علي الحكم ومحاولة الإيقاع به، ثم إسقاطه، وذلك من خلال وجود معارضين، هم في أغلب الأحوال يمثلون حالات فردية لن يلبثوا أن يتحولوا إلي مجموعات ثورية تتظاهر ضد الحاكم، وذلك مثلما حدث في فيلم «حكم قراقوش» إخراج فطين عبدالوهاب 1953، وكانت السلطات قد أفرجت قبل أشهر من عرض هذا الفيلم عن فيلم «مصطفي كامل» الذي بدأت أحداثه بتظاهرات أبناء الشعب المصري في ثورة 1919 وقيام أستاذ مصطفي كامل بتذكر مسيرة حياته لكن حركة الجموع في هذا الفيلم بدت فاترة لا تعبر أبدًا عن صدق ما حدث في عام 1919 . ثورة قراقوش أما فيلم «حكم قراقوش» الذي كتبه محمود السباع، فهو أقرب في معناه من «لاشين» وإن كان الفيلم مستوحي من شخصية حقيقية عرفها التاريخ، فالحاكم المستبد قراقوش هو أيضا رجل يعشق النساء، وهن أضعف شيء في سماته، حيث إن قلبه يميل إلي فتاة من الشعب، ترفض أن ترتبط به، فهي تحب شابا من طبقتها الاجتماعية، ويسعي قراقوش إلي تعيين والد الفتاة رئيسا للوزراء، لكن الفتاة لا ترضي بالحاكم، أما الأب فإنه يتحول إلي معارض للحاكم، ويتعرض للتعذيب، وهنا يثور الجيش يعاونه الشعب، ويدخلون القصر السلطاني، ويتم إسقاط الحاكم عن طريق جموع البشر المتظاهرين الذين زحفوا بأجسادهم نحو القصر. هؤلاء الزاحفون هنا كانوا متظاهرين سلميين لا يحملون الأسلحة، وكان سلاحهم الأول هو قوة الزحف البشري الذي يدفع أمامه بأي قوة مثل مياه الشلال الهادرة التي تدفع أمامها جميع القوي التي تعترضها. كانت الأفلام التي تم إنتاجها خلال الخمسينات والستينات المساندة لثورة يوليو تري أن الحاكم الفاسد تستوجب الثورة ضده من أجل إسقاطه بجميع الأشكال وإذا كانت ثورة يوليو قد بدأت كانقلاب عسكري، فإنها في مرحلة تالية حاولت التأكيد علي أنها ثورة شعب، لذا قامت الأفلام بمساندتها في هذا المضمار، وأكدت أن الثورة ليست عمل جيش، بل هي نتاج تلاحم الجماهير الذين قاموا بالتظاهرات سواء قبل الثورة أو بعدها. وقد ساعدني ذلك أن بعض صناع هذه الأفلام كانوا من الضباط، زملاء الضباط الأحرار فصنعوا أفلامهم من أجل مساندة مسيرة الثورة ومن أبرز هذه الأسماء: عزالدين ذو الفقار، أحمد مظهر، إحسان عبدالقدوس ووجيه أباظة الذي كتب سيناريوهات لبعض الأفلام الوطنية وبالطبع يوسف السباعي الضابط الأسبق الذي كتب رواية «رد قلبي».. وقد صور الفيلم مشهدا رئيسيا لا أعتقد أنه حدث في الواقع لكنه صار مفتاحا للفيلم حين وقفت أسرة الجنايني عقب قيام الثورة في شرفة البيت، المشهد يجمع بين عبدالواحد «الجنايني» وولديه وزوجته وابنة أخيه، يرون التظاهرات المؤيدة للثورة تملأ الشوارع، وقد علت أصواتهم تهتف للثورة، ووسط هذا الحماس الشديد فإن الجنايني الذي أفقده النظام الأسبق القدرة علي النطق ينجح في استعادة صوته مرة أخري ويهتف بصوت عال في مشهد مؤثر ترك صداه علي المشاهدين وبدت المظاهرات هنا كأنها أعادت للجنايني صوته وحقه وكرامته. بورسعيد أي أن السينما هنا قد صنعت تظاهراتها من أجل مساندة النظام الحاكم القائم، وأيضا لإدانة النظام الملكي الذي يمثله ذلك الأمير المتعجرف وابنه. وقد صور عزالدين ذوالفقار التظاهرات في أفلامه علي أنها عمل إيجابي دوما مثلما سنري التظاهرة التي وقفت ضد قوات الاحتلال الثلاثي في نهاية فيلم «بورسعيد» عام 1957، فهؤلاء المصريون قد تجمعوا دوما معا سواء قبل العدوان الثلاثي، حين وقفوا تحت الشرفة بالمئات يغنون لجمال عبدالناصر حين أمّم القناة. أما المرة الثانية فحين تجمع سكان مدينة بورسعيد في تظاهرة بشرية مزخومة بالبشر، وقد صنعوا دروعا بشرية ضد جيوش الاحتلال التي غزت المدينة، وقد انتهت أحداث الفيلم عند هذا المشهد دون الوصول إلي يوم خروج هذه القوات في الثالث والعشرين من ديسمبر 1956 . أما الأفلام التي تم إنتاجها في الستينات فكانت من أوائل الأفلام التي صورت تظاهرات طلاب الجامعة بشكل عام والشباب المصري بشكل خاص ورأت هذه الأفلام أن التظاهرات حدثت قبل الثورة وبدا ذلك بارزا في تظاهرات حدثت فوق كوبري عباس «المنيل حاليا» في فيلمي «في بيتنا رجل» لبركات 1961، ثم «وداعا أيها الليل» إخراج حسن رضا عام 1967، ففي الفيلم الأول كان المشهد الافتتاحي الرئيسي هو مواجهة بين قوة الأمن بخوذاتهم الحديدية والعصي الطويلة والمصفحات التي سدت طرفي الكوبري فانهال عساكر الأمن علي الطلاب المتظاهرين يضربونهم بعد أن صدرت إليهم الأوامر أن يفعلوا ذلك، فضاق الخناق علي الطلاب، وقام الكثير منهم بالقفز إلي النهر خوفا من بطش وضربات العساكر، ومن بين هؤلاء إبراهيم حمدي الطالب الذي سيقوم فيما بعد باغتيال سياسي بارز تعاون مع قوات الاحتلال البريطاني. في هذا المشهد ازدحم الكوبري بالطلاب الذين ينددون بالسياسيين الذين يتعاونون مع المحتل، وقد أجاد بركات تحريك هذه المجموعات الكبيرة التي ملأت الكوبري وإطلاق قنابل الدخان، وما يتبع هذه الحوارات من عنف ومصادمات الخاسر فيها هم المتظاهرون الذين خرجوا بشكل سلمي، ولم يحمل منهم أحد قط أي سلاح، وكل ما يستطيعون فعله أن يصدوا ضربات الجنود باحتماء أجسادهم لا أكثر. تحيا مصر مثل هذا المشهد تكرر في فيلم «وداعاً أيها الليل» المأخوذ عن رواية للكاتب فؤاد جندي، ويبدأ الفيلم بمظاهرة مماثلة فوق كوبري عباس أيضاً، حيث يخرج الطلاب من الجامعة في شكل تظاهرة، وذلك قبل الثورة فتتصدي لهم قوات الأمن بالأسلوب نفسه الهراوات والصدادات والخوذات الحديدية جانب مدرب جيدا ومسلح تماماً ضد طرف اخر خرج في مظاهرة سلمية تماماً وبالتالي فإن الطلاب يموتون نتيجة للصدام العنيف من قبل رجال الأمن، وفي مشهد افتعالي جداً فإن الطالب الجامعي أحمد شكري سرحان، يردد وهو واقف إلي جوار جثة زميله الذي مات «تحيا مصر». في هذه السنوات ازدحمت الأفلام بالجموع الغفيرة التي تهاجم قصور الحكام الظالمين، بهدف إسقاطهم، والقضاء علي الظلم، وقد تمثل ذلك في فيلمين من إخراج عاطف سالم هما «المماليك» عام 1965، ثم «ثورة اليمن» عام 1966، أي أن المخرج قد كرر الأمر نفسه في عملين متتاليين، الأول من النوع التاريخي، وهو أقرب في موضوعه إلي لاشين وقد قام حسين رياض بدور الحاكم الظالم أيضاً، وهو الذي لا يعرف الرحمة ويعشق النساء، ويستجلب إلي قصره المزيد من الآمات الجميلات ودون أن يدري أن وزيره الأول يدبر لزحف الثوار إلي القلعة، والقضاء عليه وقد بدأ الثوار أو المتظاهرون هنا من أبناء الشعب الذي يتسلح بالعصي، والأسلحة البدائية في مواجهة جيش نظامي في المقام الأول. ورغم أن صالح مرسي هو مؤلف رواية «ثورة اليمن» وقد نشرها مسلسلة في مجلة «روزاليوسف» عام 1965 فان هناك تشابها ملحوظاً بين الأحداث، فنحن أمام الحاكم النمطي، الظالم، البالغ القسوة الذي يتسم بالشهوانية، الذي يقرر أن يتخلص من معارضيه، وقد جعل الفيلم من المعارضين شاباً واحداً فقط، هو طالب يمني يدعي منصور، سافر إلي مصر للدراسة، فلما عاد إلي بلاده كانت عودته سبباً للأرق الحاد لدي الحاكم، فحاول التخلص منه وقد تغيرت مسألة زحف الجماهير هنا، حيث إن التاريخ يقول إن الجيش هو الذي قام بالانقلاب في اليمن، وليس ذلك الطالب المهندس الذي عاد لتطوير بلاده فقرر أن ينضم إلي إحدي المنظمات السورية. ثورة الإنتاج لاشك أن التظاهرات الكبري في السينما المصرية في تلك الآونة قد بدت في أحسن حالاتها في فيلم «بين القصرين» لحسن الإمام 1964 ولاشك أن السيناريو الذي كتبه يوسف جوهر قد ازدحم بأجواء المظاهرات بشكل أكثر من حدوث ذلك في رواية نجيب محفوظ، ومن الواضح ان الإنتاج قد لعب دوره في هذا الشأن، فلاشك أن تجميع كل هؤلاء المتظاهرين عدداً بملابسهم التي تنتمي إلي العقد الثاني من القرن العشرين، يحتاج إلي المزيد من التكاليف الإنتاجية وعليه فقد زادت مساحة تواجد التظاهرات ضد الاستعمار البريطاني، ومن أجل إعادة سعد زغلول وزميليه من المنفي وقد كان ذلك في صالح الأجواء السياسية في الفيلم بشكل جعلنا ننسي أننا داخل ثورة شعبية طويلة المدي وليس أبداً مظاهرة طلابية، لذا امتد التصوير إلي داخل المساجد والكنائس، وداخل مبني الجامعة وفي الشوارع، وقد تجددت هذه التظاهرات من داخل المدينة إلي أماكن عديدة ولملمت الشباب والطلاب وأيضاً كبار السن من الرجال وأحياناً الصبية، ثم ساءت الأحداث بشكل طبيعي كي تحدث هدنة مقابل تظاهرة جديدة سلمية احتفاء بعودة سعد زغلول وفي يوم المظاهرة قامت قوات البوليس بإطلاق النيران علي المتظاهرين السلميين فأردوا منهم الكثير قتلي، ومنهم فهمي ابن السيد أحمد عبدالجواد. رغم الفارق الشديد بين الواقع الذي نعيشه، وبين التمثيل السينمائي فإن مشهد النهاية في فيلم «بين القصرين» وهلع المتظاهرين الذين يحاولون الإفلات من الرصاص الحي يذكرني بأي تظاهرة جماعية كبيرة مثلما نري
الآن أو مثلما رأينا في الواقع من قبل، فالناس في حالة هلع وبعضهم يستقبل الرصاص الحي في صدره. لم نتعرف علي شكل المظاهرات كما نعرفها في السينما التي تم إنتاجها في السبعينات خاصة أن هذه الأفلام قد تم إنتاجها لمناصرة «أحداث 15 مايو» التي أسماها صاحبها «ثورة» وذلك باستثناء مشهد النهاية في فيلم العصفور ليوسف شاهين عام 1974، حين خرجت جحافل الجماهير لاستعادة زعيمها المتنحي مرة أخري، فامتلأت الشوارع بهم، ينادون «ح نحارب» وقد قام الفيلم بتحريف الكثير من الواقع لصالح النظام السياسي القائم آنذاك، فقد سمعت بنفس الجماهير تنادي باسم عبدالناصر في 9 يونية 1967، وليس ب«ح نحارب» مثلما جاء في الفيلم. تاريخ «يسقط العسكر» أما الأفلام التي أدانت جمال عبدالناصر وعصره في عهد السادات فلم تكن بحاجة إلي أي تظاهرات مثل التي نعرفها ولم يكن هذا النظام يسمح بأي حرية لانتقاده لذا كانت الأفلام المنتجة أقرب إلي انتقاد النظام السابق لإثبات حسن سير وسلوك النظام الذي كان مقاماً، وقد ظهر الفيلم السياسي المضاد بقوة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك قويا، وقد بدت الرقابة بالغة الجرأة، وهي تصور التظاهرات الطلابية والاجتماعية والسياسية ضد النظام القائم بما يري أن الحاكم السابق كان يري أن علي الناس أن تتنفس بعض الحرية في مقابل أن يفعل هو مايشاء، علي غرار ما صرح به نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك يوما إلي مجلة «روزاليوسف» أن «اليسار حقيقته واقعة والرافضون عواجيز فرح» حيث كان يؤمن دوماً أن المعارضين هم عواجيز فرح.. عليهم الصياح، وعدم المساس بالسلطة الحاكمة. في هذه الفترة تألق الفيلم السياسي معبراً عن قوة المعارضة حيث إن المعارضة لا تشتد إلا كلما اشتد فساد النظام وقد خرجت المظاهرات في الأفلام تعبر عن الغضب الجماهيري في الكثير من أفلام هذه الفترة خاصة في العقد الأول من القرن العشرين، حيث كانت أغلب التظاهرات تقف ضد التطبيع مع إسرائيل أو ضد التوريث أو ضد الفساد الذي تفشي في الأجهزة السياسية أو الاجتماعية. ولعل من أهم المظاهرات التي خرجت بشكل مكثف هي مظاهرات الطلاب في جامعة القاهرة في فيلم «العاصفة» عام 2001 أول أفلام خالد يوسف، هؤلاء الطلاب يتظاهرون لأسباب عديدة منها احتلال الكويت، وأيضاً بسبب الطبيع.. وقد خرج إلي هذه المظاهرات الأخوان الطالبان ناجي وعلي في البداية إلا أنه بعد غزو العراق فان زملاء وأصدقاء الشقيقين يشاركون في مظاهرات الطلاب وقد تم إخراج المظاهرات بشكل متقن ورأينا الكثير من ممثلي الكومبارس يملئون الكادر معبرين عن ضخامة الإنتاج وان تظاهرات الأفلات المصرية لم تعد تضم عشرات الأشخاص بل صار العدد أكبر من ذلك بكثير، وفي نفس العام رأينا مظاهرات هزيلة وفكاهية في فيلم «رشة جريئة» إخراج سعيد حامد، ثم عادت المظاهرات الجماهيرية بشكل مختلف تماماً في فيلم «عايز حقي».. حين خرج أبناء مصر وتجمعوا خارج وداخل القاعات الكبري من أجل بيع وطنهم بأسهم بخسة الثمن، وتجمع المصريون علي كلمة سواء في الفيلم الذي أخرجه أحمد جلال عام 2003، كانت التظاهرة هنا سلبية في المقام الأول، فالناس تريد بيع أوطانها مهما كانت العواقب، وقد تظاهر الناس مرة أخري حين نبههم صابر الطيب إلي خطورة ما سيفعلونه، ويحدث انقسام بين الناس حول بيع الوطن أو الاحتفاظ به. عادت المظاهرات الطلابية قوية مرة أخري في بعض مشاهد من فيلم «عمارة يعقوبيان» إخراج مروان حامد عام 2006، ولأننا أمام إنتاج ضخم، فقد تمت الاستعانة بمئات من الكومبارس وهنا بدأت المظاهرات تأخذ الشكل الديني السياسي المعارض وقد انتمي الطالب طه إلي هذا التيار، بعد ان صدم في عدم قبوله طالباً بالكلية الحربية، واشترك في مظاهرة دامية، راح يردد فيها هو وزملاؤه «إسلامية إسلامية» وسرعان ما حدث الصدام بين قوات الأمن المركزي المسلحين بأحدث وسائل المواجهة العنيفة، وبين المتظاهرين وجميعهم من الطلاب وتم اقتياد طه إلي المعتقل وهناك تم هتك عرضه مثلما يمكن أن يحدث لزملائه. وقد صور الفيلم أجواء المظاهرات بشكل صادق، حيث خرجت قوات الأمن بعتادها، ورجالها، وقاوم شباب المتظاهرين بقوة وجبروت ملحوظ، وبدت الكاميرا محايدة تماماً تجاه مايحدث دون أن تبين أي طرف من الاثنين. صورة من الميدان كما أن المخرج محمد أمين صور مظاهرات طلابية أخري في فيلمه «ليلة سقوط بغداد» عام 2005، الذي قام ببطولته أحمد عيد، وهو الممثل الذي عمل في مجموعة من الأفلام السياسية الكوميدية ومن بينها فيلم «رامي الاعتصامي» الذي يدور حول الاعتصام الشبابي أكثر من المتظاهرات بمعني أن مجموعة شباب يتركون أعمالهم وحيواتهم ويقومون هنا بالاعتصام أمام مبني رئاسة الوزراء ويقدمون مجموعة من المطالب الشبابية والفئوية علي الحكومة تنفيذها، وقد صيغت الاعتصامات هنا في شكل سافر حيث قام بها في البداية مجموعة من أبناء ورجال الأعمال انضم إليهم فيما بعد بعض الشباب من الإسلاميين وأيضاً أبناء المناطق العشوائية واستجابت الحكومة لمطالبهم وتم فض الاعتصام. لم يحدث أن رأي المصريون أنفسهم يجتمعون بالملايين في ميدان واحد، وأيضاً مجموعة ميادين في مدن مصرية عديدة إلا حين قامت ثورة يناير وقد طرح السؤال بشكل سريع حول الصورة التي سوف تعبر بها أفلام المستقبل عن هذه الثورات المليونية المحتشدة بالناس، وهي التي لم تتوقف طوال عشرة أشهر حتي صباح اليوم، وقد أراد بعض السينمائيين اقتناص الحدث بكل ذكاء، فقاموا بمزج أفلامهم بمشاهد تسجيلية أو حية تم التقاطها في ميدان التحرير وحاول بعض المخرجين عمل مشاهد تمثيلية للتظاهرات المحتشدة بالبشر، وشهد عام 2011 عدة أفلام أدخلت إليها الثورة منها فيلم «الفاجومي» لعصام الشماع، و«صرخة نملة» لسامح عبدالعزيز وأخيراً فيلم «أمن دولت» وكل هذه التجارب بمثابة إرهاصات تعكس رغبة السينمائي المصري في أن يؤكد أنه شارك في الثورة وقام بتأييدها وهي تجارب من الصعب رصدها بشكل بانورامي متكامل الآن، فهي في حالة تموج وحركة لم تقل فيها الكلمة بكل معانيها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.