من الأمور المثيرة لأى كاتب أو قارئ الآونة الحالية موضوع الحوار بين الأديان، وكيفية إيجاد سبل للتعايش بين أبناء الوطن الواحد. والأغرب والأدهش والأكثر عجباً أننا لا نزهق من الحديث عن سماحة الإسلام فى الدعوة إلى التعايش بين الأديان، وهذه حقيقة لا أستطيع إنكارها، والقرآن الكريم أسهب فى عرض ذلك وأكد عليه فى أكثر من موضع، مثل قوله تعالى : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). وعندنا فى الإسلام الحنيف شرط أساسى لدخول الفرد الإسلام، وهو الإيمان بسائر الرسل والكتب والأديان السماوية، وهو ما لا تجده فى أديان أخرى، كبعض الفرق المسيحية التى لا تعترف بمحمد، صلى الله عليه وسلم، أما نحن فشريطة دخولنا الإسلام تمام وكمال الإيمان بالرسل جميعاً دون تمييز أو عصبية، وبكافة الكتب السماوية التى أرسلها الله تعالى لأهل الأرض، يقول الله تعالى فى ذلك: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). فالإسلام دين يقبل الآخر ويتسع للتعايش مع المعتقدات والأديان الأخرى، وربما لن يجد الإنسان بصفته الإنسانية العامة ديناً رحباً مثل الإسلام، وتتمثل رحابة الإسلام فى قبول الأديان غير السماوية، بالإضافة إلى قبوله وتسليمه للتعددية والاختلاف، يقول الله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد). ورغم ذلك لا يزال الغرب يتساءل لوحده منفرداً بالعزف لماذا يكرهنا العرب؟ . والعرب تاريخياً لا يفطنون الكراهية، والدليل على ذلك سماحة أبنائه وقبولهم التعايش مع كل مستعمر ومحتل، ودعك من قضية فلسطين التى يصر البعض على تأكيد وحشية العرب والمسلمين هناك، لأن موضوع فلسطين شائك جداً ، ولك أن تتخيل رجلاً يصوب فوهة بندقيته نحو رأسك ورأس زوجك وأولادك، هل ستتركه يقتلكم جميعاً وتسرح أنت بنظرك فى ألوان قوس قزح؟. ومن المضحك جداً أن يختزل الغرب مليار مسلم فى مجموعة من الإرهابيين تقتل هنا، وتدمر وتفجر هناك، ومن المنطق نفسه لنا أن نتهم الغرب كله فى قتل آلاف الأبرياء من المسلمين فى البوسنة. الأغرب أن كثيراً من المحللين والمفسرين وآسفاً وبعض الشيوخ الأفاضل انبروا فى عرض وثيقة أوباما فى تغيير الصورة النمطية للإسلام، والأولى أن تسعى المؤسسة الدينية فى هذا، وأن ترسخ المراكز الإسلامية المنتشرة فى أوروبا لسماحة ورحابة الإسلام فى قبول الآخر والتعايش معه فى أمن وسلام. لماذا لا يستثمر رجال المؤسسة الدينية ميراث الخير فى قلوب الناس، والغرب بصفة رئيسية، فيوضحون أن الإسلام منهج حياة كامل، وقد أشرت إلى هذا فى مقالى "ما لا يعرفه أوباما عن الإسلام" من خصائص وسمات يتمتع به الإسلام وحده عن بقية الأديان السماوية. وإذا كان الغرب لا يرى سوى كراهية العرب والمسلمين لهم، ولا يرى فى الإسلام إلا الوحشية والعنف والتطرف والقهر والاستبداد والتمييز، وهل سننتظر رجلاً آخر يؤذن فى مسجدنا، ألا نجيد رفع الأذان كما نجود الغناء والموسيقى والعزف والرقص، أم أن ثقافتنا الإسلامية وما أفرزته من ثقافة الحوار والتعايش سلبت منا كما سلب كل ما أنتجناه من حضارة. وهل من المعقول أن ننتظر من الآخر أن يدعونا للحوار وإلى تعرف الآخر وثقافته ولغته وحضارته، ونحن دون تعصب أو تحزب أول من دعا إلى ذلك، ومن العجب أن يعلن الغرب ضرورة حوار الحضارات والأديان، وأن الإسلام دعا ولا يزال يدعو إلى حوار يستمد الاعتدال من روح الإسلام وتعاليمه التى تدعو إلى الوسطية مثل قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، والذى يفطن معنى الوسط يفطن أنه يعنى الاعتدال والمثالية وعدم التعصب، بحيث يكون حواراً بالكلمة الراقية والمنهج السوى. لقد بنينا وشيدنا مسجداً كبيراً وعظيماً ، ودعونا الناس ليلاً للصلاة فيه فى اليوم التالى، وغطينا أرضيته بأفخر أنواع السجاد غير الإيرانية الفارسية، بل عربية خالصة، وزينا جدرانه بنقوش عربية شرقيةأصيلة، وبرسمنا العثمانى للحروف، واجتمع المصلون، ونحن بانتظار مؤذن مجيد يرفع الأذان بصوت جميل، كى نعى ما يقول، ونتدبر ما يرتفع به صوته، ساعتها فقط سنتأهب بعد فراغه من الأذان لنقل: أقم الصلاة.