سفير مصر بإريتريا: أول أيام التصويت بانتخابات الشيوخ كان يوم عمل ما تسبب في ضعف الإقبال    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    سفير مصر بطوكيو: يتبقى 5 ساعات لغلق باب الاقتراع في انتخابات مجلس الشيوخ    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 بعد وصوله لأعلى مستوياته عالميًا في 7 أيام    الطماطم ب 6 جنيهات.. أسعار الخضروات اليوم السبت 2 أغسطس 2025 بأسواق الأقصر    أجواء غائمة وفرص أمطار تمتد للقاهرة.. حالة الطقس اليوم السبت 2 أغسطس 2025    موعد بدء الدراسة 2026 للمدارس الحكومية والدولية في مصر.. الخريطة الزمنية للجامعات    «قلبي مكسور».. رحمة حسن تثير قلق جمهورها بعد تساقط شعرها    55.7 مليون جنيه.. إيرادات فيلم الشاطر بعد 17 ليلة عرض (تفاصيل)    «بالهم طويل».. 5 أبراج تتحلى بالصبر    «100 يوم صحة» تقدم 26 مليونًا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يومًا    «الصحة» تطلق المنصة الإلكترونية التفاعلية لأمانة المراكز الطبية المتخصصة    ماسكيرانو: نحلم باستمرار ميسي مع إنتر ميامي.. والقرار بيده    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    الوطنية للانتخابات: تطور ملحوظ في وعي المواطنين واهتمامهم بالشأن الانتخابي    ضبط مالك مكتبة "دون ترخيص" بالقاهرة    توقيع بروتوكول تعاون بين الجمارك والغرفة التجارية بالقاهرة لتيسير الإجراءات الجمركية    استشهاد 23 فلسطينيا في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    الدفاع الروسية: اعتراض وتدمير 112 طائرة مسيرة أوكرانية    مواعيد مباريات السبت 2 أغسطس 2025.. البدري ضد كهربا وافتتاح أمم إفريقيا للمحليين    مواعيد مباريات اليوم السبت 2- 8- 2025 والقنوات الناقلة    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    يحيى عطية الله يعود إلى الوداد بعد موافقة سوتشي الروسي    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    الرئيس البرازيلي: نستعد للرد على الرسوم الجمركية الأمريكية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    «مياه الإسكندرية» تنهي استعداداتها لتأمين انتخابات مجلس الشيوخ    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    مصطفى عبده يكتب: خيانة مكتملة الأركان    ذات يوم.. 02 أغسطس 1990.. اتصالات هاتفية بالرئيس مبارك والملكين فهد وحسين لإبلاغهم بمفاجأة احتلال العراق للكويت ومحاولات الاتصال بصدام حسين تفشل بحجة «التليفون بعيد عنه»    جامعة قناة السويس تستضيف الملتقى الأول لريادة الأعمال.. وتكرم الفرق الفائزة    وفاة عم أنغام .. وشقيقه: الوفاة طبيعية ولا توجد شبهة جنائية    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا عن مجلس الشيوخ.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    وسط قلق وترقب المصريين، آخر تطورات أزمة قانون الإيجار القديم وموعد الصدور    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    أسعار السبائك الذهبية اليوم السبت 2-8-2025 بعد الارتفاع القياسي العالمي    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    جريمة تهز سيوة.. مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة وإصابة ابنهم    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد شفيق كامل... شاعر الحب والثورة الذى أطلقت إسرائيل علىأحد شوارعها اسم أغنيته «إنت عمرى»
أقنعه الشعراوى بالاعتزال.. واكتشف أن صديقه الشيخ كشك «سميع أغانى» ويعشق صوت عبدالوهاب
نشر في اليوم السابع يوم 09 - 04 - 2009


أم كلثوم وأحمد شفيق كامل
أعرف تماما لو كان الشاعر الغنائى الكبير الراحل أحمد شفيق كامل يعيش بيننا لكان أكثر الناس حزنا على قيام إسرائيل بإطلاق اسم أغنيته الشهيرة «إنت عمرى» على أحد شوارع «نفيه إيلان» بالقرب من مدينة القدس المحتلة، والذى من اللجنة المحلية الإسرائيلية المختصة بأسماء الشوارع.
أعرف من باب اقترابى بالشاعر الراحل منذ عام 1995 وحتى رحيله فى شهر سبتمبر من العام الماضى، أن إسرائيل ظلت فى كيانه العدو الأول، الذى يجب أن توجه إليه مدافع الشعر، ومن هذه القناعة استجاب لإلهام الشعر أثناء الانتفاضة الفلسطينية المسلحة التى اندلعت عام 2000، وذلك بعد اعتزاله لأكثر من عشرين عاما، فكتب قصيدة «يوم القيامة قام» وراجعتها معه كلمة كلمة، وحملتها بنفسى إلى الشقيقة جريدة «العربى» لنشرها على صفحة كاملة، يومها قال لى: «فلسطين وحدها هى التى أجبرتنى على العودة، ومستعد أعملها فى أى وقت عشان فلسطين»، إسرائيل أيضا هى التى دفعته لتأليف أغنيته الخالدة «خلى السلاح صاحى» التى قدمها عبدالحليم حافظ من ألحان كمال الطويل عقب قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فى حرب أكتوبر عام 1973، كانت «خلى السلاح صاحى» واحدة من أغنيات وطنية خالدة ألفها، وقدمها عبدالحليم حافظ فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وبالتوازى كانت «إنت عمرى» افتتاحية لمجال تعاون مع أم كلثوم، شملت «أمل حياتى»، و«الحب كله»، و«ليلة حب»، وضعت هذه الأغنيات أحمد شفيق كامل فى مصاف كبار شعراء الأغنية فى القرن الماضى، لكنه فى لحظة ما اختار الاعتزال، وتلك قصة تستحق أن تروى كما عرفتها منه، وأبطالها كانوا ثلاثة من كبار الدعاة هم الشيخ محمد متولى الشعراوى، والشيخ عبدالحميد كشك، والشيخ ياسين رشدى.
رحل أحمد شفيق كامل فى سبتمبر من العام الماضى، وهو على عهده، يكره إسرائيل، ويحب جمال عبدالناصر والعروبة، ويحب محمد عبدالوهاب، والدعاة الثلاثة الشعراوى، وكشك، ورشدى.
كان صالون منزله تتزين جدرانه بهذه الشخصيات الخمس، والملفت فيها أن الشعراوى كان ببدلة وليس بزيه المعتاد «جلباب وعباءة»، وحين ذهبت إليه أول مرة لاحظ اهتمامى بالصور، سألته:«الأضداد يتجاورون»، علق: «رحمهم الله، هم عند ربهم والله وحده أعلم بالنوايا».
كان جمال عبدالناصر هو الحاضر الدائم فى كل أحاديث أحمد شفيق كامل معى، فمن عنده تأتى أغنية «إنت عمرى» بكل ما فيها من رومانسية حالمة، ومن عنده يأتى الحديث عن أغانيه الوطنية، ومن عنده أيضا يأتى الحديث عن الدعاة الثلاثة.
تدخل عبدالناصر من أجل لقاء يجمع أم كلثوم وعبدالوهاب فكانت أغنية «إنت عمرى» ويحكى سامى شرف مدير مكتب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مقدمات هذا اللقاء، باستقباله الموسيقار محمد عبدالوهاب فى مكتبه برئاسة الجمهورية شاكيا له أحد المسئولين الكبار السابقين والذى توجه إلى عبدالوهاب فى منزله، طالبا منه الحصول على شرائط لألحان نادرة، وأخرى بدأ فيها عبدالوهاب ولم يستكملها، وقال المسئول لعبدالوهاب إنه سيستمع إليها ثم يعيدها إليه، لكنه لم يف بوعده وظل يماطل فى استرجاع هذه الكنوز النادرة، رفع سامى شرف شكوى الموسيقار الكبير إلى جمال عبدالناصر، فاستدعى المسئول السابق ومعه المقتنيات النادرة، وأعادها إلى عبدالوهاب، ومعها رسالة شفهية من عبد الناصر: «متى سنرى لقاء فنيا بينك وبين أم كلثوم؟»، دارت أحداث هذه القصة عام 1963، وبعدها بعام وفى احتفال عيد العلم كان تكريم أم كلثوم وعبدالوهاب من عبدالناصر، فسأل عبدالناصر الاثنين: «متى سنرى لقاء فنيا بينكما؟»، لتبدأ العجلة فى الدوران.
كانت كلمات «إنت عمرى» عند عبدالوهاب، أعطاها له أحمد شفيق كامل ليغنيها بنفسه، كان شفيق كما يقول: «عشت وهابيا فى الغناء، عبدالوهاب هو أجمل صوت بشرى سمعته فى حياتى، وأنا صغير وعدنى والدى بخمسة جنيهات لو نجحت بتفوق فى الابتدائية، وسألنى ماذا ستفعل بها، قلت له سأشترى عبدالوهاب، كنت أظنه بلبلا،كروانا، شيئا جميلا يمكن أن أشتريه»، يضيف شفيق: «عبد الوهاب كان من مزاياه التى لا تقل عن موهبته فى الغناء والتلحين امتلاكه لشىء أسميه «رادار الكلام»، كان فى مرحلة من حياته يمر بظروف شخصية صعبة، ويصطحبنى معه إلى السينما، ولاحظت فيه أنه كلما جاءت كلمة جميلة ومعبرة فى حوار الفيلم، وقبل أن يشعر بها أى مشاهد ينطق هو: «الله»، وأنا كلما كنت أبدأ فى تأليف أغنية جديدة، أجرى على التليفون لأقرأ له، ثم أحكم على ما أكتب من رد فعله، إذا استمعت منه إلى: «الله» أستكمل مهمتى، وبقيت على هذا الأمر طوال فترة تأليفى، وفى أغنية «إنت عمرى» قال بعد المقطع الأول: «الله.. ملينى يا أحمد الكلمات»، كان من عادة عبدالوهاب كتابة «بسم الله الرحمن الرحيم» على الورقة التى فيها أشعار الأغنية التى يعتزم تلحينها فقط، ثم يبدأ فى كتابة اللحن، وفعل ذلك مع «إنت عمرى»، على أساس أنه سيغنيها هو، ويوجد عندى تسجيل بصوته، يختلف جذريا عن اللحن الذى قدمته أم كلثوم.
لم تكن أم كلثوم فى الصورة نهائيا، حتى طلب عبدالناصر التعاون، فأخرج عبدالوهاب الكلمات من دولابه، وبدأت اللقاءات فى فيلا أم كلثوم التى طلبت تغيير مطلع الأغنية: «شوقونى عينيك»، وكاد هذا المطلب يفسد اللقاء، لكنه انتهى إلى ما نستمع إليه الآن: «رجعونى عينيك لأيامى اللى راحت»، يرى شفيق أنه لولا مطلب عبدالناصر ما كان التعاون بين القطبين، فكلاهما ظل ينظر إلى بعضهما بعين الشك والريبة، عبدالوهاب كان زعيما وأم كلثوم كذلك، وتصور الاثنان أن التعاون بينهما سيسحب منهما ولن يضيف.
سألت أحمد شفيق كامل: «ما الذى ساهمت به «إنت عمرى» فى الغناء الكلثومى خاصة، والعربى عامة؟»، فأجاب: «كان رياض السنباطى يحتكر صوت أم كلثوم حتى جاء عبدالوهاب فأعطاها الشباب، والشاعر الراحل صلاح جاهين أفضل من عبر عن هذه الحالة، وذلك حين رسمها فى الأهرام وهى تنط الحبل، أيضا كان عبدالحليم حافظ هو المسيطر على الشباب بأغانيه القصيرة والسريعة، ولما جاءت «إنت عمرى» وضع عبدالوهاب جمهور عبدالحليم فى علبة، وأهداها إلى أم كلثوم، أمدنى شفيق بقصاصات ورق يحتفظ بها عن ردود الفعل على الأغنية، كان أبرزها رأى للمفكر الكبير عباس محمود العقاد يقول فيها: «كلماتها ولحنها وأداؤها كفلت لها النجاح... إن أم كلثوم سبقت فيها نفسها، وجلا الملحن صوتها بعبقرية فذة، أما الكلمات فهى فى مجالها لا تقل عن مستوى اللحن أو الأداء، وما قيل من أم كلثوم أنها قد غيرت بعض الألفاظ فإن التغيير كان إلى الأجمل وإلى الأحسن، فكلمة «رجعونى» مثلا أقوى من «شوفونى»، لأنها شوق وعمل.
قدم شفيق لأم كلثوم بعد «إنت عمرى» أغنيات «أمل حياتى» و«ليلة حب» ألحان عبدالوهاب، و«الحب كله» لبليغ حمدى، فيما بدا أنه خصص العاطفى لأم كلثوم، وقبلها بدأ تخصصه فى الوطنى بحنجرة عبدالحليم، كان عبدالحليم كما يشير شفيق هو منطقة الصدق فى هذه الأغانى: «كان زى ما بيقول كامل الشناوى لا يصدقه أحد إلا إذا غنى..متكامل فى أحاسيسه وهذا ما جعله صوت الثورة، لما أسمع كلامى اللى كتبته له، كأنى أسمعه أول مرة، عبدالحليم يغنى الوطنى تصدقه يغنى العاطفى تصدقه، الموال تصدقه، إنسان تربى يتيما، شرخ الألم اللى موجود فى صوته كان من تأثير تربيته».
قسمة شفيق فى جعل العاطفى لأم كلثوم والوطنى لعبد الحليم انكسرت مرة واحدة حين كتب لأم كلثوم أغنية وحيدة من ألحان رياض السنباطى: «بسم مين يا خارجين على الشعب.. بسم مين» وكانت عام 1961 بعد ساعات من إعلان انفصال سوريا عن مصر وفشل تجربة الوحدة التى قامت عام 1958. أذيعت الأغنية حسب قوله يوما واحدا، وتم منعها بعد ذلك هى وأغنيات أخرى بقرار من عبدالناصر لأنه رأى فيها تحريضا ضد سوريا.
هذا الزخم من العطاء الشعرى الغنائى فى المجالين العاطفى والوطنى، خرج من قلبهما قصة اعتزال أحمد شفيق كامل، وأعود هنا إلى الصور المعلقة على جدران صالون منزله فى شارع القصر العينى، طلبت منه أن أعرف قصة الدعاة الثلاثة معه «الشعراوى وكشك وياسين رشدى»، فجاء كلامه:
«عرفت الشيخ الشعراوى، قبل ظهوره إعلاميا على أيدى الإعلامى أحمد فراج، كان يعمل فى جدة بالسعودية أستاذا فى جامعة الملك عبدالعزيز، وكنت أنا وزيرا مفوضا فى السلك الدبلوماسى، وتوطدت العلاقة بيننا، ولم يكن يعرف اننى مؤلف أغنية «انت عمرى»، وحين عرف ضحك كثيرا. استمرت العلاقة هنا فى مصر وكنا نتزاور عائليا، وعلى نفس المقعد الذى تجلس عليه كان يأتى، نتبادل الحديث والمشورة، وقبل أن أخرج إلى المعاش بفترة، وبالتحديد فى عام 1983 قال لى: «إيه رأيك يا أحمد انت غنيت للدنيا كتير، وسيبك من كده واعمل للى انت رايح له»، يضيف شفيق: كنت مستعدا، وشوف كمان لما تستقبل الكلام ده من رجل دين أنت تحبه».
هزمت نصيحة الشعراوى إلهام الشعر عند شفيق قائلا: «كتبت أغنية عاطفية وأنا فى آخر خدمتى فى إسطنبول بتركيا، وكالعادة أسمعتها لعبد الوهاب فقال لى: «الحق ابعتها لى فى الحقيبة الدبلوماسية»، وهو ماحدث بالفعل، ثم أبلغت الشعراوى بها، فقال لى: «بلاش يا أحمد، انت نويت وخلى نيتك تمشى»، وتصادف أن عبدالوهاب كان سيسافر لقضاء إجازته الصيفية فى أوروبا، وفى خطته أن يحمل معه الأغنية لتلحينها، لكنى توسلت إلى زوجته السيدة نهلة القدسى ألا تضعها فى الحقيبة، وتردها لى دون أن يشعر، وهو ما حدث بالفعل، ونجح مخططى، اقتناعا بما قاله لى الشيخ الشعراوى.
كان هناك من يقاوم رغبة شفيق فى هذه الخطوة فحسب قوله: «عبد الوهاب لم يوافق، وحاول إقناعى بالعودة لكنه استسلم فى النهاية، ولم يوافقنى أيضا صديقى الإعلامى الكبير أحمد سعيد الذى أتشاور معه دائما فى الكثير من أمورنا».
الوازع الدينى عند شفيق ظل قويا، فهو كما يقول كان دائم التردد أيضا على الشيخ شلتوت فى منزله بالضاهر فى الخمسينيات قبل أن يصبح شيخا للأزهر، وتعرف عليه عن طريق صديقه المطرب سعد عبدالوهاب ابن شقيق محمد عبدالوهاب، أضف إلى ذلك أنه كان يحتفظ فى بيته بشرائط نادرة لكبار مقرئى القرآن الكريم مثل الشيخ محمد رفعت والبهتيمى ومصطفى إسماعيل، والمنشاوى «الكبير» وغيرهم، ومن جانبى كنت أعرف أنه لا رد على التليفون، ولا زيارة إليه أوقات الصلاة، وفى أوقات العمرة يسافر إلى الأراضى المقدسة، ولما علم بمرض عضال أصابنى عام 2000، كان يتصل بى تليفونيا، وأردد وراءه الآية: «أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين» صدق الله العظيم، ويوصينى باستكمال الترديد 70 مرة.
من هذه الخلفية كنت أستمع إليه وهو يقص على قصته مع الشيخين عبدالحميد كشك وياسين رشدى، يضحك وأضحك معه على المواقف الطريفة فيها خاصة فى تأكيده أن الشيخ كشك كان «سميع» أغانى ممتاز، وبالذات لأغانى محمد عبدالوهاب، كان كشك ممن يندرجون تحت الدعاة المحرضين ضد رجال السياسة، من عبدالناصر إلى السادات، وتعاظمت موجته منذ السبعينيات وحتى التسعينيات. مسجده فى دير الملاك كان يأتيه الآلاف للاستماع إليه يوم الجمعة، وفى المحال التجارية كان صوته يلعلع للمارة والزبائن، وفى سيارات الميكروباص أدمن السائقون شرائطه، كان ظاهرة يجد فيها الناس تنفيسا عن عجزهم أمام ضيق الحال، وبقدر ما كان يهاجم السياسة والسياسيين، كان للفن والفنانين نصيب لا بأس به فى هجومه. سخر من أم كلثوم وعبدالحليم، عن الأولى ظل يردد: «شوفوا الست رجليها والقبر، وبتقول خدنى فى حنانك خدنى»، وعن عبد الحليم: «المدعو عبدالحليم حافظ هو المتهم الأول فى انحراف شباب مصر»، والمفارقة هنا أن الصداقة ستجمع بينه وبين الشاعر الذى كتب مقطع «خدنى فى حنانك خدنى» من أغنية «انت عمرى» وكتب لعبدالحليم أغانى وطنية، فكيف ولدت؟ وماذا شاهدت؟ يحكى شفيق:«عرفت هجومه الكاسح على أغنية «انت عمرى»، أثناء خدمتى فى التمثيل التجارى فى تركيا، وكان معى فى العمل صديق مستشار تصادف أنه صديق لكشك، وكان دائم الحديث معى عن هذه الصداقة، وتصادف أننى ذهبت لقضاء مناسك الحج، وقبل بدء الرحلة استمعت إلى الواعظ الدينى الخاص بها، وحدث خلاف فقهى بينى وبينه حول الحديث الشريف: «أى لحم نبت من الحرام النار أولى به»، وكنت أفهم أن المقصود به فى الحديث هو اللقيط، فقلت للواعظ: «وما ذنب اللقيط؟، ولم يجبنى بما يكفى ويقنعنى، فحملت الأمر إلى صديقى فى العمل وصديق الشيخ كشك فى نفس الوقت، وأوصيته أن يسأله، ولما حدثه رد كشك:«غريبة صاحبك بتاع إنت عمرى يسأل السؤال ده.. هو ماله ومال الكلام ده»، دافع صديقى عنى مؤكدا له أننى رجل متدين، وعن طريقه بدأ التعارف مع الشيخ وبدأت الصداقة.. كانت دماغه حجر اللى يجى فيها لازم ينفذه، أراد الرئيس السادات أن يأخذ معه هدنة بعد العديد من مرات اعتقاله، فأرسل زوجته السيدة جيهان للصلاة فى مسجده، وصورت الكاميرات، لكنه واصل الهجوم، فقلت له:«يا مولانا ليه كده زوجة الرئيس صلت وراك» فرد: «دى حاجة ودى حاجة يا أستاذ أحمد»؟.
يواصل شفيق.. رغم حدة كشك ولسانه اللاذع كان سميع أغانى من الدرجة الأولى، وكان يعشق أغانى عبدالوهاب، وأغلى هدية كنت أحملها له، كانت شريطا لأغنية نادرة لعبدالوهاب، عزمت مرة زيارته فى البيت لأتكلم معه فى قضايا دينية، وحين ذهبت إليه قلت له مداعبا: «إمبارح جيت عشان أعرف البيت قبل ما أجيلك النهارده، كده أنا عملت زى ما بيغنى عبدالوهاب.. مريت على بيت الحبايب... انتفض جسمه من الضحك «هأ. هأ. هأ» وبدأ يدندن:«مريت على بيت الحبايب.. وقفت لحظة»، ضحكنا وزادت سعادته وأنا أعطيه مجموعة من شرائط كاسيت جديدة لعبدالوهاب تم تسجيلها بإيقاعات عصرية.
يبقى الداعية ياسين رشدى فى ثالوث الدعاة الذين صادقهم أحمد شفيق كامل، كان الشيخ ياسين خطيبا لسنوات فى مسجد مصطفى محمود بالمهندسين، حتى انتقل الشيخ إلى الإسكندرية، كان المصلون بالآلاف يأتون إليه فى المسجد، وشاعرنا الكبير كان واحدا منهم، يقول شفيق: «مرة قال لى الشعراوى كلاما عما كتبته فهمت منه أنه مش راضى عنى، فذهبت إلى شقتى فى الإسكندرية حزينا، وقلت لنفسى أسأل ياسين رشدى، هل ما كتبته حرام ولا حلال؟... ذهبت إليه وكان يلقى حديثا لمريديه، وفوجئت وأنا أدخل عليه يقول: «ولا واحد بيقول.. قلنا حانبنى وآدى احنا بنينا السد العالى.. بأمارة إيه بيقول الكلام ده.. الله هو الذى يقرر.. ويأمر عباده.. وبعدين سد إيه الذى يتحدث عنه اللى بيسموه ويسمى نفسه شاعر»، ترك شفيق الشيخ يتحدث ثم فاجأه: «أنا يا مولانا الشخص الذى كتب الكلام ده» فرد: «مرحب يا سيدى، إيه حكايتك؟» فقلت له حكايتى.
لمعلوماتك...
◄كسر عزلته مع الانتفاضة الفلسطينية وكتب قصيدة «يوم القيامة قام»
◄1923 مولد أحمد شفيق كامل فى 4 نوفمبر
◄1945 أول قصيدة نشرت له وكانت فى مجلة الثقافة
◄ولد من عائلة تنتمى إلى قرية «ولسة»محافظة المنوفية
-عمل مديرا لمكتب الدكتور عبدالمنعم القيسونى بدمشق وقت أن كان وزيرا فى دولة الوحدة بين مصر وسوريا «الجمهورية العربية المتحدة»
-انتقل إلى العمل فى التمثيل التجارى لمصر فى الخارج وتدرج حتى أصبح وزيرا مفوضا
من أشهر أغنياته الوطنية: ذكريات - حكاية شعب - مطالب شعب، وأغانٍ أخرى بصوت عبدالحليم حافظ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.