لا شك أن ميزانية الصحة فى مصر منخفضة، بل تكاد تكون متدهورة، بالإضافة إلى نقص الإمكانيات والمعدات الطبية، وكل ذلك بسبب نقص الإنفاق من الدولة على ميزانية الصحة، حيث تعد مصر من أقل الدول إنفاقا على الصحة، حيث يقتصر نصيبها فى الموازنة على 4.9%، وهذا -مع الأسف- ليس مبررا للمسئولين لكى يتغاضوا عن حقوق الطبيب المصرى كموظف حكومى يدفع ربع عمره فى الدراسة، والربع الآخر فى العمل وعلاج آلام الفقراء. والأطباء، فى نفس الوقت، فقراء يظنّ المجتمع أنهم أغنياء يتقاضون كثيرا من الأموال، ولا يعرف أحد حقيقة ظروفهم من مرتبات لا تكفى متطلبات معيشتهم، وظروف عمل غير آدمية يندى لها الجبين، ورغم ذلك فهم يتحملون شتى أنواع الإرهاق فى أثناء علاجهم المرضى فى المستشفيات الحكومية، ويُشهد لهم بالكفاءة والصبر، ولكن -مع الأسف- عندما يمرضون فهم لا يجدون بدلا للعدوى غير 19 جنيها لا غير، فالطبيب أقل تكريما فى وطننا من أى فنان أو ضابط أو لاعب كرة، فيموتون ولا يشعر بهم أحد، وقد يتم إهانتهم إذا ما قاموا بإضراب، ولكن عند موتهم أو المطالبة بحقوقهم، فهم يموتون بصمت ولا يشعر بهم أحد، وتلك قصة أحد منهم.. الدكتور أحمد عبد اللطيف طبيب رعاية مركزة راتبه هزيل جدا، وبدل العدوى الذى يتقاضاه 19 جنيها فقط لا غير، أصيب بعدوى تنفسية مميتة من مريضة كان يضع لها أنبوبة حنجرية، وهو ما تسبب فى مرضه وحدوث فشل تنفسى حاد، وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعى فى أحد مستشفيات بنها وكانت حالته حرجة جدا. لم يهتم به أحد رغم النداءات والاستغاثات لذلك، توفاه الله تاركا زوجة وطفلة عمرها أيام.. "أحمد" بموته لم تنتهِ المعاناة، فهى معاناة كل طبيب مصرى يعمل فى الحكومة التى تتبع وزارة الصحة التى تحولت إلى وزارة "الموت المصرية"، أصبح كل طبيب وهو ذاهب إلى عمله الحكومى يحمل كفنه بدلا من حمل مرتبه. وإذا تأملنا حال الطبيب المصرى، فسنجد الإحصائيات التالية: 20% من الأطباء مصابون بالتهاب كبدى فيروسى (c)، خصوصا بعض التخصصات مثل الجراحة، والمعامل، والغسيل الكلوى، والنساء والولادة.. يصاب الأطباء بتليف الكبد، وبسرطان الكبد، ويحتاجون لأدوية أو لعمليات مرتفعة التكلفة، ولا توفر الدولة تأمينا كافيا على صحتهم، بينما بدل العدوى للأطباء هزيل للغاية، بدل العدوى للطبيب كان 228 جنيها سنويا (19 جنيها شهريا)، ثم تم رفعه بناء على قرار وزارى فى 20 أكتوبر 2012 إلى 230 جنيها سنويا أى بزيادة 16 قرشا شهريا، وهو ما يجعل 80% من الأطباء و90% من غير الأطباء العاملين فى مجال الصحة، دخلهم من عملهم الحكومى تحت خط الفقر، لذلك يجب على الحكومة سرعة التحرك ورفع ميزانية الصحة، رحمة بالشعب ورحمة بالطبيب المصرى الذى يدفع عمره فداءً للوطن، فالوقت الذى يتجاهله الوطن فى ميزانيته ويتركه يموت ليحظى بتلك الميزانية المشاهير وأبناؤهم.