ولدت بشارع النزهة، ومازلت اذكر وجوه جيرانى، فى كل درب ولى ذاكرة فى كل درب خلال مراحل عمرى، أتذكر شارع عبد الله أبو السعود حينما كنت أمر فيه إلى المدرسة الثانوية، وضواحى دروب شارع الحجاز الذى اعبر منه إلى المدرسة الابتدائية والإعداديه، شوارعنا ومنطقتى خلال عشرة أعوام فقط عندما اذهب أو أعود عبر المواصلات كنت أعرف وجوه كل شخص يتصادف نزوله من الترام فى نفس المحطة، حتى وصل بى الأمر أن أعرف بيته وأهله وأقرب طفل أو شاب فى نفس عمرى. أذكر أوقات الصيف وصوت أم كلثوم يسير عبر نوافذ المطابخ، وفوق سلم الشغالين، وأيام الشتاء حين كانت أمى تذاكر لأطفال العمارة وتشرح لهم دروسهم وأنا فى آخر الطاولة. بالمناسبة عمارتنا أشهر عمارة بالميدان وسوقها الذى به كافة الأغراض، أذكر جيدا الربع الكبير يرجع إلى أوائل الثلاثينات، والمهندس المعمارى الذى وضع تصميم العمارة هو نفسه صاحب تصميم مستشفى هليوبوليس. ودون مقدمات فتحت عينى وأنا على مشارف الثلاثينات زحام السيارات، واختناق الطرقات واختلاف وجوه الأشخاص، وغربتى وسطهم، لم تعد هناك فرصه أو حتى مناسبة نجتمع فيها ولم أجد من أعرفهم، ولم أعد أعرف وجوه العابرين أو حتى أتذكر منازلهم. حتى عمارتنا لم نعد نجتمع فى ليالى الصيف وتحت الشتاء. تباعدنا وكلنا يسعى... يعيش وحيدا . جميعنا ينظر على الداخل ولا يرى سواه، درب لا آخر له. كيف ننهى درب أوجاعنا؟ هل نحيا الحياة كما نحن وننتظر النهاية المحتومة؟! أين الطفولة وروح المرح والجيران؟! صارت أزمة الحياة محددة فى شقة وضيعة وإيجار جديد!! ... أم فى اجتماع عربى يفشل دائما فى حل قضاياه؟! يا أبى قبل أن تنهى دربك الذى منة صنعت جيلا بعد جيل يا أبى وأنت الآن تتذكر الأموات وتقبل على لقاء الخلاق استحلفك أن تشير لنا عن روح الجيرة والراية والدرب .... علما أن مهندس العمارة يقال إنه يهودى الديانة عربى الموطن.