استضاف معرض الشارقة الدولي للكتاب، ضمن برنامج الفعاليات الثقافية التي نظمها "ملتقى الأدب" الخميس 7 نوفمبر، ندوة حملت عنوان "صناعة الثقافة أم صناعة المثقف". شارك فيها كل من الأديب والقاص المصري يوسف القعيد، والناقد المصري د. صبري حافظ، وأ. د. محمد المطوع، والروائي البريطاني الجنسية الهندي الأصل رانا داوغستا، وأدارها الباحث والناقد المصري زكريا أحمد، واعتبرت واحدة من أكثر ندوات معرض الشارقة الدولي للكتاب جدلية ونقاشاً. بدأ القعيد الندوة بمحاولة تحديد مفهوم المثقف، مؤكداً بأنه إنسان يختلف عن البشر الآخرين، لديه إحساس بما يحيط به، مع القدرة على التنبؤ والتحليل، كما أنه يأتي لكي يعترض ويطرح الأسئلة الكبرى التي تطال كل شيء، ويعتبر مشكلات زمنه شأناً شخصياً، يشعر بها ويعبّر عنها. أما الثقافة فهي الإطار العام للقيم لأي مجتمع من المجتمعات في أي مرحلة من تاريخه، وهي بالتالي قد تشمل النكتة كما هو الحال في مصر على سبيل المثال. واعتبر القعيد أن عملية صناعة المثقف غير ممكنة، حتى في ظل التقدم التكنولوجي في الزمن الراهن، لأن الإبداع عملية فردية بحتة، سواءً كان المثقف هنا كاتباً أو صحفياً أو فناناً، فهو الوحيد القادر على صياغة أفكاره للآخرين، وتوصيلها من خلال الأدوات الثقافية والوسائل الإعلامية المختلفة، مؤكداً أن الشرط الجوهري للإبداع هو الحرية، التي هي بالأساس حق يتمتع به المثقف، وليست منحة من أحد، ومن دونها لن تكون هناك ثقافة إبداعية. أما د. صبري حافظ، فاستعرض محطات من تاريخ الصراع بين المثقف والسلطة في مصر، بدءاً من عهد محمد علي، الذي قام بمذبحة القلعة ليتخلّص من المماليك، ولكنه سبقها بنفي قادة الثقافة والفكر في المجتمع، وقد تواصل هذا الأمر في العهود اللاحقة، ما يعكس السعي الحثيث من الحكومات المتعاقبة لتحويل المثقف إلى تابع لها. وأكد أن هذا الصراع يمكن تعميمه على مختلف مناطق العالم، بما ذلك أوروبا التي عاشت عصوراً طويلة منه. وتحدث رانا داوغستا، الذي وصلت إحدى رواياته إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر في المملكة المتحدة، عن تجربته الشخصية في معايشة العلاقات بين الثقافات المختلفة، في موطنه الأصلي، مدينة دلهي، في شمال الهند، حيث عاش المسلمون والهندوس معاً، وصنعوا منظومة ثقافية مشتركة، استندت في بععض مقوماتها على وحدة الأسس العامة لفنون الشعر والموسيقى، مطالباً المثقفين بضرورة التحاور والتواصل فيما بينهم، من أجل تقديم ثقافة يحترمها القارىء ويُقبل على مخرجاتها المختلفة. وختم أ. د. محمد المطوع الندوة النقاشية، بالتأكيد على حقائق أساسية، لم يعد المثقف قادراً على تجاهلها أو إنكارها، أهمها أن المال والدعم الرسمي ضروري لصناعة الثقافة، فمن دونه لن تكون هناك كتب ولا منتجات ثقافية، كما أن السلطة اليوم لم تعد بحاجة إلى المثقفين بسبب تعدد قنوات الثقافة ووسائل الإعلام، التي يمكنها التحكم بها بسهولة، مشيراً إلى أن مفهوم المثقف الشمولي الذي يفهم في كل شيء، لم يعد له وجود في الزمن الراهن، حيث بات التخصص مطلوباً، في مجالات الثقافة وفروع المعرفة كافة.