كانت الاستعدادات لحرب أكتوبر علي الجبهة تجري علي قدم وساق وفي سرية تامة حتي لا يشعر أي أحد من الضباط أو الجنود أن الحرب قادمة، وأنها علي وشك الانطلاق وفي نفس الوقت تم تسريح قدامى المجندين من ضباط الاحتياط والجنود دفعات عام 1966، وتم إرسال كشوف الضباط الراغبين في أداء عمرة رمضان للقيادة العامة لاتخاذ الترتيبات اللازمة، لتشكيل البعثة التي تضم الضباط من مختلف الوحدات والتشكيلات في القوات المسلحة وأخطروا بمواعيد السفر في أوائل شهر رمضان المبارك. وقبل الحرب بشهر تقريبا فوجئت بخطاب من إدارة التوجيه المعنوي بإلحاقي علي جريدة القوات المسلحة التي تصدرها الإدارة أسبوعيا كل يوم إثنين، وتوزع علي جميع إدارات وتشكيلات القوات المسلحة وذلك لسد العجز في قوة التحرير بالجريدة، بعد تسريح عدد من المجندين بها لانتهاء فترة تجنيدهم التي امتدت منذ عام 1966..
وبالفعل سلمت البندقية الآلية والذخيرة وعهدتي وسلمت علي أصدقائي في الوحدة وودعتهم علي أمل لقاء قريب، حيث كان الجو العام في الوحدة والوحدات المجاورة يوحي بالإستعداد لمعركة التحرير، ولكن لا أحد يعلم متي يأتي هذا اليوم بعد طول انتظار..
وعدت إلي القاهرة وفي إدارة التوجيه المعنوي أبلغوني بالتوجه إلي مبني جريدة الجمهورية بشارع زكريا أحمد بشارع رمسيس بالقاهرة، حيث يوجد بها مكتب الجريدة والذي انتقل إليها من مبني جريدة الأخبار، وهناك استقبلني رئيس التحرير العقيد محمد الدمراوي ونائبه المقدم صبري الشربيني رحمهما الله وزميلي الصحفي سيد الهادي أطال الله في عمره وكان المحرر الرياضي لجريدة التعاون وكان مجندا مثلي يؤدي الخدمة العسكرية..
وكانت مهمتنا في الجريدة كتابة التحقيقات الصحفية في الموضوعات العسكرية المختلفة، ويوم الخميس 4 أكتوبر طلب منا رئيس التحرير الحضور يوم السبت مبكرا للأهمية ولم يبلغنا بالسبب، وحضرنا للجريدة مبكرا وبدأنا العمل في مراجعة بعض المقالات والموضوعات للجريدة، حتي فوجئنا بالبيان الأول لعبور القوات المسلحة لقناة السويس واقتحام خط بارليف.. بعد قيام الطائرات المصرية بقصف مراكز القيادة والسيطرة التي أقامتها إسرائيل في قلب سيناء في مناطق أم مرجم وأم خشيب لرد أي هجوم عليها، وعبور ابطالنا علي امتداد الجبهة لقناة السويس، ورفعوا أعلام مصر خفاقة عالية، بعد أن أزالوا أعلام العدو الإسرائيلي..
وكانت الفرحة عارمة في أنحاء مصر بعد أن عبرنا الهزيمة، وفي صباح اليوم التالي انطلقنا منذ الصباح الباكر الي إدارة التوجيه المعنوي بمدينة نصر، حيث تجمع الصحفيون ومراسلو وكالات الأنباء والمحررون العسكريون من الصحف والإذاعة والتلفزيون، وفي العاشرة صباحا انطلقت الأتوبيسات الي الجبهة..
وكنت مع مجموعة السويس في قطاع الجيش الثالث الميداني نفس المنطقة التي كنت بها عند منطقة الشلوفة، وشاهدت علم مصر يرفرف مكان العلم الإسرائيلي، وقد أزيح الساتر الترابي وأقيم المعبر، وعبرنا عليه إلي الضفة الشرقية للقناة، والتقيت بزملائي المجندين والضباط ودخلنا خط بارليف والنقطة الحصينة التي كانت في مواجهتنا تماما.. وكانت تحصيناتها قوية وبها غرف للجنود والضباط وتذكرت خنادقنا على الضفة الغربية، وكيف كانت مياه القناة تنشع فيها ولابد من تفريغها بالليل من الماء حتي يمكن النوم فيها. وعن الساعات الأولي للحرب التقيت بمجموعة من الضباط والجنود قالوا إننا بدأنا منذ الصباح الاستعداد للحرب، حيث أبلغنا القائد بالإستعداد للحرب بالسلاح والذخيرة، وكل مجموعة مكلفة بمهام معينة لاقتحام القناة وتسلق الساتر الترابي، واقتحام النقطة القوية لخط بارليف بمجرد عبور الطائرات المصرية القناة على ارتفاعات منخفضة، حتى لا يرصدها رادارات العدو..
وقالوا إننا ظللنا منذ الصباح علي أهبة الاستعداد في انتظار هذه اللحظة، حتي فوجئنا في الساعة الثانية ظهرا بأعداد كبيرة من الطائرات ونسور الجو المصريين يقتحمون القناة متجهين إلي عمق سيناء، ورأينا القذائف والصواريخ تدمر مواقع العدو والدخان الكثيف يغطي السماء..
وانطلقت صيحاتنا الله أكبر ونزلنا باللنشآت المطاطية لنعبر القناة، وبعض الجنود من فرحتهم باللحظة التي انتظروها سنوات طوال قفزوا في الماء وعبروا القناة سباحة للضفة الشرقية، ومجموعة الاقتحام ألقت قنابل الدخان داخل دشم العدو الإسرائيلي، وفوجيء الضباط والجنود الإسرائيليون بالأبطال المصريين يثأرون منهم.. وقتلوا منهم الكثير وأسروا مجموعات كبيرة من الجنود الإسرائيليين الذين فوجئوا بأبطال مصر الذين عزفوا سيمفونية النصر، وثأروا للضباط والجنود الذين استشهدوا في نكسة 67، وقضينا يوما رائعا على ضفاف القناة..
وفي سيناء الحبيبة وكانت مدفعيتنا بين الحين والآخر تطلق قذائفها على مواقع العدو، وحاول الطيران الإسرائيلي في اليوم الأول الرد علي غارات طائراتنا عليهم، إلا أنهم فوجئوا بقواعد الصواريخ التي أقامتها مصر خلال فترة وقف إطلاق النار، وأسقطت لهم عدة طائرات وتم بذلك تحييد سلاح الطيران الإسرائيلي.. الذي كانوا يتباهون به بعد النكسة، ويقولون أنه الذراع الطويلة التي لا تنهزم، وتذكرنا الغارات الجوية الآثمة التي قامت بها إسرائيل في عمق مصر، وقصفت مدرسة بحر البقر وقتلت الأطفال في فصولهم، كما شنت غارات غاشمة على مصنع أبو زعبل وقتلت العاملين..
وفي يوم العبور العظيم في السادس من أكتوبر دفعوا ثمن جرائمهم غاليا، وكان الثأر لجميع شهدائنا من العسكريين والمدنيين، وتوالت زيارات الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة والمحررين العسكريين للجبهة طوال فترة الحرب حتي وقف إطلاق النار، لنسجل بالصوت والصورة هذه البطولات والأمجاد الخالدة في تاريخ مصر والتي تظل دائما في الذاكرة كأنها كانت بالأمس القريب. وبعد انتهاء خدمتي العسكرية في أوائل عام 75 بدأت عملي الصحفي في وكالة أنباء الشرق الأوسط كمحرر عسكري للوكالة، لأواصل متابعة الأحداث الهامة التي تعيشها مصر في تلك الفترة بداية من الإنسحاب الإسرائيلي من بعض المواقع في شبه جزيرة تنفيذا لاتفاقية فك الإشتباك الأولي التي وقعتها مصر مع إسرائيل.. في أول لقاء مباشر بين الجانبين في مباحثات الكيلو 101، ورأس الجانب المصري فيها الفريق أول محمد الجمسي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والذي كان رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة والذي وضع خطة العبور ورأس الجانب الإسرائيلي في هذه المباحثات الجنرال ديفيد اليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي.. وكانت هذه المباحثات هي الأولي من نوعها التي يلتقي فيها القادة العسكريون المصريون والإسرائيليون وجها لوجه على مائدة مفاوضات بعيدا عن أزيز الطائرات وقذائف المدفعية والصواريخ. السادس من أكتوبر يوم العبور العظيم (2) العناني أول رئيس مصري لليونسكو وحكي لي الفريق الجمسي ذكرياته عن هذه المباحات أنه لم يستطع النوم طوال الليل عندما أبلغه المشير احمد إسماعيل علي أنه سيرأس الوفد المصري في مواجهة الوفد الإسرائيلي، وقال إنني قضيت عمري كله عدوهم وأحاربهم، وسيذكر التاريخ أنني أول من جلس معهم ولكنني مستعد للقيام بأي شيء في سبيل مصر.. وقال طلبت من أعضاء الوفد أن نلتقي في قصر الطاهرة لنصلي الفجر سويا وأعطيهم التعليمات، وحين إلتقيت بهم وأتذكر منهم اللواء طه المجدوب قلت لهم عندما نصل إلي مكان المباحثات عند الكيلو 101 عند مدخل مدينة السويس لا تبدأوا بالتحية، وإذا حيوكم تردوا التحية فقط، وإذا سلموا باليد تسلموا باليد.. وقال عندما وصلنا إلي الخيمة التي ستشهد المباحثات كان في انتظارنا الجنرال أنزيو سيلاسفو قائد قوات الطوارئ الدولية، وحياني بالسلام ومن ورائه رئيس الاركان الإسرائيلي، وأحيانا أيضا بالسلام، وبدأنا المباحثات داخل الخيمة، وعقدنا عدة جولات إنسحبت بعدها اسرائيل من بعض المناطق في سيناء.. وحضرت مع الزملاء المحررين العسكريين إنسحاب إسرائيل من مناطق البترول في بلاعيم وأبورديس، وكانت هذه بداية انسحابات إسرائيل من سيناء حتي قام الرئيس السادات بمبادرته التاريخية واستعادت مصر أرضها بالكامل.. رحم الله الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك والقادة العسكريين لما قدموه من أجل مصر، وأطال الله في عمر الرئيس عبدالفتاح السيسي ليواصل المسيرة من أجل رفعة مصر وعزتها. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا