مشهد يتكرر كثيراً فى حياتنا اليومية، ولكن لا يوجد مخرج بارع أو صناعة أمريكية حتى تضع لهذا المشهد الممل والنحس نهاية سعيدة، ففى أحياء مصر وبالتحديد شبرا الخيمة تجد الميكروباصات مغطاة بالبشر. عربات لم يتبق منها سوى الهياكل، أربع صفائح مفرغة على أربع عجلات، ولا أثر لزجاج الشبابيك حتى يتسنى للركاب الجلوس على حوافها، ولا وجود للأبواب فمكانها قد ينتفع به أكثر من راكب، والمقاعد مثبتة بحبال فى هيكل العربة، أما الأرضية فتراوحت بين الحديد والخشب "الأبلاكاش". عربات من جهنم يقف على أبوابها "أنطاع" بمطاوى، وأحيانا أطفال ألقاهم قدرهم فى الهاوية، ويقودها "جلادين" غلاظ تتراوح أعمارهم بين 13 و50 عاماً، يعتبرون أنفسهم رؤساء إمبراطورية العربة، ويضعون القوانين التى تتفق مع مصالحهم الفردية بغض النظر عن مواقف الركاب. غياب الرقابة المرورية والأمنية: أصبحت شبرا الخيمة، عدا المنطقة المجاورة للإدارة المرورية، ورقة مطوية مهملة بين أوراق إدارة المرور وأجهزة الأمن، حيث اكتفت الإدارة بالقيام بحملة سنوية، وتركت أجهزة الأمن كافة الأبواب مفتوحة للبلطجة والفوضى، ووضع مجلس المدينة موظفى "الكارتة" لفرض إتاوة على السائقين. من جانبه، أكد مصدر مسئول بإدارة المرور، طلب عدم ذكر اسمه، قيام الإدارة بحملات تفتيش شبه يومية على محطات منطى وأم بيومى وبهتيم، إلا أن السائقين أجمعوا على عدم وجود حملات يومية أو حتى شهرية على هذه المحطات، مؤكدين غياب شرطة المرور والتواجد الأمنى، مشيرين إلى أن هناك حملات يومية بالفعل، ولكن على الطريق الرئيسى المؤدى للكوبرى الدائرى. كما أكد المصدر غياب التواجد الأمنى، مشيراً إلى أن هذا ليس من اختصاصات إدارة المرور، موضحاً أنه طالب مراراً بإنشاء وحدة مرور خاصة بمنطقتى منطى وأم بيومى على أن يكون قوامها 20 ضابطاً وحوالى مائة عسكرى. بلطجة وانتهاك لآدمية الإنسان: تؤكد إحدى المواطنات فى منطقة شبرا الخيمة، وتدعى عفاف، أنه عادة ما تنشب اشتباكات يومية بين السائقين بالأسلحة البيضاء لخلافهم على دورهم فى تحميل الركاب، ففى كل مرة تتصدر العربات الرديئة ترتيباً متقدماً، فيرفض الركاب صعودها نظراً لشدة سوء حالتها، فيقرروا صعود العربة التالية لكونها أفضل نسبياً، فيشرع سائق العربة الأولى فى إشهار مطواته فى وجه السائق الآخر رافضاً أن يحمل قبل منه، مطالبه بالوقوف على باب العربة حتى يمنع الناس من دخولها فيضطر الركاب، خوفاً على حياتهم من طعنة طائشة، إلى صعود هذا الهيكل المسمى ب"الميكروباص". ويقول محمد السيد، إنه لا يأمن على نفسه وأولاده فى مثل هذه العربات، بعدما رأى سائقاً مستهتراً لا يتعدى عمره الخمسة عشر عاماً يهزأ بحياة فتاة كانت تستعد للنزول، فلم تكد تلمس قدماها الأرض حتى أسرع السائق سعياً خلف دور متقدم فى صف العربات، مما أدى إلى إصابة الفتاة بكسور وكدمات، مؤكداً أن هذه الحوادث تحدث يومياًَ وبشكل ممنهج. وبعرض المشكلة على عدد من المواطنين، أكدوا أن هناك ما هو أفظع من ذلك ف"التباع" قد يشهر السلاح فى وجه الراكب إذا تقاضى منه أجرة أقل من تلك التى اتفق عليها السائقين، وإذا هدده الراكب بالذهاب إلى قسم الشرطة يقابله لامبالاة من جانب "التباع" وتهكم من السائق. عربات مكتظة بالركاب وهل من مزيد: "القسط يقطم الوسط" هكذا برر محمد عادل، سائق، نزوع بعض السائقين إلى تحميل 30 شخصاً فى عربة لا تحتمل أكثر من 15 شخصاً حتى يتمكن من دفع أقساط هذا الهيكل، الذى قام بشرائه من تجار الخردة بمنطقة بهتيم، ودفع "الإتاوة" للكارتة، مشيراً إلى أن بعض السائقين يفعلون ذلك بدافع الجشع. ويؤكد بعض الركاب، أن هذه الأمور أصبحت شيئاً عادياً، أقلموا أنفسهم عليها حتى لا يصابون بالإحباط، فعندما تكون العربة شديدة الزحام يركبونها، لأنه بالتأكيد أن العربة التالية ستكون قاتلة الزحام، موضحين بذلك أن الزحام وامتهان آدمية الإنسان مكونات أصيلة فى النسيج الثقافى المصرى، كاشفين عن موهبة وقدرة المصريين السحرية فى الانفصال عن الواقع بكل ما يحمله من مشكلات وصدمات، واختلاق واقع افتراضى حتى يستطيعوا العيش بسلام فى وقت أصبح فيه صوت السلاح أعلى من صوت الضمير والأخلاق، وأصبح فيه الكل مداناً والجميع بريئاً. تجدر الإشارة إلى قيام وكيل أول نيابة قسم أول شبرا الخيمة علاء الصياد، باستدعاء وكيل إدارة مرور القليوبية فى نوفمبر الماضى بعد تلقيه معلومات تفيد بوجود سمسار يدعى حسن غوايش يقوم بتقاضى مبالغ مالية كبيرة من المواطنين مقابل إنهاء تراخيص السيارات والقيادة عن طريق علاقاته ببعض المسئولين بوحدة المرور. وبتفتيش ملفات التراخيص تبين وجود 3000 ملف ترخيص تم استخراجها بعد تزوير شهادات الاختبار. وتحرر المحضر رقم 8443 لسنة 2008 إدارى قسم أول شبرا الخيمة، وبإحالته للنيابة العامة أصدرت قرارها السابق، كما أمرت بسرعة ضبط وإحضار السمسار الهارب.