لو أنك تتبعت أسماء الفنانين المصريين الذين صعدوا علي خشبة المسرح قبل إعلان الجوائز لاعتقدت أننا بصدد مهرجان مصري.. شاهدت في لجنة التحكيم "محمد خان" ، "يسري نصر الله" ، "منة شلبي" ، "خالد أبو النجا" ، "هند صبري"، ورغم جنسيتها التونسية فإن رصيدها في السينما المصرية يحيلها علي الفور لتصبح في الجانب المصري.. أيضاً صعد كل من "محمود حميدة" و "سوسن بدر" للمشاركة في توزيع الجوائز والتي انتهت إلي: أفضل فيلم روائي (100 ألف دولار) - عشاق الصرعات، روسيا أفضل مخرج روائي جديد (50 ألف دولار) - جليندين أيفين عن فيلم "الجولة الأخيرة" استراليا أفضل فيلم روائي من الشرق الأوسط (100 ألف دولار) - "الزمن الباقي" للمخرج إيليا سليمان - فلسطين أفضل مخرج روائي جديد من الشرق الأوسط (50 ألف دولار) - بيلين أسمر عن فيلم " 10 حتي 11" - تركيا أفضل ممثل (25 ألف دولار) - حامد بهداد عن فيلم "لا أحد يعرف بأمر القطط الفارسية" - إيران أفضل ممثلة (25 ألف دولار) - وحصلت عليها الممثلتان المكسيكيتان إليشيا لاجونا وسونيا كووه. ولم يذكر سوي مرة واحدة اسم مصر بشهادة تقدير يتيمة بين شهادات أخري للفيلم القصير "ربيع 89" إخراج "آيتن أمين"!! ******** الفيلم الفلسطيني الحاصل علي لؤلؤة «أبوظبي» · الإنسان القادر علي أن يحمل في أعماقه الروح الساخرة حتي في عز الأزمة هو الذي يعيش الحياة مواجهاً كل عوامل الفناء · الفيلم أقرب إلي سيرة ذاتية يمزج فيها المخرج بين الخاص والعام فهو يروي حياته وأيضاً يروي حياة وطن. الفيلم العربي الذي استطاع أن يرفع رأس السينما العربية عالياً في مهرجان "الشرق الأوسط" بأبو ظبي في دورته الثالثة هو فيلم إيليا سليمان "الزمن المتبقي" حيث اقتنص المخرج جائزة أفضل فيلم في سينما الشرق الأوسط وقدرها 100 ألف دولار، ،كان يستحق جائزة أفضل فيلم ورغم أن الجائزتين يتساويان في القيمة المادية، ومن حق فيلم "إيليا" أن نتأمله أكثر من مرة!! في أفلام المخرج الفلسطيني "إيليا سليمان" مثل "سجل اختفاء" ، "يد إلهية" وأخيراً "الزمن المتبقي" تلمح دائماًَ شيئاً مشتركاً وهو الإصرار علي إعلان الهوية الفلسطينية مع الاحتفاظ بقدر كبير من الهدوء المشوب بخفة الظل.. إنها المقاومة الناعمة التي تملك الكثير من أدوات التعبير لكنها في نفس الوقت تمتاز بهذا القدر من الإنسانية وتحقق ولا شك دفئا وحميمية لدي الجمهور.. إنها رحلة حب للأرض الفلسطينية بعد سنوات عديدة من الغربة.. هكذا يقدم المخرج "إيليا سليمان" دوره داخل الأحداث في الفيلم الذي نري فيه رحلة عمرها أكثر من 60 عاماً عاشت فيها فلسطين تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.. هكذا يتناول السرد السينمائي.. الفيلم اشترك في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" في دورته الأخيرة وكان أحد الأفلام التي حظيت بترقب وبترشيحات أيضاً للحصول علي الجائزة.. الفيلم ليس فقط فلسطيني الانتماء فقط كتوجه سياسي يتبناه المخرج ولكن أيضاً علي مستوي الإنتاج، حيث إن "إيليا" مع عدد من الشركات والفضائيات العربية مثل M.B.C ساهموا في تحمل تكلفة الإنتاج، وهكذا اشترك الفيلم في "كان" ممثلاً للسينما الفلسطينية وانتقل إلي مهرجان "أبو ظبي" لسينما الشرق الأوسط وهو محتفظاً بالطبع بهويته الفلسطينية رغم أن بعض الكتابات المتعجلة من بعض النقاد العرب قبل اشتراكه في مهرجان "كان" وصمته باعتباره فيلماً يمثل إسرائيل مدعية أن المخرج حصل علي تمويل إسرائيلي لإنجاز فيلمه وهذا بالطبع يجافي تماماً الحقيقة، فهو فيلم فلسطيني الفكر والإنتاج في الهوي والهوية. الفيلم أقرب إلي سيرة ذاتية يمزج فيها المخرج بين الخاص والعام فهو يروي حياته وأيضاً يروي حياة وطن.. قد تستشعر في لحظة ما أنك أمام سرد يومي أو كتابة مذكرات خاصة وهو يقدم ملامح من شخصيته ولكن هذا السرد وظفه المخرج داخل إطار إبداعي لا يكتفي بأن يقدم ذاكرته هو فقط ولكنه يضيف عامداً متعمداً ما يراه أيضاً من خلال صور تراكمت بداخله مما رواه له الآباء والأصدقاء ولهذا يهدي فيلمه إلي أبيه وأمه اللذين غادرا الحياة قبل أن يري فيلمه النور.. "إيليا سيلمان" ابن "الناصرة" والداه من العرب الذين تمسكوا بالأرض ولم يغادروا المكان، ظلوا متشبثين بموقعهم، فهذه أرضهم مهما ادعت إسرائيل.. قال لي "إيليا سليمان" إن الإنسان الفلسطيني الذي عاش بعد 48 داخل ما يعرف بالخط الأخضر لم يفقد هويته ليصبح إنساناً إسرائيليا،ً هو مضطر لكي يحمل بطاقة هوية إسرائيلية بحكم الضرورة لكنه عربي الانتماء والفكر.. جواز السفر لا يغير شيئا حقيقيا داخل هذا الإنسانا وفيلم "إيليا" يتواصل فيه هذا الإحساس.. "إيليا" ولد عام 1962 لكنه يعود ليروي ما حدث في عام 1948 من خلال ذاكرة أبيه وأمه والجيران.. المقاومة الفلسطينية الباسلة والتي كانت تُضرب من الداخل بمن يشي بهم حيث إن بعض الفلسطينيين كما يحدث الآن كانوا بمثابة طابور خامس يتجسس لحساب الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطيني الذي لا يزال يقاوم الاحتلال.. الفيلم توثيق للذاكرة الفلسطينية التي تحاول إسرائيل أن تنتزعها من التاريخ وتمحوها ولكن المخرج يسعي بهذا الشريط إلي تأكيدها وإنعاشها، لا تستطيع أن تعتبرها فقط مجرد ذكريات شخصية، حيث إن الخيال من المؤكد أضاف الكثير للحقيقة وهي أيضاً لم تكن سرداً لعائلة "سليمان" فقط بل ندخل أيضاً الجيران وما تبقي في ذاكرة المخرج من مواقف وحكايات لكي تضيف شيئاً هنا وقد تمحو أيضاً شيئاً هناك.. السخرية أحد أسلحة "إيليا" في المواجهة وأيضاً الأغنية وهكذا مثلاً تستمع إلي أغنيات "محمد عبد الوهاب" و "ليلي مراد" و"نجاة" و "فيروز".. أغنية "قلبي دليلي" رائعة "ليلي مراد" حاضرة جداً بهذا اللحن الراقص الذي أبدعه "محمد القصبجي" ليظل يحمل حتي الآن روح التفاؤل.. أيضاً "جفنه علم الغزل" لمحمد عبدالوهاب تلك القصيدة بكل الإيقاع الراقص.. و "نجاة" وهي تردد "أنا بعشق البحر" أيضاً أحد الألحان التي تبعث علي الفرح السعادة.. لن تعثر في الفيلم سوي علي أغنية واحدة وطنية فقط قصيرة تتردد في بداية أحداثه تعود إلي عام 1948 وبعد ذلك فإننا نعيش المقاومة الساخرة وهي بالمناسبة دليل القوة.. الإنسان القادر علي أن يحمل في أعماقه الروح الساخرة حتي في عز الأزمة فقط هو الإنسان الذي يعيش الحياة مواجهاً كل عوامل الفناء وهكذا نري مثلاً هذا المشهد امرأة تدفع أمامها عربة بها طفلها المرأة خرجت أثناء المظاهرة لتتجول.. نستمع في البداية إلي صوت كعب الحذاء العالي يتجه إليها عسكري إسرائيلي يطلب منها أن تعود إلي بيتها حتي لا تتعرض لأي أذي، تقول له عد أنت إلي بيتك.. قدم المخرج هذا المشهد من خلال عين "إيليا" نفسه التي شاهدناها وهي ترقب من أعلي ما يجري في الشارع.. عرب يلقون بالحجارة علي أفراد من جيش إسرائيل، والجيش يطلق زخات من الرصاص والقنابل لإرهابهم وهم لا يكفون عن المقاومة.. إلا أن هذا المشهد العبقري لتلك المرأة كان يحمل في أعماقه معني يتجاوز مجرد المقاومة ليصل إلي الإصرار علي الحياة لأن هدف الاحتلال الأسمي هو أن يفقد الفلسطيني روح الحياة.. الملاحقات الأمنية التي قدمها الفيلم بين جنباته نراها طوال الأحداث وهي تعبر عن خوف إسرائيل أكثر مما تعبر عن قوتها، مثلاً هذا الشاب الفلسطيني يقدمه المخرج وهو يتحدث في "الموبايل" ويقطع الشارع الذي يقطن به من الرصيف إلي الرصيف بينما فوهة الدبابة تتجه إلي رأسه في الذهاب والعودة وهو لا يكترث إطلاقاً بما يجري فوق رأسه فهو مشغول بما يجري في رأسه!! هذه اللقطات وغيرها تؤكد أن الخوف الإسرائيلي هو الذي يسيطر علي الإنسان هناك، فهم لا يعترفون إلا بالقوة القمعية وفي النهاية تلك القوة تظل محاطة بسقف لا يمكن أن تتجاوزه فهي قوة ناقصة بينما روح التفاؤل والتمسك بالحياة هي التي يقبض عليها الفلسطيني ولهذا تمنحه الحياة وتخيف الأعداء.. قدم المخرج مشهداً خيالياً ذكرني بمشهد أيضاً مماثل مع اختلاف التعبير قدمه في فيلمه "يد إلهية" عام 2004 قبل نحو خمس سنوات تخيل في "يد إلهية" أنه يلقي قنبلة علي مدرعة إسرائيلية هذه المرة في "الزمن المتبقي" نراه وهو يمسك بعصا لعبة "الزانة"، حيث تمكن هذه العصا اللاعب من القفز عالياً وهكذا يتخطي الجدار العازل بين ما يعرف بالخط الأخضر الذي أقامته إسرائيل لعزلها عن الأرض الفلسطينية التي تتمتع بالحكم الذاتي.. بالطبع تأتي هذه القفزة فقط في خياله ولكنها تدخل أيضاً في إطار المقاومة لأن ما لا تستطيع تحقيقه في الواقع من حقك أن تحتفظ به خيالك وتعيشه أيضاً علي أمل أن يصبح يوماً ما هو الحقيقة.. من المشاهد التي لم تغادر ذاكرة المخرج اضطراره وهو طفل أن يغني في يوم الاستقلال أو ما تطلق عليه إسرائيل يوم الاستقلال وهو بالطبع يوم النكبة لكنه داخل المدرسة يغني بالعربي والعبري لهذا اليوم.. هكذا كان الاحتلال يجبر الطفل العربي علي أن يسعد ويبتهج ليوم نكبته.. في "الناصرة" حيث يقطن "إيليا سليمان" نري تلك الوجوه بعد مرور السنوات، مثلاً هناك الرجل الذي يمسك بالكيروسين ويضعه علي جسده ويهدد بأن يشعل عود الثقاب ليحرق نفسه وينهي حياته احتجاجاً وهو لا يجد لأيامه جدوي سوي أنه يحتسي الخمور وأثناء ذلك يلقي بموقف أو طرفة يعتقد أنه جاد، فهو يتأمل الاحتلال الإسرائيلي ويري أن الخلاص من كل ذلك يأتي عبر الخيال المريض الذي يشبه الهذيان، حرص المخرج علي أن يقدمه لنا وهو ممسكاً أكثر من مرة كأس الخمر ومن الممكن أن تلمح في تلك الرؤية الدرامية شيئاً مما يجري علي أرض الواقع - النضال الحنجوري- الذي لا يزال يتبناه البعض.. كذلك نري في الفيلم اثنين من العرب يذهبان ليلاً إلي البحر ولا هم لهما سوي اصطياد السمك وتأتي دائماً عربة الشرطة الإسرائيلية لتسألهما عما يفعلان فتتكرر الإجابة ولهذا تتركهما ربما خمس أو ست مرات يتكرر المشهد لكنك لا تشعر بأنه تكرار ممل لأن المخرج في كل مرة يختصر الزمن السينمائي.. يكتفي بأنك كمتلق تكمل الباقي وهو أيضاً ما طبقه سينمائياً مع المشهد المتكرر للرجل العجوز الذي يقدم بعد كل حدث علي الانتحار والمعروف علمياً أن أحد "ميكانيزمات" ودوافع الضحك في الدراما هو التكرار وهكذا كلما رأيت الرجل العجوز توقعت باقي اللقطات فتخرج رغماً عنك الضحكات.. أجاد المخرج تحقيق ذلك بأسلوب سينمائي غني في تفاصيله وفي كل مرة يحذف بعض اللقطات أو جمل الحوار لأنك كمتلق تكمل المساحات البيضاء وهذا يساعد أكثر في تفجير الضحك.. من المشاهد أيضاً التي قدمت فنياً تناصر فكرة التمسك بالحياة وذلك عند نهاية الأحداث، حيث شاهدنا عدداً من الشباب الفلسطيني حرص برغم إعلان حظر التجول علي الذهاب إلي "الدسكوتيك"، كان الجندي الإسرائيلي يمسك بالميكروفون معلناً أن اليوم ممنوع فيه الخروج إلي الشارع بينما هم يصرون علي الحياة والمقاومة حتي ولو كانت بالرقص بينما الجندي الإسرائيلي نفسه شاهدناه وهو يرقص علي نفس الإيقاع بإيماءة من رأسه، فلا أحد يملك قرار بمصادرة حق الآخرين في الاستمتاع بالحياة وتلك هي أكثر أنماط المقاومة الناعمة التي تؤلم إسرائيل.. كان المخرج "إيليا سليمان" يحرص كمنهج وأسلوب إخراجي علي أن يرتكن إلي الواقع حيناً وإلي التسجيل في اللحظة التي يري فيها أن هذه الوسيلة هي فقط القادرة علي تأصيل وتوثيق الحدث ثم تجده بعد ذلك يرتكن إلي الجنوح في الخيال عندما يصبح هذا الخيال هو السلاح القادر علي التعبير عن الحقيقة التاريخية!! إنه فيلم فلسطيني ولد ليظل شاهداً علي تاريخ لا يمكن لجغرافيا الاحتلال الإسرائيلي أن تمحوه لا من الذاكرة ولا علي أرض الواقع.. أثناء عرض الفيلم في مهرجان الشرق الأوسط بأبوظبي كنت أستمع وفي أكثر من مشهد ليس فقط إلي ضحكات الجمهور ولكن أيضاً إلي تصفيقه ربما سبع مرات أو يزيد كان الجمهور يصفق للمخرج وكأنه يتابعه علي خشبة المسرح ويطلب منه أن يعيد اللقطات مرة أخري.. إلا أن السينما لا تعترف سوي بالعرض المستمر ومن يريد استعادة مشهد عليه أن يحتفظ به في ذاكرته وأتصور أن فيلم إيليا سليمان "الزمن المتبقي" سوف يحمل الكثير مما يتبقي في ذاكرة كل من شاهده، وكان من حقه أن يرنو للحصول علي جائزة اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم في مهرجان "أبو ظبي" لكن لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج الإيراني الكبير "عباس كيروستامي" اكتفت بمنحه جائزة أفضل فيلم في الشرق الأوسط!! ******** ملكيون أكثر من الملك! أثناء اجتماع اللجنة العليا للمهرجانات برئاسة "د. فوزي فهمي" تطرق الأمر إلي فيلم "المسافر" هل الفيلم بحاجة إلي إعادة مونتاج؟ كانت إجابة أغلب الحاضرين حتي الذين لم يشاهدوا الفيلم أن اللجنة لا تملك إصدار قرار ملزم للمخرج ولكن من حق من شاهد الفيلم فقط الاقتراح.. الفيلم إنتاج الدولة ولكن هذا لا يعني إلزام المخرج بشيء إلا أن إبداء الرأي أحد حقوق البشر، عندما يشاهد متفرج غير متخصص عملاً فنياً قد يدلي برأيه من خلال إقناعه لأصدقائه بالذهاب للفيلم أو إثنائهم عن ذلك فما بالكم لو أنه كان متخصصاً، ولم يكن هدف أعضاء اللجنة بالمناسبة التقصير كما أشار البعض فلا يوجد في الفن اختصار ولكن كان لدينا إحساس بأن الفيلم افتقد إيقاعه في بعض مقاطعه وخاصة الجزء الثاني الذي يقدم أطول الأيام التي مرت بالبطل 6 أكتوبر 1973، المخرج "أحمد ماهر" مع المونتير "تامر عزت" اتفقا علي حذف 13 دقيقة وليس 12 كما أشرت من قبل تضمنت المحذوفات بعض اللقطات في المقطع الأول من بداية الفيلم وليس فقط المقطع الثاني.. وقال لي المخرج الكبير "توفيق صالح" إن "يوسف شاهين" بعد عرض فيلمه "باب الحديد" لأول مرة في دور العرض عام 1958سحبه وأعاد مونتاجه مرة أخري.. وإعادة المونتاج بعد العرض سواء كان الأمر متعلقاً بالمهرجان أو بالعرض الجماهيري لا تنتقص من قيمة المخرج بل إنها تعني أنه يمتلك مرونة في الاستماع للرأي الآخر أحياناً يصبح الرأي الآخر هو رأيه شخصياً وليس رأي عين أخري في العمل الفني من حق المخرج اعادة الرؤي بعد التفكير مرة أخري؟! تعجبت أن يتناول البعض إعادة مونتاج الفيلم وكأنه بمثابة اعتراف مسبق بارتكاب جريمة فنية، وعلي هذا كان ينبغي علي المخرج الابتعاد عن مواطن الشبهات.. لا أفهم ولا أري ذلك حتي ولو كانت النسخة بعد المونتاج الثاني لم تحقق الرؤية المطلوبة بل أكثر من ذلك لو رأي ناقد أتيح له مشاهدة النسختين: الأولي التي عرضت في "فينسيا" والثانية بعد عرضها في "أبوظبي" و "دمشق" أن النسخة الأولي الكاملة هي الأكثر تعبيراً عن حالة الفيلم فإنه في هذه الحالة يظل رأياً شخصياً وعليه أيضاً أن يحترم رأي المخرج الذي لم يجبره أحد علي إجراء مونتاج لكنه فقط وجد أن هذا الحذف يحقق للفيلم إيقاعاً أفضل؟! عندما أنتجت وزارة الثقافة الفيلم كان هناك أكثر من ناقد قرأ السيناريو والمؤكد أنه بعد توقف الدولة عن الإنتاج دام نحو 35 عاماً كانت لديهم ملحوظة أو أكثر كتبوها أو همسوا بها في أذن المخرج سواء أخذ بها المخرج أو لم يأخذ فإنهم فعلوا ذلك.. عدد كبير من الأفلام التي حازت إقبالاً جماهيرياً ضخماً وحققت أهم الجوائز خضعت لمونتاج ثان بعد عرضها سواء جماهيريا أو في المهرجانات مثل "د.زيفاجو" ، "سينما باراديس" بل إن فيلم "المسافر" تحمس له المخرج التايواني الشهير "انج لي" بعد أن شاهده باعتباره رئيساً للجنة تحكيم "فينسيا" وقال للمخرج ذلك وكتب رسمياً مخاطباً وزارة الثقافة بأنه سوف يعرض الفيلم تجارياً بعد إعادة المونتاج الذي سيتولاه "انج لي" شخصياً بعد أخذ موافقة المخرج بالطبع ولم يعترض "أحمد ماهر".. لماذا أصبحنا ملكيين أكثر من الملك؟! tarekelshinnawi @yahoo.com