يسير على سور سطع العقار المرتفع الذى يعلوا لأكثر من عشرة أدوار يحاوطه ضباب كثيف ثم تنفلت قدمه من على السور ويسقط ثم يتهاوى دون القدرة على الصراخ. يدرك أنه الحلم الذى يراوده كلما استسلم للنوم، يحاول أن يستيقظ قبل أن يصل إلى الأرض. يستيقظ مفزوعاً صارخاً فتنتبه له زوجته، تصب له كوبا من الماء.. تناوله إياه.. وتسأله فى لهفة وهر تربت عليه. - نفس الحلم يا حازم؟!! - أيوه يا خديجة. يشرب حازم كوب المياه ثم يعاود النوم. سوف يستيقظ بعد عدة ساعات ليتوجه إلى عمله. يرن جرس المنبه فتستيقظ خديجة وتذهب إلى المطبخ لتعد الفطور. ويهم خلفها حازم بعد أن أيقظه الجرس، يتوجه إلى الحمام يغسل وجهه ثم يرتدى ملابسه ولا يفطر على غير العادة ولا يصبح على أحد، ويخرج من المنزل متوجهاً إلى عمله دون حديث. ركب المواصلات العامة فهو لا يقدر على القيادة اليوم. يشعر بوهن شديد فى كل عضلات جسده، يشير إلى تاكسى قادم إليه فيتوقف. يسأله: - الزمالك لو سمحت، شارع الصالح أيوب؟ يشير له السائق بالموافقة فيركب ولا يحاول أن يتحدث إليه.. يأتى له هاتف ويحدثه فى أذنه قائلاً: بأن عداد التاكسى خرب ولا يعمل. ولا تخبره بى ولكن ادفع له ثلاثين جنيه فى نهاية المشوار وهو حيكون سعيد. ينظر إلى السائق ولا يتحدث معه. لازمه الهاتف طوال الطريق يتحدث معه فى كل شىء، بادئ ذى بدئ منذ طفولته إلى هذا اليوم وكان حازم بدوره يتحدث معه كثيراً فى آلامه وطموحاته التى وّلت وأحلامه التى هرمت. كان الطريق يمر بجوار حازم كالحلم يرى كل شىء ولا يرى أى شىء حتى أنه استطاع فى هذه اللحظة أن يستدعى مكان عمله فوجد زميلا له يصل إلى الإدارة باكراً على غير العادة. يترك رأسه على المكتب. وينام. يصل السائق إلى الشارع وينزل حازم ويعطى له ثلاثين جنيها. يبتسم السائق: - نهارك سعيد يا أستاذ. يصعد إلى المكتب فيجد زميله نائماً على المكتب كما رآه فى التاكسى. فيندهش الهاتف: - كما قلت لك من قبل إياك ان تتحدث عنى. يجلس حازم على مكتبه ويباشر عمله رغم آلام جسده التى يشعر بها. ثم يرى أربع رجال يدخلون إلى المكتب. ويحاوطهم قليلاً من الضباب. ينظر حازم حوله فلا يجد هؤلاء الرجال. الهاتف: - دول جايين كمان عشر دقايق ح يتعاقدوا مع المكتب على طلبيه مهمة جداً. يدخل الأربع رجال يرتدون بدلا أنيقة يحاوطهم الضباب كما رآهم من قبل، وبالفعل تعاقدوا مع المكتب على توريد قطع غيار لمعدات المصنع الخاص بهم بمبلغ ربع مليون جنيه. ثم ينصرفون. ولكن الضباب لم ينصرف بل ظل موجوداً حول مكتب حازم. ينصرف حازم دون استئذان من أحد ويمشى هائماً ومعه الضباب محاوطه دون حديث فيرن هاتفه المحمول لا يريد أن يتحدث إلى أحد فقد استأنس بهاتفه الخاص. الهاتف آمراً: - ألقى بهذا التليفون فى النيل. فيلقيه حازم دون تفكير من أعلى الكوبرى فى النيل. يشير إلى تاكسى ويطلب منه أن يوصله للمنزل فى منطقة فيصل. يشغل عداد التاكسى وينطلق. يكمل معه الهاتف الطريق حتى يدخل فى المنزل وما زال الضباب محاوطه، فيجد أبناءه قد عادوا من الجامعة يقبلهم. ثم يحتضنهم. فيرى خديجة قد خرجت من المطبخ وتعلو وجهها الدهشة. خديجة: - هو البيت كله راجع بدرى عن مواعيده!! يضحك حازم ثم يحتضنها. - قلت أشوفكم مرة واحدة. لم تفهم خديجة رده بل ازدادت حيرة. يغير ملابسه ويجلس مع أولاده ويخرج لهم اللعب التى كان يلعب بها معهم وهم صغار. تضحك ابنته الكبرى ثم تجرى لتحتضن عروستها التى أهداها إياها عندما تمت العامين، فهى الآن فى العشرين من عمرها، فتلعب بها كما كانت تلعب فى الماضى وترفعها إلى الأعلى وتلتقطها بينما ابنه الذى تم السادسة عشر يمسك بمسدسه ويوجه فوهته إلى حازم متظاهراً بأنه ضابط شرطة كما كان يفعل صغيراً. يضحك حازم .. ثم يتوجه إلى خديجة ويسألها. - هل انتهيت من تحضير الطعام. خديجة: - باقى ساعة؟ حازم: - طب اوعى تزعلى منى يا خديجة... أنا حدخل أنام شويه. وصحينى بعد الأكل ما يخلص. يتوجه حازم إلى غرفة النوم ويتمدد على السرير فيهبط الضباب على جسده. يحاوطه الضباب الكثيف وهو يسير على سور السطح ثم يقع من الأعلى ويسقط، ثم يتهاوى ويتهاوى وتزداد سرعته حتى يرتطم بالأرض. تدخل عليه خديجة وتحاول أن تيقظه ولكنه لا ينهض. خديجة: - الأكل خلص يا حازم قوم. ولكنه ليس هنا... بل سافر بروحه بعيداً عنا. صرخت خديجة وبكى ابنه بعد أن خبط على صدره بشدة ، كما صرخت أمه الجديدة أثناء ولادته من جديد فيفتح عينيه فيجد قردة تحتضنه وترضعه كما كان يفعل من قبل بكى بشدة من خوفه منها. تمتمت أمه ببعض الأصوات غير المعلومة له. فسكت حازم ولم يبك. بل تعلق بها... نظر حوله فوجد مساحات خضراء شاسعة. بينما كان الأب يخبط بيده على صدره متفاخراً بأنه أب لهذا المولود الجديد. ونظر حوله فوجد بعض القرود يحاولون أن يغازلوه. لم يبد أى حركة بل ظل مندهشاً غير مصدق، ثم جاء له الأب وأخذه وعلمه كيف يتسلق الأشجار وأى نوع من أنواع الفواكه يستطيع أن يأكله، وعلمه أن هناك أنواعاً سامة محظورة عليه أن يأكلها. أخذ يتحرك يميناً ويساراً، ويتسلق الأشجار، ويقفز من هذا الفرع إلى الآخر، ولكنه لم ينس أنه كان حازم فى يوم من الأيام.. وكبر واشتد عوده وجاء له كبير القطيع وقال له بعد أن تعلم لغتهم. - لازم تعرف فين الصح. فرد عليه: - ليه؟ الهاتف: - عشان لما تموت تدخل الجنة وتبقى بنى آدم. فصرخ حازم بهستريا وتركه وهرب بعيداً وأخذ يجرى ويقفز من هذا الفرع إلى فرع آخر وارتفع من شجرة إلى أخرى مبدياً رفضه، وكلما ارتفع حاوطه الضباب، وانفلتت يديه التى طالت أحد الأغصان الضعيفة فسقط وتهاوى وكان خرتيتا.