تحت شعار "فى حب الكلمة المقروءة" أقيمت فاعليات الدورة الثلاثين لمعرض الشارقة الدولى للكتاب، مؤخرًا، وبرعاية الشيخ الدكتور سلطان القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذى كان حريصا على حضور أغلب الأنشطة الثقافية، حيث يعتبر المعرض نافذة ثقافية عربية وعالمية، تهدف إلى توفير الكتاب لمختلف فئات المجتمع، وتغطى أقسامه الكتب العربية والأجنبية، وكتب الأطفال والمنتجات الإلكترونية، وتصاحبه حوارات مع العديد من الأدباء، يتحدثون فيها عن تجربتهم الإبداعية، وتوزع الجوائز، وتتمثل فى ثلاث جوائز رئيسية: جائزة الشارقة للكتاب الإماراتى وجائزة الشارقة لشخصية العام الثقافية، وجائزة الشارقة لتكريم دور النشر العربية. وقد فازت دار نهضة مصر بجائزة اتصالات لكتاب الطفل هذا العام، عن كتاب"طيرى يا طيارة"، لأمانى العشماوى، وقيمتها مليون درهم إماراتى، وأعرب الشيخ الدكتور سلطان القاسمى، فى حفل توزيع الجوائز، عن سعادته بالتطور السريع الذى شهدته جائزة اتصالات لكتاب الطفل، وتحولها إلى مناسبة ثابتة على أجندة نشاطات صناعة النشر العالمية، وفى حفل افتتاح المعرض الذى أقيم بمركز"إكسبو الشارقة"، أكد عبداله العويس - رئيس دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة - على التنوع الثقافى والفكرى لهذه الدورة من المعرض، وانفتاحه على الآخر، حيث يفتح أبوابه للثقافات الإنسانية، من خلال استضافة الهند والسعودية ضيفى شرف. كان الحضور المصرى فى المعرض لافتا، وذلك من خلال دور النشر المشاركة، ومن خلال الكتاب المصريين، فتحت عنوان"تحديات الثقافة فى العالم العربى" تطرق د. شاكر عبد الحميد إلى مجموعة من الثقافات التى تسود المجتمعات العربية اليوم، ومنها ثقافة الاستهلاك وثقافة الشارع وثقافة الميديا، موضحا أن هناك جملة من التحديات يواجهها العالم العربى، ومنها التحديات الداخلية، التى تشمل التحدى الخاص بالمركز والهامش، بمعنى تركيز الاهتمام الثقافى فقط بالمدن والعواصم. ورأى د. عبدالحميد أنه يمكن التغلب على هذا التحدى بمزيد من الاهتمام بالمناطق البعيدة والنائية، وقال إن هناك أيضا تحديا آخر، وهو ثقافة التمييز، التى تقوم على الإقصاء والتحيز والتعصب، إضافة إلى تحد خطير يتعلق بالعلاقة بين الإبداع والاتباع، متسائلا: لماذا لم تظهر الفنون الحديثة لدينا إلا بعد ظهورها فى الغرب؟ واستخلص د. شاكر عبدالحميد من هذه الأسئلة المتوالية أن العرب لم يقدموا شيئا، وهو ما اختلف معه فيه الشيخ الدكتور سلطان القاسمى، موضحا أن الأمة العربية مرت بصراعات كثيرة بعد العصر العباسى، مرورا بالمغول والتتار والحكم العثمانى، الذى لم يجلب لنا سوى الباشوات، ثم وصلنا إلى مشروع سايكس بيكو ومخطط التقسيم، وصولا إلى عهد جمال عبدالناصر الذى استطاع أن يحقق إنجازات على صعيد إنهاء الاستعمار ورفض الهيمنة. واعتبر د. القاسمى أننا نعيش عصر النهضة، الذى ينعكس على الانفتاح الكامل والرغبة فى إحداث التغيير والإصلاح، وأعطي مثالا على ذلك ما يتعلق بالثورات العربية، وهو المعنى الذى أشار إليه د. صابر عرب حين قال إنه ليس صحيحا ما يشاع من أن الشعوب العربية تعانى تدهورا ثقافيا، مؤكدا أن ما حدث من ثورات عربية هذا العام يعد دليلا كبيرا على المستوى الثقافى والحضارى، وعلى درجة الوعى الكبير الذى وصل إليه الشباب فى العالم العربى. وأكد د. عرب أن أخطر ما يواجه العرب هو تلك الثقافة الدينية المتعصبة، التى اختزلت الإسلام فى صور نمطية، لا تشيد حضارة، ولا تعبر عن جوهر الإسلام. وتحت عنوان"الثقافة العربية فى أفق التبدلات" أكد د. مصطفى الفقى أن كل مشكلة سياسية أو أزمة اقتصادية يقف وراءها العامل الثقافى، مشيرا إلى أنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مرورا بالحرب الباردة ، وما تلا ذلك من أحداث وتحولات، ظهرت حقيقة جديدة، تعتبر أن القاطرة الثقافية هى التى تشد العالم إلى الأمام، ونبه إلى خطورة الفجوة الثقافية بين العرب والغرب، مؤكدا ضرورة التهيؤ فى ثقافتنا العربية للانفتاح على التيارات الخارجية. وتطرق د. الفقى إلى ما يحدث الآن فى الشارع العربى، الذى صنع الثورات، واعتبر أنه لايزال فى بداية هدم القديم، وتخوف من أن يتجه الربيع العربى الذى هز العالم، وضرب الفساد والظلم، نحو سلطة دينية، ويشكل مطية للتحول إلى الانغلاق والتطرف والظلامية. وفى تعقيبه على ورقة د. الفقى أكد د. القاسمى أهمية انتهاج الخيار الثقافى فى الحوار مع الآخر، وتقديم الصورة الحقيقية للعرب والمسلمين فى العالم، عبر أنشطة نوعية وأيام ثقافية فى بقاع مختلفة من أوروبا وآسيا والعالم العربى، وقال إنه إذا كانت ثورة 25 يناير ستضيع، فليس بسبب السلفية - كما أشار د. الفقى - ولا حتى فلول النظام السابق، و إنما ستضيع على يد المفكرين المصريين الحريصين على الثورة، راجيا أن يكون هذا الحرص لحمايتها، لا لخنقها. وفى تجربة جديدة أنهت خمس مبدعات إماراتيات تأليف أول كتاب جماعى، على مدار يومين، وهى التجربة الأولى فى الإمارات، وشاركت فيها صالحة غابش، وفاطمة الهديدى، وشيخة وبشرى عبدالله، وأسماء الزرعونى. وقالت صالحة غابش إن المهمة ليست سهلة التنفيذ، لكن مع وجود الكاتبات وتوافر مستوى من التناغم والانسجام وحب الفكرة والموضوع المطروح تشجعنا على تناوله، باعتباره تحديا من نوع جديد، وقد أخذنا بعين الاعتبار أن الأديبات من مختلف ألوان العمل الأدبى، فهناك القاصة والروائية والشاعرة والفنانة التشكيلية، ما يعنى أننا بصدد عمل لوحة جاذبة، سواء على صعيد النص أو اللغة والصياغة والتصميم والإخراج، وكل ما له علاقة بالعمل الكتابى. وأشارت فاطمة الهديدى إلى أن هناك بعض الصعوبات والضغوط والتحديات فى تأليف هذا العمل الجماعى، من بينها الحضور الإعلامى والتصوير الصحفى، الذى شكل عامل ضغط أثناء الكتابة"لكننا اعتبرناه عامل تحد، وقد نجحنا فى تجاوزه، كما تجاوزنا التحديات والضغوط الأخرى، مثل كيفية تجاوز كل واحدة منا طقوس الكتابة الخاصة بكل أديبة إلى محاولة خلق جو عام، يسهم فى توفير مستوى من الصفاء الذهنى والهدوء والابتعاد عن التشتت الذهنى". وتحت عنوان"واقع الثقافة العربية فى دائرة الضوء" شارك وزراء الثقافة العرب فى ندوة قدم خلالها د. عماد أبوغازى بحثا حول"السياحة الثقافية" باعتبارها رافدا مهما من روافد قطاعى السياحة والتنمية الاقتصادية والثقافية، التى تسهم فى تطور وازدهار الدول. وأكد وزير الثقافة - المستقيل احتجاجا على أحداث التحرير الأخيرة - أنه بعد الربيع العربى تحول ميدان التحرير إلى مزار سياحى عالمى، يؤمه العديد من السياح من مختلف دول العالم. بينما أوضحت سهام البرغوثى - وزيرة الثقافة الفلسطينية - أن أبرز نتائج التشتت، وغياب التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الواحدة غلبة الإنتاج الثقافى، الذى لا يحتاج إلى بنية مؤسساتية كالشعر والرواية والقصة واللوحة الفنية والكاريكاتير والنقد الأدبى. فيما تحدث د. حمد بن عبدالعزيز الكوارى عن الثقافة العربية فى عصر الوسائط المتعددة، وتجربتها فى قطر، موضحا أن الطريقة التى تعامل بها شباب الربيع العربى فى استثمار هذه الوسائل الحديثة، لخدمة أمتهم وتطلعاتها تعد نموذجا حقيقيا للتنمية. وإذا كان الربيع العربى هو الحاضر الأبرز فى فاعليات معرض الشارقة الدولى للكتاب، فإن التباس الهوية الثقافية كان وجها آخر للعملة، حيث تحدثت الروائية السورية مها حسن فى إحدى الندوات عن تجربتها مع الكتابة، متسائلة: كيف يمكن للمبدع أن يكتب وهو منفى؟ ثم قالت: أعيش فى فرنسا منذ سبع سنوات، وتوقفت عند ثنائية الوطن - المنفى. وقالت: إن أكثر شخصيتين أثرتا فى حياتى هما: سارتر وجدتى، وقد قرأت سارتر مترجما، غير أن جدتى الكردية لم تكن تجيد العربية، وكان على أن أعبر باللغة العربية، وأشعر بأن لدى خللا فى اللغة، فقد اصطدمت بين لغة الجدة التى لم أفهمها إلا قليلا ولغة المدرسة. وقال الروائى اليمنى على المقرى: إن روايتيه"اليهودى الحالى، وطعم أسود رائحة سوداء" كلتاهما تدور حول عالم المهمشين فى المجتمع اليمنى"فشخصياتى تبحث عن وطن بديل، خصوصا حين يكون الوطن أيديولوجيا". وعلى هامش المعرض تم إطلاق العدد الأول من مجلة"قاف" الشعرية، التى تصدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، حيث أشار حبيب الصايغ إلى أن المجلة تعنى بالشعر، بكل أشكاله وتفاصيله الجميلة، وقد استوحى الاسم من تاريخ الشعر، ومواسم من الوعى والإصرار.