هل تشكل أول زيارة يقوم بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما لروسيا، والتى تبدأ اليوم الاثنين 6 يوليه، بداية حقبة جديدة فى العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة؟ سؤال يجتمع الجانبان الأمريكى والروسى على الإجابة عليه، بأنهما فى طريقهما لإحياء العلاقات، التى قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها فى السنوات الأخيرة بسبب الاختلاف حول عدة مسائل (توسيع حلف شمال الأطلسى والدرع المضادة للصواريخ وحرب العراق). وقد نشرت صحيفة لوموند تقريرا حول طابع العلاقات بين الدولتين وأهم نقاط الاتفاق والاختلاف بينهما حول عدة قضايا منها أفغانستانوإيران والأسلحة النووية. تذكر الصحيفة بأن لقاء الرئيس الأميركى ونظيره الروسى، ديمترى ميدفيديف، فى مطلع شهر أبريل الماضى، على هامش اجتماع قمة العشرين قد أظهر تغييرا واضحا فى لهجة الحوار بين الجانبين، بيد أن المواقف فى جوهرها لا تزال متباعدة. ففيما يخص أفغانستان، حصلت واشنطن على تعاون روسيا، حيث من المفترض أن يتوصل الرئيسان يوم الاثنين على اتفاق يسمح للجيش الأمريكى بالمرور عبر الأراضى الروسية عن طريق الجو أو البر. إذ إن روسيا من جانبها لا تؤيد عودة نظام طالبان فى كابول. فقد سبق ووقعت بالفعل فى الماضى عمليات تسلل للمسلحين الإسلاميين فى آسيا الوسطى (أوزبكستان، قيرغيستان، طاجيكستان)، حيث يسهل اختراق الثغرات الموجودة على حدود هذه الدول لتمرير المسلحين والأسلحة والمخدرات فى طريقها إلى الاتحاد الروسى. بالإضافة إلى أن حقيقة زيادة إنتاج الخشخاش فى أفغانستان بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، لهى مصدر قلق لموسكو. أما الملف الإيرانى، فتختلف حوله وجهتا النظر الروسية والأمريكية. ففى الوقت الذى لا ترغب فيه روسيا فى امتلاك إيران للطاقة النووية، فهى تسعى أيضا للحفاظ على علاقتها بها باسم مصالحها حول بحر قزوين، الذى يمثل منطقة إستراتيجية بالنسبة لروسيا. فضلا عن أنه حتى لو أرادت موسكو ذلك، فهى ليست متأكدة من أن الدبلوماسية الروسية لديها القدرة على إقناع الإيرانيين بالتخلى عن موقفهم. أما بالنسبة لأكثر القضايا التى تتمتع بتوافق فى وجهات النظر بين الجانبين فهى قضية الأسلحة النووية، حيث من المفترض أن يقوم الرئيسان بتوقيع اتفاق للحد من الأسلحة النووية الإستراتيجية، فى إطار تمديد معاهدة تقليص الأسلحة الإستراتيجية (ستارت) لعام 1991، التى ستنتهى فى 5 ديسمبر 2009. ويعتبر الخبراء أن تلك هى النتيجة الملموسة الوحيدة التى يمكن أن تؤدى إليها القمة. إستراتيجية أمنية جديدة على الرغم من أن التفاوض حول الاتفاقية الجديدة قد حقق خطوات متقدمة فى جنيف خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن هناك بعض العقبات التى طرأت. ففى الوقت الذى ترى فيه موسكو أن أية معاهدة جديدة حول الحد من الأسلحة النووية ينبغى أن تأتى فى إطار الاتفاق حول الدرع المضادة للصواريخ، التى تعتزم الولاياتالمتحدة إقامتها فى جمهورية التشيك وبولندا، فإن واشنطن لا تفصل بين هذا الأمر ومسألة إيران. وتشير الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف قد صرح يوم 20 مايو أن النسخة الجديدة من معاهدة "ستارت" ينبغى أن يتوفر فيه "شرط المساواة على المستوى الأمنى لكلا الطرفين، والحفاظ على التكافؤ فى مجال الاستقرار الإستراتيجى. وهو الأمر الذى يستحيل تحقيقه دون الأخذ فى الاعتبار الوضع فى مجال الدفاع المضاد للصواريخ وغيرها من القطاعات التى تحتاج إلى تدابير متعددة ومبتكرة. وتقول الصحيفة، نقلا عن دميترى ترينين، مدير مركز "كارنيجى" فى موسكو، أنه على الرغم من تغير اللهجة فى كلا الجانبين، فإن النخبة السياسية والعسكرية فى موسكو لا تزال تعتقد أن "الولاياتالمتحدة لديها جدول أعمال خفى لتدمير روسيا". وينعكس هذا الشعور بالقلق تجاه أمريكا من خلال الرؤية الأمنية الجديدة التى أقرتها إستراتيجية الكرملين فى مايو 2009، من أن الولاياتالمتحدة لا تزال تشكل التهديد الرئيسى للأمن القومى الروسى. وسيكون الدرع المضادة للصواريخ هو الانعكاس الحقيقى لهذا الأمر من خلال تغيير موازين القوى. فعندما يتطرق المسئولون الروس للحديث عنه، يشيرون إلى أنه "يمثل المركز الثالث للولايات المتحدةالأمريكية بعد ألاسكا وكاليفورنيا (حيث توجد مكونات من هذه الدرع)". ويقول ديميترى ترينين إن إنشاء نظام مشترك للدفاع المضاد للصواريخ قد يؤدى إلى إنقاذ العلاقات الروسية الأمريكية، ولكن هذا الأمر يتطلب قبل كل شىء إعادة الثقة بين الجانبين، حيث إن روسياوالولاياتالمتحدة لا تملكان نفس النظم السياسية ولا نفس الأهداف ولا حتى نفس القيم. تخلص الصحيفة إلى أن روسيا تنتهج موقفا غامضا، فهى فى ذات الوقت مع وضد الغرب. فقد تعلمت النخبة السياسية الروسية أن تتعاون مع الدول الغربية، ولكنها باسم تدعيم البلاد، تحتاج دائما إلى تحديد أعداء وتبدو وكأنها قلعة محاصرة، خاصة وأن علاقات روسيا مع الغرب قد شهدت خلال السنوات الأخيرة نوعا من الفتور، زادت حدته خلال الحرب الروسية الجورجية فى أغسطس 2008.