قال الكاتب الكبير صبرى حافظ، إن دور بعض المثقفين لا يختلف عن دور رجال الأمن فى دعم النظام الديكتاتورية، وأن دور فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، والذى حصل على جائزة شخصية العام الثقافية هذا العام من معرض الشارقة الدولى للكتاب لا يختلف عن دور حبيب العادلى وزير داخلية مبارك فى دعم نظامه. جاء ذلك خلال الندوة، التى عقدت ضمن فعاليات الدورة الثانية والثلاثين لمعرض الشارقة الدولى للكتاب، ضمن برنامج الفعاليات الثقافية التى نظمها "ملتقى الأدب" وحملت عنوان "صناعة الثقافة أم صناعة المثقف"، شارك فيها كل من الأديب والقاص المصرى يوسف القعيد، والناقد المصرى الدكتور صبرى حافظ، والدكتور محمد المطوع، والروائى البريطانى الجنسية الهندى الأصل رانا داوغستا، وأدارها الباحث والناقد المصرى زكريا أحمد، واعتبرت واحدة من أكثر ندوات معرض الشارقة الدولى للكتاب جدلية ونقاشاً. وبدأ القعيد الندوة بمحاولة تحديد مفهوم المثقف، مؤكداً بأنه إنسان يختلف عن البشر الآخرين، لديه إحساس بما يحيط به، مع القدرة على التنبؤ والتحليل، كما أنه يأتى لكى يعترض ويطرح الأسئلة الكبرى التى تطول كل شىء، ويعتبر مشكلات زمنه شأناً شخصياً، يشعر بها ويعبّر عنها. أما الثقافة فهى الإطار العام للقيم لأى مجتمع من المجتمعات فى أى مرحلة من تاريخه، وهى بالتالى قد تشمل النكتة كما هو الحال فى مصر على سبيل المثال. واعتبر القعيد أن عملية صناعة المثقف غير ممكنة، حتى فى ظل التقدم التكنولوجى فى الزمن الراهن، لأن الإبداع عملية فردية بحتة، سواءً كان المثقف هنا كاتباً أو صحفياً أو فناناً، فهو الوحيد القادر على صياغة أفكاره للآخرين، وتوصيلها من خلال الأدوات الثقافية والوسائل الإعلامية المختلفة، مؤكداً أن الشرط الجوهرى للإبداع هو الحرية، التى هى بالأساس حق يتمتع به المثقف، وليست منحة من أحد، ومن دونها لن تكون هناك ثقافة إبداعية. أما الدكتور صبرى حافظ، فاستعرض محطات من تاريخ الصراع بين المثقف والسلطة فى مصر، بدءاً من عهد محمد على، الذى قام بمذبحة القلعة ليتخلّص من المماليك، ولكنه سبقها بنفى قادة الثقافة والفكر فى المجتمع، وقد تواصل هذا الأمر فى العهود اللاحقة، ما يعكس السعى الحثيث من الحكومات المتعاقبة لتحويل المثقف إلى تابع لها. وأكد أن هذا الصراع يمكن تعميمه على مختلف مناطق العالم، بما ذلك أوروبا التى عاشت عصوراً طويلة منه. وتحدث رانا داوغستا، الذى وصلت إحدى رواياته إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر فى المملكة المتحدة، عن تجربته الشخصية فى معايشة العلاقات بين الثقافات المختلفة، فى موطنه الأصلى، مدينة دلهى، فى شمال الهند، حيث عاش المسلمون والهندوس معاً، وصنعوا منظومة ثقافية مشتركة، استندت فى بعض مقوماتها على وحدة الأسس العامة لفنون الشعر والموسيقى، مطالباً المثقفين بضرورة التحاور والتواصل فيما بينهم، من أجل تقديم ثقافة يحترمها القارئ ويُقبل على مخرجاتها المختلفة. وختم محمد المطوع الندوة النقاشية، بالتأكيد على حقائق أساسية، لم يعد المثقف قادراً على تجاهلها أو إنكارها، أهمها أن المال والدعم الرسمى ضرورى لصناعة الثقافة، فمن دونه لن تكون هناك كتب ولا منتجات ثقافية، كما أن السلطة اليوم لم تعد بحاجة إلى المثقفين بسبب تعدد قنوات الثقافة ووسائل الإعلام، التى يمكنها التحكم بها بسهولة، مشيراً إلى أن مفهوم المثقف الشمولى الذى يفهم فى كل شيء، لم يعد له وجود فى الزمن الراهن، حيث بات التخصص مطلوباً، فى مجالات الثقافة وفروع المعرفة كافة.