نقلاً عن اليومى.. هل كان جمال عبدالناصر رجلاً كافرًا؟ سؤال سخيف.. أليس كذلك؟ هل حارب عبدالناصر الإسلام واعتقل المتدينين؟ سؤال أسخف.. ألا تتفق معى؟ لقد صدعت جماعة الإخوان رؤوسنا بالاتهامات التى وجهتها إلى عبدالناصر بأنه رجل يخاصم الدين ويقف له بالمرصاد، وذلك منذ تعاون معهم الرئيس السادات فى مطلع سبعينيات القرن الماضى! ثم شط الإخوان فى هجومهم على الرجل حتى اتهموه بأنه كان عقبة ضد تدين المصريين، وكأن المصريين لم يعرفوا الدين إلا مع حسن البنا وجماعته! على أية حال.. ليس سوى الفن من يضىء لنا هذه الحقبة المهمة فى تاريخ مصر والمصريين، وأعنى بها فترة حكم عبدالناصر، فالفن مرآة للمجتمع تعكس بطرق مختلفة ومتنوعة ظروف العصر وطبائعه والمزاج العام للجماهير، ولعل الأغنية خير مثال على العصر لأنها سريعة الانتشار، ويرددها الناس بسهولة، فهيا نراجع معًا بعض كلمات الأغنيات التى انطلقت فى عهد عبدالناصر وأحبها الناس ورددوها لنكتشف كم كان الرجل مؤمناً عاشقاً لوطنه ودينه! الفاتحة والتحيات فى أغنية «حرية أراضينا فوق كل الحريات» يشدو عبدالوهاب قائلاً «غنى لى يا ليالى ع الماضى اللى صنعناه/ وتراب مصر الغالى والنيل اللى عشقناه/ وعلم مصر العالى/ واحنا وولادنا فداه/ وهايفضل طوالى طوالى بإذن الله»، ثم يكمل «فى طريق الاشتراكية اختار الشعب حياة/ فاتحتها الحرية وتحياتها المساواة/ والروح العربية كرامتها صيام وصلاة/ والعزة المصرية ما تذل لغير الله». حسب علمى.. لا توجد أغنية مصرية بها كل هذه المفردات الدينية الصريحة «فاتحة/ تحيات/ صيام/ صلاة/ بإذن الله». ثم يطل علينا عبدالوهاب بعد هزيمة 1967 مباشرة بأغنية تضج بالحماس والأمل اسمها «حى على الفلاح».. طبعًا لاحظ البعد الدينى فى اسم الأغنية، إذ يصدح عبدالوهاب هكذا «طول ما أملى معايا معايا وفى إيديا سلاح.. هافضل أجاهد وامشى وامشى من كفاح لكفاح.. طول ما إيدى فى إيديك أهو نقاوم واهتف وأقول.. حى حى على الفلاح»، ثم يتابع بالحماس ذاته «دارى يا دارى أنا أحميك بإيمانى/ طول ما دراعى معايا ابنى واعلى بنيانى». «مدنة ومدنة» الكل يعرف أن عبدالحليم حافظ نال نصيب الأسد فى الغناء للفترة الناصرية وتمجيد زعيمها والحفاوة بما أنجزه المصريون فى ذلك الزمن، وقد احتشدت فى أغنياته مفردات وعبارات تدل على الإيمان الشديد، والتوكل على الله. ومن ينسى أغنيته الجميلة «صورة» التى كتب كلماتها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل، حيث يقول فيها «على مدد الشوف مدنة ومدنة.. دى لصلاتنا ودى لجهادنا»، ثم يقول «من أصغر طفلة بجدايل/ على زرع ودرس بتتمايل/ للفلاح أبو خير وجمايل/ للواعظ حافظ القرآن/ للجندى الأسد اللى شايل على كتفه درع الأوطان»، ثم يفاجئنا فى نهاية الأغنية بهذه الجملة الشجية والمطمئنة «حلوين قوى كده وحياة ربى/ يا حبايبى باقولها من قلبى». وفى «يا أهلاً بالمعارك» التى كتبها جاهين ولحنها كمال الطويل أيضاً تعزف الموسيقى فى المقدمة نغمة الأذان، قبل أن يغنى عبدالحليم قائلاً «عبدالناصر يقول الله أكبر ويوم الأزهر فى وجدانى/ يا شعب قمنا لقهر الصعب من تانى»، ثم فى مقطع آخر «أدى نقطة بنقطة.. جميع الخطة وبالله نستعين». أما فى رائعته «بالأحضان» فيتفجر الإحساس الدينى بشكل غير مسبوق، إذ يشدو حليم مستوحيًا منطق الدعاء بعد جملة موسيقية ناعمة مستلهمة من تراثنا الإسلامى «يا رب العزة والقدرة بناديك يارب.. فى صلاة العيد.. عيد الثورة وأناجيك يارب» ثم كمن يرفع يده بالدعاء بينما الكورس يردد وراءه بعد كل دعوة بخشوع «آمين»، يقول حليم «يا رب انصر بلدى وأيدها.. آمين/ ثبت خطوتها وخد ايدها.. آمين/ يا رب اجعلنا نحقق كل خيال.. آمين/ اجعل يومنا الواحد بكفاح أجيال.. آمين/ فجر ينابيع الخير تحت اقدامنا.. آمين/ المستقبل خليه نور قدامنا.. آمين/ اللهم انظر لعملنا.. آمين/ بارك فى جهادنا ونضالنا.. آمين/ واحفظ ريسنا وبطلنا» ثم يندمج حليم بالكورس ويعلو الدعاء تدريجيًا أربع مرات بكلمة «يا رب». وبعد هزيمة 1967 مباشرة خرجت الجماهير تطالب عبدالناصر بعدم التنحى عن الحكم، وقد عبر حليم وجاهين والطويل عن مشاعر الجماهير الفياضة فى التشبث بزعيمها فى أغنية سريعة الإيقاع تدب فيها الحماسة بشكل نادر، ويتداخل فيها الدينى بالوطنى فى سبيكة فنية جميلة وهى أغنية «ناصر يا حرية» حيث يصرخ الكورس فى البداية هكذا «ناصر يا حرية/ ناصر يا وطنية/ يا روح الأمة العربية/ يا ناصر.. ناصر» ثم يندفع حليم بصدقه الفنى هاتفاً «الشعب يريدك يا حياته/ يا موصل موكبه لغاياته/ وحياة المصحف وآياته/ اسمك فى قلوبنا أغنية». حقاً.. لقد أبدع الثلاثى النادر حليم وجاهين والطويل فى إنجاز عدة تحف غنائية أيما إبداع، الأمر الذى جعل القلوب تنتفض بعشق الوطن كلما استمعت إلى إحداها. أنوى.. سمّى.. صلّى.. كبّر المثير للإعجاب أن كل الفنانين فى ذلك الزمن شاركوا -مخلصين- بالغناء والحفاوة بتلك المرحلة، فمحمد فوزى، على سبيل المثال، له أغنية وطنية فاتنة يحتفى فيها بالوطن، ويؤكد فيها أن الله عز وجل يحفظ هذا الوطن. يقول مطلعها «بلدى أحببتك يا بلدى.. حبًا فى الله وللأبد»، ثم يعلو صوته شاديًا «وطنى والله رعى وطنى/ حرًا فى الأهل وفى السكن». أما السيدة أم كلثوم، صاحبة أنصع سمعة فى تاريخ الغناء العربى على مر العصور، فقد عززت أغنياتها فى عهد عبدالناصر بالكثير من المفردات والمعانى التى تستلهم أنبل ما فى تراثنا الدينى والإيمانى، ولكنى سأتوقف عند واحدة من أعذب وأجمل ما غنت كوكب الشرق لما تحتشد بها من كلمات وعبارات تخاطب الضمير الدينى لدى كل منا ممتزجًا بالحس الوطنى فى تضافر فنى عجيب ومدهش، وأذكر أن صديقنا الصحفى الكبير الأستاذ سعيد الشحات أخبرنى أن المرحوم خالد الابن الأكبر لجمال عبدالناصر قال له إن أباه -الزعيم الراحل- كان يحرص على سماع هذه الأغنية كل صباح بعد هزيمة 1967، والأغنية هى «حق بلادك» التى كتب كلماتها عبدالوهاب محمد ولحنها العظيم رياض السنباطى. تبدأ الأغنية بهذا المطلع الموحى الذى يغنيه الكورس بإحساس رزين يحض على النهوض سريعًا «قوم بإيمان وبروح وضمير/ دوس على كل الصعب وسير/ حق بلادك وحده عليك/ عايز منك سعى كتير»، بعد ذلك تعلن أم كلثوم «ربنا مش هايضيع أبدًا أجر مجاهد يتقن عمله»، وفى نهاية الأغنية تؤكد أم كلثوم «كلنا جندى فى كل ميدان/ هنا وهناك وفى أى مكان/ الزراع ويا الصناع/ أهل العلم مع الفنان/ زى ما لينا حقوق مشروعة/ ندّى وطننا حقوقه كمان/ أنوى.. سمّى.. صلّى.. كبّر/ توصل فوق المعجزة وأكتر». أرأيت حجم النبرة الإيمانية التى تشع من كلمات الأغنية؟ لكن أرجوك لاحظ براعة الشاعر فى كونه جعل «الزراع والصناع وأهل العلم» مجموعات وكتل بشرية، بينما جعل الفنان فردًا فقط، لأن الفنان عملة نادرة، فأنت تجد ملايين الزراع والصناع فى أى مجتمع، لكنك لن تجد سوى قلة من الفنانين فى ذلك المجتمع، وهو ذكاء شديد من عبدالوهاب محمد. أرجو ألا تظن أننى كنت فى هذه الإطلالة السريعة أحاول الدفاع عن عبدالناصر الإنسان المؤمن فى مواجهة خصومه من الإخوان الذين اتهموه ظلمًا بالكفر والضلال، أرجو ألا تظن ذلك، فقط كنت أحاول أن أستعيد معك بعض الأغنيات الرائعة التى مرّت على حياتنا وأسهمت فى تشكيل وجداننا وذائقتنا، أقول.. كنت أحاول.. وعسانى قد أفلحت! للمزيد من تحقيقات وملفات... قانونيون وسياسيون يثمنون اتجاه الرئاسة لتشديد عقوبة التصويت مرتين بالاستفتاء.. حامد الجمل: قد تصل للمؤبد.. شوقى السيد: رادعة لدعوات التزوير.. زكى: إجراء إيجابى.. بهاء الدين شعبان: تطبيق للديمقراطية حملات الحالمين ب"الاتحادية" تكثف نشاطها رغم عدم إعلان الترشح رسميا.."كمل جميلك":المتطوعون تركوا عملهم لجمع توقيعات ل"السيسى"..و"مرشح الثورة":صباحى أعلن نيته خوض السباق.. و"موافى" يروج لنفسه وللدستور وزير التنمية المحلية: لا تغيير فى المحافظين أو المحليات بعد الاستفتاء .. اللواء عادل لبيب: الفساد موجود فى كل مكان بالعالم ولن نستطيع القضاء عليه بالكامل وننقل القيادات الفاسدة للمناطق النائية